تموز يقرع الناقوس
معد فياض
"تموز يقرع الناقوس".. عنوان مسرحية من تاليف الكاتب الراحل عادل كاظم، وأخراج الراحل سامي عيد الحميد، حيث قدكتها فرقة المسرح الفني الحديث في 10 كانون الاول عام 1968، يقول عنها مؤلفها "تتحدث عن ثورة بابل على النمرود في تلك الفترة التي قادها تموز، الفتى البابلي الذي تزعّم هذه الثورة". ولا اعلم ان كانت تهدف الى تمجيد ثورة 14 تموز 1958 وبطلها عبد الكريم قاسم، ام ثورة 17 تموز 1968 وبطلها صدام حسين، ام ان كلا الافتراضين بعيدين عن نص وروح المسرحية لا سيما وان الكاتب عادل كاظم وكذلك المخرج سامي عبد الحميد وفرقتهم التي غالبية اعضائها من الشيوعيين بعيدين كل البعد عن تمجيد هذا او ذاك.
وتـموز، كما في الموسوعة "هو الشهر السابع من شهور السنة الميلادية حسب الأسماء السريانية المستعملة في المشرق العربي، يقابله في التسمية الغربية شهر يوليو أو يوليوز أو جويليه، وأصل الاسم نسبة للإله تـموز، إله الخصب عند البابليين."
هنا، دفعاً للبس، لم استعر من المسرحية سوى عنوانها، ولا أتحدث عنها، بل عن علاقة شهر تموز عند العراقيين وعلاقة هذا الشهر بالانقلابات العسكرية والأزمات والاحتجاجات، منذ حضارة بابل.
كان أول انقلاب عسكري بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة، في ظل العهد الملكي، قد قام به قائد الفرقة الثانية ووكيل رئيس أركان الجيش بكر صدقي في 29 تموز عام 1936.أما أشهر انقلاب، والذي غيّر مجريات الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فهو انقلاب عام 1958 والذي قامت به زمرة من الضباط الذين اطلقوا على أنفسهم تسمية (الضباط الأحرار) وقادهم العقيد (الزعيم) المتعطش للسلطة عبدالكريم قاسم عندما توجهوا بدبابات الجيش العراقي نحو العاصمة بغداد فجر 14 تموز من ذلك العام، وهجموا على قصر الرحاب الملكي، حيث مزقت بنادقهم أجساد العائلة المالكة، وفي مقدمتهم الملك الشاب فيصل الثاني.
بعد عشر سنوات بالضبط اتفق البعثيون مع كبار ضباط الحرس الجمهوري والاستخبارات العسكرية للقيام بانقلاب 17 تموز عام 1968، وبعد أقل من أسبوعين، في 30 تموز من العام ذاته، انقلب البعثيون على من دعمهم من العسكريين، وبعد أكثر من عشر سنوات أخرى انقلب صدام حسين، نائب الرئيس أحمد حسن البكر، على رئيسه في 17 تموز 1979 ليتسلم السلطة.
بقوة الجيش العراقي والاجهزة الاستخبارية والامنية احكم صدام حسين قبضته على العراق والعراقيين، وبمساندة ضباط الجيش العراقي بطش صدام حسين بالشعب العراقي.
ان المفارقة الرقمية، او التاريخية هنا هي مفارقة عقدية،مستمدة من عقد، اي عشر سنوات، وهي ايضا مفارقة تموزية، فقد تم القضاء على العائلة المالكة خلال انقلاب 14 تموز1958، وبعد عشر سنوات وفي تموز ايضا، 17 تموز1968 حدث انقلاب البعثيين على عبد الرحمن عارف. وفي 30 تموز 1968 انقلب صدام حسين على من تآمر معهم من ضباط كانوا تابعين للرئيس عارف ومسيطرين على الاستخبارات والقصر الجمهوري للاطاحة بالرئيس عارف ومن ثم تم تصفيتهم جسديا بعد ان نفاهم خارج العراق وهما الضابطين : الاول هو عبد الرزاق سعيد النايف والذي تم تنصيبه كاول رئيس وزراء للعراق بعد انقلاب 17 تموز عام 1968 مكافئة لخيانته للرئيس عبد الرحمن عارف بحكم منصبه كمدير للاستخبارات العسكرية، وحسب اتفاق مسبق مع البعثيين الذين اطاحوا به وبحكومته بعد آقل من أسبوعين في انقلاب 30 تموز1968.اما الضابط الثاني الذي تآمر مع البعثيين ضد الرئيس عارف فهو ابراهيم الداوود.
وبعد عشر سنوات اخرى، وفي تموز ايضا،16 تموز 1979انقلب صدام حسين على قائده الحزبي والعسكري والحكومي احمد حسن البكر. وبعد يومين من ذلك قام بتصفية البعثيين والحرس القديم في الحزب لانهم رفضوا اسلوب انتقال السلطة من غير الرجوع الى النظام الداخلي للحزب متهما اياهم بالتآمر ضده مع الرئيس السوري حافظ الاسد،واعدم رفاقه بنفسه، في حادثة سميت بمجزرة قاعة الخلد.
العراقيون يسمون تموز شهر الانقلابات والثورات، ومنذ اكثر من خمسة الاف سنة وتموز، وكلما ارتفعت درجات الحرارة، يقرع الناقوس..اليوم ينتظر، بل ويتمنى، العراقيون أن يقرع تموز ناقوس التغيير والثورة ضد الفساد والخراب والمحاصصة الطائفية وتغييب الكفاءات عن مواقعهم الحقيقية..ليس شرطا ان تكون الثورة حمراء، بل ان التغيير يجب ان يكون من داخل مؤسسة الحكم إن ارادت، هذه المؤسسة القيام يتغييرات حقيقية..وان عملت بالفعل على اجراء انقلاب سلمي من اجل الاصلاح..ولكن يبقى السؤال: هل تريد المؤسسة الحاكمة اصلاح الاوضاع والقضاء على الفساد؟ ام سيبقى العراقيون في انتظار ناقوس تموز.
روداو