• Sunday, 24 November 2024
logo

التلوُّث بالمواد البلاستيكية

التلوُّث بالمواد البلاستيكية

يُنتِج العالم حالياً نحو 430 مليون طن من اللدائن البلاستيكية، ومع ذلك لا يُعاد تدوير سوى 9 في المائة منها، فيما تنتهي الكمية المتبقية في مكبّات النفايات والمسطحات المائية والأراضي الزراعية والأماكن المفتوحة. وتُقدِّر الأمم المتحدة أن بين 19 إلى 23 مليون طن من النفايات البلاستيكية تتسرب إلى البحيرات والأنهار والبحار سنوياً. وتُشير التقديرات أيضاً إلى أن كل شخص على هذا الكوكب يبتلع مع الماء والغذاء أكثر من 500 ألف جزيء بلاستيكي دقيق سنوياً، وقد تكون الكمية أكبر بكثير إذا احتُسِبت الجزيئات المعلّقة في الهواء.

ولا تزال المخاطر الصحية والبيئية للمخلّفات البلاستيكية موضع بحث علمي، رغم وجود الكثير من المؤشرات على أضرارها المتزايدة وانتشارها في العديد من الأوساط، حيث جرى العثور على جزيئات بلاستيكية في مناطق نائية مثل قيعان المحيطات وذرى الجبال والمناطق القطبية. ويمكن لابتلاع الجزيئات البلاستيكية واستنشاقها أن يسبب مشكلات صحية للكائنات الحية، تشمل انسداد الأمعاء والاختناق والتسمم والربو والتهاب الشُعب الهوائية. كما أن المركّبات الكيميائية التي تُضاف إلى اللدائن تحتوي مواد سامّة، يسبب بعضها السرطان ومشكلات في الإنجاب والنمو.

وعندما يُحرق البلاستيك تتحرر عنه ملوّثات ضارة في الهواء، مثل الديوكسينات والفيوران، تسبب أمراضاً خطيرة ومصاعب في الجهاز التنفسي. ومن الناحية الفيزيائية، تؤدي المخلّفات البلاستيكية إلى تشويه المنظر العام، وتقيّد حركة الحيوانات، وتعرقل الأنشطة الزراعية. وخلال دورة حياة المنتجات البلاستيكية، من التصنيع إلى التخلُّص أو التدوير، تنتج عنها انبعاثات كربونية تساهم في تغيُّر المناخ العالمي.

وفي مقابل ذلك، لا يمكن إنكار فوائد البلاستيك التي تجعل التخلي عنه أمراً صعب المنال. فهو مادة خفيفة سهلة التشكيل، متينة وزهيدة الثمن. وهو يدخل في الصناعات الطبيّة وتغليف الأغذية لكفاءته في حماية المواد من التلوُّث الخارجي. كما يحافظ البلاستيك على نضارة ونكهة ما يُخزّن به من طعام وشراب، وهو الوسيلة المفضلة لتخزين المنتجات الكيميائية، لا سيما مواد التنظيف. وفوق كل ذلك، تشكّل المنتجات البلاستيكية بدائل عملية تساهم في خفض استنزاف الموارد الطبيعية كالأشجار والثروات المعدنية.

ويمكن اعتبار البلاستيك لاعباً أساسياً في حماية الصحة العامة منذ جرى تسويقه تجارياً قبل أقل من مائة عام. وأظهرت السياسات الصحية التي انتهجتها العديد من الدول المتقدمة خلال جائحة كورونا الدور الهام للمنتجات البلاستيكية في مواجهة انتشار الوباء. ومع ذلك، يبقى الاستخدام غير الرشيد للمنتجات البلاستيكية وتراكم مخلّفاتها في الطبيعية مصدر قلق واهتمام عالمي.

وكانت 193 دولة وافقت في مارس (آذار) 2022 على إنهاء التلوُّث بالبلاستيك، وإجراء مفاوضات حول اتفاقية ملزمة قانوناً بحلول 2024. واستضاف برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) في نهاية مايو (أيار) 2023 جولة مفاوضات ثانية للوصول إلى نهج شامل يعالج دورة الحياة الكاملة للبلاستيك، ويلحظ التلوُّث الذي يطال المحيطات.

أهداف قابلة للتحقيق
وأشار تقرير، صدر مؤخراً عن «يونيب» في إطار التحضير لجولة المفاوضات الثانية، إلى قدرة العالم على خفض التلوُّث البلاستيكي بنسبة 80 في المائة بحلول عام 2040. وأن التغييرات المطلوبة لتحقيق ذلك كبيرة، لكنها عملية وذات تكاليف معقولة. ويقترح التقرير أولاً التخلي عن المواد البلاستيكية غير الضرورية، كمواد التغليف المفرطة. ويدعو إلى زيادة إعادة استخدام المنتجات البلاستيكية، كالعبوات القابلة لإعادة الملء، كما يدعم إعادة تدوير واستبدال بدائل صديقة للبيئة بالبلاستيك.

ويتوقع تقرير «يونيب» أن تجلب التغييرات المقترحة، من الآن وحتى 2040، عوائد إجمالية تبلغ ثلاثة تريليونات دولار، عبر تقليل الأضرار التي تسببها المواد البلاستيكية للصحة والمناخ والبيئة. وتشير التقديرات إلى أن مثل هذا التحوُّل، مدفوعاً بالسياسات الحكومية والتغيُّرات في صناعة البلاستيك، يمكنه خفض التلوُّث البلاستيكي إلى حوالي 40 مليون طن في عام 2040، بدلاً من 227 مليونا إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء.

وإلى جانب إعادة الاستخدام وتبنّي مواد بديلة صديقة للبيئة، يقترح التقرير فرض ضرائب على البلاستيك البكر وإلغاء دعم الوقود الأحفوري لجعل إعادة التدوير أكثر جاذبية من الناحية الاقتصادية مقارنة بإنتاج البلاستيك الجديد. ومن المهم أيضاً فرض إرشادات حول التغليف لزيادة قابلية المنتجات لإعادة التدوير.

وفي مجال تغيُّر المناخ، يتوقع التقرير أن الخفض بنسبة 80 في المائة سيمنع انبعاث 500 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، وهي كمية تعادل انبعاثات كندا. وسيؤدي هذا التحوُّل إلى زيادة صافية في قطاعات الأعمال المختلفة تصل إلى 700 ألف وظيفة بحلول عام 2040، معظمها في البلدان المنخفضة الدخل.

ويرى كثيرون أن تقديرات «يونيب» في تقريره الأخير مفرطة بالتفاؤل، وهي تقدّم عدداً من البدائل غير المثبتة، بحيث تبدو عملية وسهلة التطبيق. ويشير «تحالف علماء من أجل معاهدة بلاستيك فعّالة» (SCEPT)، الذي يضم 200 عالِم تمت دعوتهم للتعليق على التقرير قبل نشره، إلى أن مخاوفهم وانتقاداتهم جرى تجاهلها. ومن بين هذه المخاوف ما يتعلّق بإدراج إعادة التدوير الكيميائي كحلّ مؤقت محتمل، رغم عدم الاعتراف به كإدارة سليمة بيئياً بموجب اتفاقية بازل.

وبينما يبني تقرير «يونيب» آماله على تحقيق خفض بنسبة 80 في المائة في التلوُّث البلاستيكي مع «الاقتصاد البلاستيكي الجديد» المقترح، فإن هذا الرقم لا يمثّل انخفاضاً حقيقياً بل تضييقاً لنطاق وتعريف ما يُعد تلوُّثاً بلاستيكياً من منظور دورة الحياة الكاملة. وقد تجاهل التقرير حساب العناصر الأخرى للتلوُّث البلاستيكي، مثل الانبعاثات السامة وانبعاثات غازات الدفيئة خلال مراحل تصنيع المنتجات البلاستيكية الأولى.

كما أصدرت منظمة «غرينبيس» تحذيراً من أن البلاستيك المعاد تدويره قد يكون أكثر سميّة ولا يصلح للاستخدام بسبب تلوُّثه. وتخلص المنظمة الدولية، في تقرير ضمّ مجموعة من الأبحاث حول مخاطر تدوير البلاستيك، إلى أن البلاستيك بطبيعته غير متوافق مع الاقتصاد الدائري.

ويقول التقرير إن البلاستيك المعاد تدويره يحتوي غالباً مستويات أعلى من المواد الكيميائية، مثل مثبطات اللهب السامة والبنزن والديوكسينات والكلور والعديد من الملوّثات البيئية والمواد المسرطنة وعوامل اختلال الغدد الصماء التي يمكنها التسبب بتغيُّرات في مستوى الهرمونات الطبيعية في الجسم. وتقوم الدول الغنية بتصدير نفايات البلاستيك إلى الدول الفقيرة لإعادة تدويرها، وهي ممارسة حاولت التعديلات الأخيرة على اتفاقية بازل وضع شروط صارمة لها وتقييدها.

من المتوقع أن يتضاعف إنتاج البلاستيك عالمياً ثلاث مرات بحلول 2060. وفيما تتباين الآراء حول طرق معالجة التلوُّث البلاستيكي، يتفق الجميع على ضرورة ترشيد استهلاك المنتجات البلاستيكية، وإعادة استخدامها كلّما كان ذلك ممكناً، ودفع عجلة البحث العلمي نحو إيجاد حلول فعّالة ومجدية للتخلص من نفاياتها.

 

 

 

الشرق الاوسط

Top