«ديب سيك»: 3 أشياء يجب معرفتها بعد هدوء عاصفة إطلاقه
مع تلاشي الضجيج الأوْلي لإطلاق «ديب سيك» DeepSeek، إليك التأثيرات المحتملة على المدى الأطول.
لا يتسبّب إطلاق نموذج ذكاء اصطناعي جديد واحد عادةً في إثارة ضجة كبيرة خارج دوائر التكنولوجيا، ولا يُخيف المستثمرين عادةً بما يكفي لمحو تريليون دولار في سوق الأسهم. الآن، بعد أسبوعين من اللحظة الكبرى، هدأت العاصفة، كما كتب جيمس أودونيل (*).
تأثيرات بعيدة المدى
ما التأثير الذي من المرجح أن يُحدثه «ديب سيك» في مجال الذكاء الاصطناعي على المدى الأبعد؟ إليكم ثلاث بذور زرعها «ديب سيك» التي سوف تنمو حتى مع تلاشي الضجيج الأولي.
* أولاً - نقاش حول استهلاك الطاقة. أي مقدار الطاقة الذي ينبغي السماح لنماذج الذكاء الاصطناعي باستخدامه في السعي للحصول على إجابات أفضل.
ربما سمعت أن «ديب سيك» موفر للطاقة. وهذا صحيح بالنسبة إلى مرحلة التدريب، ولكن بالنسبة إلى الاستدلال، أي عندما تسأل النموذج عن شيء ما ويعطي إجابة، فإن الأمر معقّد.
النموذج يستخدم تقنية سلسلة الأفكار التي تقسّم الأسئلة المعقدة - مثل ما إذا كان من المقبول الكذب لحماية مشاعر شخص ما - إلى أجزاء، ثم تجيب منطقياً عن كل منها. تسمح الطريقة لنماذج مثل «ديب سيك» بأداء أفضل في الرياضيات والمنطق والترميز والمزيد.
طريقة التفكير واستهلاك الكهرباء
المشكلة، على الأقل بالنسبة إلى البعض، هي أن طريقة «التفكير» هذه تستهلك قدراً أكبر بكثير من الكهرباء من الذكاء الاصطناعي الذي اعتدنا عليه. على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي مسؤول عن شريحة صغيرة من إجمالي الانبعاثات العالمية في الوقت الحالي، إلا أن هناك دعماً سياسياً متزايداً لزيادة كمية الطاقة الموجهة نحو الذكاء الاصطناعي بشكل جذري.
سواء كانت كثافة الطاقة في نماذج سلسلة الأفكار تستحق ذلك أم لا، فهذا يعتمد بالطبع على ما نستخدم الذكاء الاصطناعي من أجله.
ويخشى بعض الخبراء أن تؤدي روعة «ديب سيك» إلى دفع الشركات لدمجها في كثير من التطبيقات والأجهزة، رغم أن المستخدمين سوف يستغلونه في سيناريوهات لا تتطلّب الحاجة، مثل مطالبة «ديب سيك» بشرح «نظرية النسبية» لأينشتاين، فذلك مضيعة للوقت، على سبيل المثال، لأنه لا يتطلّب خطوات التفكير المنطقي، ويمكن لأي نموذج محادثة نموذجي للذكاء الاصطناعي القيام بذلك في وقت وطاقة أقل.
تطورات صينية إبداعية
* ثانياً - إبداعات التدريب. حقّق نموذج «ديب سيك» بعض التطورات الإبداعية في كيفية تدريبه، ومن المرجح أن تحذو شركات أخرى حذوه.
لا تتعلّم نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة فقط من خلال الكثير من النصوص والصور ومقاطع الفيديو. تعتمد هذه الشركات بشكل كبير على البشر لتنظيف هذه البيانات، وشرحها، ومساعدة الذكاء الاصطناعي في اختيار استجابات أفضل، غالباً مقابل أجور زهيدة.
إحدى الطرق التي يشارك بها العمال البشريون هي من خلال تقنية تُسمّى «التعلم التعزيزي» مع ردود الفعل البشرية. يولّد النموذج إجابة، ويسجل المقيّمون البشريون هذه الإجابة، ويتم استخدام هذه الدرجات لتحسين النموذج. كانت «أوبن إيه آي» التي طرحت «جي بي تي» رائدة في هذه التقنية، رغم أنها تُستخدم الآن على نطاق واسع من قِبل الصناعة.
أتمتة عملية التعلّم
إلا أن «ديب سيك» فعل شيئاً مختلفاً؛ لقد توصل إلى طريقة لأتمتة عملية التسجيل والتعلّم التعزيزي. وصرّح إيتامار فريدمان، مدير الأبحاث السابق في «علي بابا»، المؤسس المشارك، الرئيس التنفيذي لشركة «Qodo»، بأن «تخطي أو تقليص ردود الفعل البشرية شيء كبير... لأنك تدرّب النماذج بالكامل تقريباً دون الحاجة إلى البشر للقيام بالعمل».
وذهبت شركة «ديب سيك» إلى أبعد من ذلك، واستخدمت تقنيات تذكّرنا بكيفية تدريب «ديب مايند» من «غوغل» لنموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها في عام 2016 للتفوق في لعبة «Go»؛ إذ جعلته يرسم التحركات المحتملة ويقيّم نتائجها. ومن المؤكد أن شركات أخرى ستتبع هذه الخطوات إلى الأمام، خصوصاً أنها موضحة على نطاق واسع في وثائق «ديب سيك» مفتوحة المصدر.
تكلفة متهاودة
*ثالثاً - التكلفة المادية المتهاودة. سيعمل نجاح «ديب سيك» على تأجيج نقاش رئيسي: هل يمكنك الدفع من أجل أن يكون بحث الذكاء الاصطناعي مفتوحاً للجميع، والدفع من أجل القدرة التنافسية للولايات المتحدة ضد الصين في الوقت نفسه؟
قبل وقت طويل من إصدار «ديب سيك» نموذجها مجاناً، كانت بعض شركات الذكاء الاصطناعي تزعم أن الصناعة بحاجة إلى أن تكون كتاباً مفتوحاً.
إذا اشترك الباحثون في مبادئ مفتوحة المصدر معينة وأظهروا عملهم للجميع، فإن السباق العالمي لتطوير الذكاء الاصطناعي الفائق الذكاء يمكن التعامل معه بوصفه جهداً علمياً من أجل الصالح العام، وسيتمّ التحقّق من قوة أي ممثل واحد من قِبل المشاركين الآخرين.
ويقول المستثمر مارك أندريسن إن الأساليب مفتوحة المصدر يمكن أن تكون أكثر فاعلية في الحفاظ على سلامة الذكاء الاصطناعي من التنظيم الحكومي.
الشرق الاوسط