• Wednesday, 17 July 2024
logo

حذاء نجا من الحرب وسبعة عشر حلماً

حذاء نجا من الحرب وسبعة عشر حلماً

في صالة بدت كصندوق معفر بالرماد، عرضت الفنانة التشكيلية السورية صفاء الست مجموعة جديدة من أعمالها أسمتها «أحلام اليقظة... حين يمضي المرء معظم حياته يحلم وهو مستيقظ؛ لأن الحلم لا يكلف المرء شيئاً».

اختارت صفاء الست منزل أحد أصدقائها مكاناً لعرض أعمالها الكبيرة الحجم؛ لأن لا مكان آخر مثله يتسع لها، ولأن هذا المنزل الكائن في حي أبو رمانة، أحد الأحياء الراقية بدمشق، كان ملاذاً لأعمالها بعدما تقطعت الطرق إلى المحترف بريف دمشق خلال المعارك عام 2015. وشكّلت تلك الأسباب فرصة لأن يُهيأ المكان ليكون جزءاً لا يتجزأ من «أحلام اليقظة» التي عبّر عنها سبعة عشر عمل نحت تجميعياً من المعادن ومواد أخرى، بالإضافة إلى عمل قديم «حذاء كعب عالي» يعود إلى معرض «مذكرات حذاء» عام 2011. وتقول صفاء الست إنها ضمته إلى هذا المعرض احتفاءً بنجاته من الحرب، فقد عثرت عليه في المحترف في الغوطة الشرقية بعد توقف المعارك، وكان فرحها بسلامته كبيراً فحملته من محترفها هناك إلى قلب دمشق، مع برميلين صدئين وقطعة خشب طويلة تستخدم في البناء، وجعلتهما قاعدة لأحد أكثر الأعمال الجديدة تميزاً «أحلم أن أزور دولاً كثيرة». وهو عبارة عن رأس حديدي بتفاصيل تعبيرية يخرج من أعلاه قضبان مزينة بمكعبات نحاسية تحركها صفاء بأصابعها مبتسمة للحلم، وبكثير من المتعة تنتقل مشاعرها إلى المعدن الصلد المعتم فيلمع بين جدران رمادية، ممتصاً ظلال الإنارة الشحيحة، في مشهد حلمي مشوب بالغموض. يتنقل المتفرج من عمل إلى آخر ومن حلم إلى آخر بدءاً من حلم طفل بامتلاك دراجة حمراء مروراً بحلم امتلاك بيت ورؤية الأصدقاء الغائبين والعبور بسلام، والعثور على شريك حياة وليس انتهاءً بحلم السيطرة على العالم... باقة أحلام وتمنيات جمعتها الفنانة من أحلام الجميع كما جمعت مواد العمل الواحد لتقول إنها «أحلام من حولي وأحلام البشر عموماً».

لكن حلمها الخاص تجلى بعمل لافت وهو التحول إلى شجرة في العالم الآخر، عبرت عنها بسبع أوراق نباتية، ست منها من المعدن وواحدة من المعدن مع مادة البلكسي الشفافة، والأوراق السبع تتجه إلى الأسفل ضمن إطار بلكسي مربع، ضلعه الأعلى شخص ممدد بوضعية الموت. تحرك صفاء الأوراق بيديها لتغير انعكاس الضوء؛ فالحركة تعدّ من الإضافات الجديدة على أعمال صفاء الست النحتية؛ إذ تضيف أداة أخرى لتحريض خيال المتلقي إلى جانب أدوات سبق واستخدمتها ببراعة، تعيد صفاء تحريك اتجاه الأوراق قائلة لزوار معرضها إنها جذور الجسد حين يوارى الثرى: «أحب أن أبقى موجودة في هذا العالم على هيئة شجرة».

منذ بدايتها الفنية قبل عشرين عاماً تجهد صفاء الست في تطويع أدواتها الفنية للتحقيق معادلة جمالية شاقة بين المعدن الصلب المصمت وطلاقة الفكرة المتخمة بالمشاعر، ويظهر هذا بوضوح في عمل «حلم الأمومة» الذي تطلب تلحيم عدد كبير من القصاصات المعدنية من حديد ونحاس وتشكيلها بانسيابية كفن رقعي ينضح بالأمومة، في تجريد مبسط لانحناءات جسد الأم دون مقاربة الشكل الواقعي.

تحرص صفاء الست على تطوير مهاراتها التشكيلية في النحت التجميعي للمعادن، وفي كل معرض هناك جديد بالخامات المستخدمة، والتقنيات الفنية والأفكار؛ فقد أدخلت في هذا المعرض بعض الألوان مثل عمل «أضواء المسرح والشهرة»، والمواد الأخرى للمعادن كالأحجار التي جاءت بها من المباني المهدمة في محيط محترفها في ريف دمشق، وأدخلتها في عمل «أريد أن أبني بيتاً» كما أدخلت النحاس ومادة البلكسي الحديثة التي وفقت باستخدامها في عمل «توأم الروح».

مع كل معرض فردي تطل صفاء بمقترحات جمالية جرئية تصل حدود الصدمة، حين تضخ في المعادن البائسة فيضاً من الأحاسيس والمشاعر ضمن رؤية واضحة، تصيب المتلقي بدهشة تأخذه إلى حيز رحب يتراوح بين قسوة الفكرة ورقة التعبير في السخاء المذهل للتفاصيل، كاستخدام تفاحة حمراء أو وردة أو عصافير نحاسية بالشكل والحجم الطبيعي ضمن أعمال ضخمة تتزاحم فيها قطع المعادن والتفاصيل لتشكل المعنى.

 

 

 

الشرق الاوسط

Top