حكومة الكهرباء
طارق كاريزي
أنا لست من المؤمنين بنظرية المؤامرة. هذا لا يعني ان العاملين الاقليمي والدولي لا تأثير لهما على المعادلات الداخلية في أي بلد كان. والعراق منذ عام 2003 أصبح أكثر عرضة لتأثير العاملين الاقليمي والدولي. ومهما كان تأثير هذين العاملين كبيرا، لا يمكن أن يتحولا الى السد المنيع أمام خطط وبرامج الحكومة للنهوض بأعبائها. كثيرون استبشروا خيرا بعد سقوط النظام السابق، وتوقع البعض بأن العراق سيتحول الى تجربة اخرى تضاف الى تجارب دول الخليج من حيث النجاحات التي حققتها في مجالات عدة، وفي مقدمتها الاعمار والأمن والرفاهية والخدمات.
بعد مرور عقدين على عام التغيير، تبدو الصورة قاتمة وابعد ما تكون عن التصورات والتكهنات التي بشر بها البعض وخمّنها البعض الآخر وتوقعها الكثيرون، خصوصا بعد تحطم الصندوق المغلق الذي تم فيه حجر الشعب العراقي قبل عام 2003، علاوة على انتهاء مبررات الحصار الأممي المفروض على العراق بعد غزو الكويت. طيب هل كتبت اللعنة على أهل الرافدين؟ أين الخلل في معادلة الحكم وادارة السلطة في العراق؟ هل الحالة العراقية تأبى الحل وتستعصي عن التوصل الى صيغة مستقيمة لجهة ادارة السلطات؟ انها أسئلة مشروعة، وهي رغم جديتها، قد تدخل باب الفضول والترف اللفظي، مع هذا نحن بحاجة ماسة لتلمس الطريق من أجل أن تستقيم الحياة في بلد يمتلك الثروتين البشرية والمادية بما يفوق الكفاية. مع هذا فهو لا يبرح مربع الأزمات ليسير نحو برّ الأمان ومحطة الازدهار والرفاهية.
ليس من المنطق ولا هو بالمفيد، أن نتحدث من موقع المرشد والواعظ ، الحالة ومعضلاتها بيّنة أمام الجميع، والحلول النظرية يمكن وضع خطوطها العريضة في جلسة لثلة من الخبراء، وتبقى الاشكالية في الفعل والاجراء العملي الذي لا زلنا نفتقدهما. مع هذا لا نستطيع أن نلتزم الصمت أمام بلدنا، وهو يراوح في لجة التأخر ويعاني السكان من الحرمان على جميع أصعدة الحياة. وبالمناسبة، سررت كثيرا لثمار الزيارة التي قام بها دولة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الى فرنسا، وجاء ضمن المشاريع التي تم الاتفاق بشأنها (بل توقيعها) مع الجانب الفرنسي، تنفيذ مترو بغداد. خبر يثلج الصدور، لكن هل فعلا سيتحقق؟ هل سيتم انجاز هذه الاتفاقيات المبرمة بين هرم السلطة في العراق وفرنسا؟ وهل ستشهد بغداد خدمات المترو؟ نحن ننظر بأمل عريض للمقبل من الأيام والسنين، ويهمنا جدا أن تنفض بغداد غبار التأخر عن ركب المدنية والحضارة عن نفسها، اسوة بباقي العواصم في المنطقة، وأن يبدأ البلد عموما دورة النهوض وينهي فصولا مأساوية من الحروب والصراعات العبثية التي لم تثمر سوى الخراب والدمار والتأخر والحرمان. والأمل وحده لا يكفي، بل لابد من رجال من طراز صناع المنجزات وعابري الموانع ومجتازي المعوقات. فهل يمتلك العراق الحالي هكذا رجال؟ لا نبخس قادتنا السياسيين، لكن ادارة الدولة العراقية منذ عقدين لا تقدم صورة مشرقة للواقع الذي نعيش، عسى ان يكون مشوار الشروع نحو التقدم والنهوض الحقيقي منذ اللحظة التي نعيشها حاليا.
من باب الحرص اردد في كثير من الأحيان مع نفسي، ماذا لو قامت كل حكومة عراقية تشكلت بعد عام 2003 بمعالجة قطاع خدمي واحد من القطاعات؟ وهنا أقصد القطاعات الخدمية الاساسية من ماء وكهرباء وطرق ومجاري الصرف الصحي وقطاعي الصحة والتربية والتعليم. وفي هذا المنحى أتمنى، وهنا التمني هو من باب محدودية قدرتي، ولا سبيل أمامي لجهة التأثير سوى الكلمات التي أنشرها، نعم أتمنى أن تكون الحكومة الحالية حكومة الكهرباء. بمعنى أن ترصد جهدها الأكبر لمعالجة مشكلة الكهرباء في البلد من خلال بناء محطات التوليد وتصليح خطوط وشبكات التوزيع ورصد ورفع التجاوزات وانهاء دور المولدات. ومن المؤكد أربع سنوات ليست بقليلة لمعالجة مشكلة الكهرباء وموازنة الدولة العراقية ليست بقاصرة من حيث تلبية مشاريع في مجال الطاقة الكهربائية، وأرضية معالجة هذه المشكلة متوفرة تماما.
باسنيوز