هل يمكن تعويم الأسد من البوابة التركية؟
بسام اليوسف
لم تفلح محاولات عدة أطراف عربية في فك عزلة بشار الأسد، فقد حاولت الإمارات العربية المتحدة، ومثلها الجزائر، وطرح الأردن محاولة خجولة، وقبلها حاول السودان عبر رئيسه في ذلك الحين، والذي يحاكم اليوم (عمر حسن البشير)، وغير ذلك من المحاولات، وكل هذه المحاولات فشلت، فهل يمكن أن تنجح تركيا اليوم في ما عجزت عنه المحاولات السابقة؟
بالتأكيد هناك اختلافات جوهرية وعميقة بين المحاولات العربية وبين محاولة تركيا، فالأطراف العربية التي حاولت تعويم الأسد انطلقت من اعتبارات سياسية تربطها بالنظام السوري، لكنها ليست طرفا أساسياً وفاعلاً في الحدث السوري، وليس لها تداخلات جغرافية، وعسكرية وديموغرافية كما لتركيا، وهي أيضاً – أي الأطراف العربية – لا تملك الثقل الإقليمي والدولي الذي يؤهلها للعب دور نوعي، ولا يؤهلها أيضاً للضغط على الأطراف الدولية الفاعلة في الشأن السوري، بينما تمتلك تركيا دورها القوي في الملف السوري، ودورها الإقليمي والدولي الفاعل، خصوصاً في ظل الاستقطاب العالمي الحاصل بفعل الحرب الروسية على أوكرانيا، لكن رغم هذا التفاوت بين قدرات هذه الأطراف يبقى السؤال الذي يطرح بقوة: هل تستطيع تركيا تعويم بشار الأسد؟
لا تستطيع تركيا اتخاذ قرار تعويم بشار الأسد حتى لو أرادت، ولا تستطيع فعله حتى لو اتخذته، فهناك أطراف كثيرة يجب أن تحظى تركيا بموافقتها مسبقاً فيما لو أرادت ذلك، وهي أطراف فاعلة، وقادرة، وتأتي في مقدمتها أميركا وكثير من الدول الأوروبية، ورغم أن تركيا يمكنها اليوم استغلال تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي عززت من وزنها وأهميتها، لكنها تدرك جيداً أن عقبات كبيرة سيكون من الصعب تجاوزها، وأن هناك قانون “سيزر”، وهناك تصريح أميركي لايزال طازجا والذي جاء مؤخراً على لسان المتحدث الإقليمي في الخارجية الأميركية، "سامويل وربيرغ" ليذكر بالقرار الذي وقّعه الرئيس الأميركي مؤخرا، وأصبح ساري المفعول، والمتعلق بتصنيع وتهريب المخدرات التي يقوم بها النظام السوري، لا سيما أنه أتى بعد لقاء وزراء دفاع روسيا وتركيا وسوريا بأن "الولايات المتحدة الأميركية لا تدعم أي عملية تطبيع مع الديكتاتور بشار الأسد، وأن أميركا تحث الدول على النظر بعناية إلى تاريخ نظام بشار الأسد".
ما يلفت الانتباه هو سرعة إيقاع التقارب السوري التركي، فاللقاءات تتحدد خلال أيام، وبعد اجتماع وزراء الدفاع تم اقتراح اجتماع سريع بين وزيري الخارجية.. فلماذا هذه السرعة، وهذا الإلحاح والضغط لتحقيق خطوات ملموسة فيه، على الرغم من أن هذا الخيار كان أضعف الخيارات، وأقلها اهتماما؟
لم يبق من حلفاء بشار الأسد على الأرض السورية من لم يغرق في أزماته ومشكلاته، بدءا من "حزب الله" الذي سخّر كل ما يستطيع من إمكانات لبنان لإنقاذ النظام السوري، الأمر الذي عجل من انهيار الدولة اللبنانية ولم ينقذ بشار الأسد، أو في إيران التي تترنح تحت وطأة المظاهرات المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، والتي تنهار اقتصادياً، مروراً بالفضيحة المصرفية العراقية، والأموال المنهوبة من العراق خدمة للولي الفقيه وأتباعه في سوريا ولبنان، ووصولاً إلى روسيا التي تتخبط في حربها على أوكرانيا، كل هذه الظروف تدفع تركيا اليوم لتستعجل التقارب مع النظام السوري، فهي فرصتها السانحة لكي تستفرد به، وهو الغريق الذي سيتعلق بأي قشة تخرجه من دوامة انهيار شامل تبتلعه، خصوصاً بعد أن قدمه الروس للأتراك كي يطبخونه على الطريقة التركية.
في استعجالها هذا تتجاهل تركيا عدة حقائق، أهمها أن الشعب السوري الرافض لحكم بشار الأسد، والذي سكت سابقاً عن خطوات خجولة، أو تسريبات غير واضحة عن تقارب تركيا مع النظام، لن يقبل أن يكون كبش فداء لمصالحها، وأن أميركا لن تسمح بنزع سلاح قوات قسد في هذه المرحلة، أضف إلى أن ما تبقى من الجيش السوري هو غير قادر على مواجهة أي طرف عسكري على الأرض السورية إذا لم تدعمه جهة أخرى، وبالتالي فإن مجمل الأهداف التركية لن تكون قابلة للتحقق، خصوصا أن إيران لن تسكت رغم صعوبة ظرفها الراهن عن مغادرة النظام السوري الذي حمته طوال سنوات الثورة السورية، وصرفت عليه عشرات مليارات الدولارات إلى الحضن التركي؟
منذ أن تدخلت روسيا بشكل مباشر في الصراع السوري راحت تنتج مقارباتها انطلاقا من أزمات النظام السوري وكيفية إخراجه من أزماته، ولم تحاول يوما أن تقارب الحدث السوري بدلالة حقائق الواقع وحقائق مجريات الصراع في سوريا، وبدلالة جوهره كصراع بين شعب لا يريد بقاء نظام عائلة فاسدة مستبدة، لكن إذا كانت هذه مقاربات روسيا، وخطتها لإخراج حليفها من مأزقه القاتل، فما الذي يدفع تركيا للذهاب إلى الحل الروسي؟!!
أخطر ما في التقارب التركي مع النظام السوري، هو استثمار كلا الطرفين في قضية اللاجئين السوريين، فالرئيس التركي يريد سحب ورقة اللاجئين من يد معارضيه، كي يضمن فوزه في الانتخابات القادمة، ضارباً عرض الحائط بحق اللاجئين وبمصيرهم، وبالشروط بالغة السوء لحياتهم القادمة في حال عودتهم، والنظام السوري لا يريد عودتهم، لكنه يتاجر بهم كورقة قد تساعده على تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية التي تكاد تخنقه، باختصار يرى أردوغان في اللاجئين ورقة انتخابية، بينما يراهم بشار الأسد ورقة اقتصادية، وما بين الاقتصاد والانتخابات يوضع ملايين السوريين في مهب الريح، ويحشرون في "كوريدور" ضيق، ليصبحوا رهن المساعدات وألعاب السياسة.
ما يثير الاستغراب والصدمة مما يخطط للسوريين في الشمال السوري وداخل تركيا، هو صمت وتواطؤ من يدعون أنهم يمثّلون الشعب السوري، وإذا كان النظام السوري الذي اخترع نظرية "المجتمع المتجانس" لا يرى السوريين كلّهم مواطنين بل يراهم مجرد رعايا، ومن ثاروا عليه يراهم أعداء له ولعصابته، وبالتالي فهو غير مهتم بمصيرهم، إلا بمقدار ما يستطيع المتاجرة بهم وبآلامهم، فما هي حجة هؤلاء المدعين لتمثيلهم الشعب السوري في مقلب "المعارضة"، وهل يمنعهم ارتهانهم وتبعيتهم عن الحد الأدنى من مناصرة الشعب السوري؟
صحيح أن السوريين يتعلمون كل يوم درساً جديداً، وأنهم يكتشفون الحقائق المرة واحدة بعد الأخرى، لكن هل من الضروري أن تكون هذه الحقائق وهذه المعرفة بكل تلك الأثمان الفادحة؟!!
باسنيوز