• Sunday, 19 May 2024
logo

مازال صدام حيَا يرزق

مازال صدام حيَا يرزق

طارق كاريزي

 

لعل عنوان مقالي الصادم هذا يثير حفيظة الكثيرين وفضول عدد أكبر من القراء. فالرئيس العراقي الاسبق صدام حسين قد حكم العراق على مدى 35 عاما، أحد عشر عاما منها في الظل و24 عاما منها علنا تحت الضوء. وهي الفترة الاطول في حكم البلد من قبل رئيس واحد منذ تأسيسه عام 1920 وفق هندسة وضع اسسها البريطانيون. وأي استقراء موضوعي لشخصية صدام، تقدم صورة لمسؤول رفيع امتلك الجرأة والمبادرة المشفوعة بمغامرات سقّطت البلد مع سلطاته بالتقسيط، ودفعته نحو الدخول في حقول من الفخاخ حتى وقوعه أسيرا بيد القوات الامريكية بعد وشاية، بحسب التسريبات، من قبل الشخص الذي تعهد وتكفل ستره بعيدا عن الانظار.

السؤال الوجيه، ترى بأي مقياس يعد صدام حيا يرزق وهو الذي تم اعدامه في 30/سبتمبر/2006 بعد ادانته من قبل محكمة الجنايات العراقية العليا ونقلت عملية تنفيذ اعدامه عبر شاشة التلفاز؟ المؤهلون للاجابة على هذا السؤال الوجيه، هم فلاحو كركوك. كيف؟ اليكم توضيحات وجيزة حول الأمر قبل أن يتحول الى معمى تتضارب فيه الآراء والأقوال.

اتخذت الحكومة العراقية خلال 35 عاما (1968- 2003) اجراءات صارمة بحق القرويين من ابناء محافظة كركوك. انطلقت هذه الاجراءات من منطق التشكيك في الولاء ومن باب مسعى هذه الحكومة لفرض واقع سكاني جديد يتمثل بطرد سكان ريف كركوك الاصليين واحلال وافدين من المحافظات الاخرى محلهم. وبغية انجاح هذا المخطط الذي تبنته الحكومة العراقية ودعمته بكل المستلزمات اللوجستية والتشريعات المجحفة المتمثلة بقرارات طارئة صدرت عن مجلس قيادة الثورة، هذا المجلس الذي كان خارج هيكلية السلطات الرسميّة العراقية، الا انه كان ذا نفوذ تشريعي وتنفيذي يفوق سلطات المجلس الوطني (البرلمان) والحكومة العراقية بهيكليتها الرسمية المعلنة، مستندا في ذلك على الصلاحيات المكتسبة من الحزب الوحيد الذي كان يقود السلطة في العراق.

تم بموجب قرارات مجلس قيادة الثورة تدمير 776 قرية في محافظة كركوك وتهجير سكانها قسرا، وكذلك صادرت الحكومة العراقية بموجب قرارات المجلس المذكور أكثر من مليون و(300) ألف دونم من الاراضي الزراعية في ريف كركوك على مدى عقدين. وتاليا قامت السلطات العراقية بتوزيع مساحات واسعة من هذه الاراضي المصادرة على الوافدين من المحافظات العراقية الاخرى، والغاية من هذا الاجراء التعسفي واضحة وضوح شمس الضحى. الوثائق العراقية الرسمية اطلقت على مجمل هذه الاجراءات التي تم فيها الاستيلاء على اراضي سكان ريف كركوك الاصليين ومن ثم توزيع هذه الاراضي المصادرة على القادمين من المحافظات الاخرى اسم التعريب، والمصطلح لا يحتاج الشرح والتوضيح.

شكل سقوط النظام السابق (2003) فرصة وانعطافا لرفع المظالم التي ارتكبها ذلك النظام ضد سكان ريف كركوك، وأبدت حكومة الجمهورية الثانية بعد 2003 دعمها لجهة رفع الظلم والتجاوزات التي ارتكبت ضد سكان ريف كركوك، وتم الغاء جميع قرارات مجلس قيادة الثورة التي كانت بمثابة المظلة التشريعية لارتكاب كل هذه المظالم. البيروقراطية الادارية وتلكؤ انجاز المهام بين الوزارات المعنية بتنفيذ سياسة سلطات الجمهورية الثانية مضافا اليها سعي البعض من داخل المؤسسات الرسمية ومن خارجها الى الدفاع عن آثار ونتائج السياسات غير العادلة بل ولنقولها بصريح العبارة، السياسات الظالمة للنظام السابق، شكلت عوائق أمام استعادة العديد من قرويي كركوك لأراضيهم واملاكهم.

اليس غريبا بعد ادانة اركان النظام السابق وسياساته العنصرية بحق سكان كركوك الاصليين والكثير من المظالم الاخرى، أن نرى في وضح النهار قادمين من محافظات اخرى، وبالتحديد من نينوى وصلاح الدين، يهددون اصحاب الاراضي في ريف كركوك خصوصا ضمن الحدود الادارية لقضائي داقوق ودبس. تواطئ بعض الجهات المعنية مع الوافدين من خارج كركوك للاستيلاء على أراضي سكان كركوك الاصليين يجب ادانته بكل قوّة، وبموازاة ذلك يجب الدفاع بكل قوّة عن حق استعادة فلاحي كركوك لأراضيهم التي صادرتها السلطات العراقية قبل 2003 بموجب سياسات فصل عنصرية بين العراقيين وعلى اساس الانتماء الاثني. من الواجب الأخلاقي ان يكون الجميع مع رفع الظلم وتحقيق العدالة.

 

 

باسنيوز

Top