إقلیم كوردستان و المملکة المتحدة، علاقات متمیزة ومصالح مشتركة
خسرو اژگەیی*
مما لا شك فیە إن لبریطانیا دور فعال ومٶثر علی الساحة الدولیة و فی رسم السیاسات العالمیة. هذا الدور الفعال ترسخ بشکل کبیر بعد ما اعلن رئیس الوزراء الاسبق بوریس جونسن عن مشروع حکومی جدید یهدف الی جعل بریطانیا اکثر عالمیا بعد سبات لللسیاسة الخارجیة البریطانیە بدأت من العام ٢٠١٦ حین اجري الاستفتاء العام حول الخروج او بقاء المملکة المتحدة داخل الاتحاد الاوروبي. هذا الموضوع اشغل بریطانیا کثیرا وجعل البلد یغرق فی المشاکل و الاختلافات الداخلیة کتحصیل حاصل لما قررە الشعب فی ذلك الاستفتاء وذلك بخروج بلادهم من الاتحاد الاوروبي و المعروف ب (بریکزت).
هذا التوجە البریطانی الجدید بات واضحا للقاصی والداني، حیث تمکنت من التخلص من قیود الاتحاد الاوروبي و التوجە بحریة نحو انشاء علاقات و تحالفات جدیدة مع العالم مبنیة علی المصالح المشترکة، واصبحت اکثر تقاربا مع الدول والشعوب التي تٶمن بنفس المبادیء و المثل الغربیة المتمثلة في الحریات وحقوق الانسان والتعایش السلمي و محاربة التطرف والارهاب. کل تلك المبادیء کانت الارضیة الصلبة لتکوین علاقات متمیزة بین اقلیم كوردستان و بریطانیا. ارضیة مهدت لها کثیرا، و مرت بالعدید من المطبات وبمراحل مختلفة. لکل جزء منها سلبیاتها و ایجابیاتها.
لا أرید هنا ان ادخل في سرد تأریخي للعلاقات التأریخیة بین الجانبین، و لکن الذي یهمنی فی هذا المقال هو العلاقات الثنائیة الجدیدة المتمیزة بین البلدین والتي توصف من قبل سیاسیيها بتحالف الإخوة في السلاح.
اذا استعرضنا مجمل العلاقات الثنائیة بین الطرفین، نری بانها وصلت الی مستویات عالیة، و بلغت ذروتها بعد عام ٢٠١٧، و نری بأن بریطانیا انفتحت کثیرا علی إقلیم كوردستان کجزء حیوي ومؤثر داخل النسیج الفیدرالي العراقي. في کل المواقف الرسمیة لهذا البلد، یوصف الاقلیم بالحلیف الذي لا یمکن الاستغناء عنە ویعتبرون اقلیم كوردستان منارة للدیمقراطیة والحریة ونموذجا ناجحا یجب الاقتداء بە.
بریطانیا تلعب دورا ریادیا في مساعدة قوات الپێشمرگە و ذلك عن طریق تدریب هذە القوات و تقدیم المساعدات التکنیکیة لعملیة الاصلاحات الخاصة بوزارة الپێشمرگە. لدی بریطانیا موقف واضح و صریح تجاه تجربة إقلیم كوردستان و وضعها الدستوري کاقلیم فیدرالي و تقولها دائما بانها "تدعم اقلیم كوردستان قوي داخل عراق دیموقراطي و مزدهر". رد فعل هذا البلد یأتي في مقدمة المجتمع الدولي حین تتعرض كوردستان إلی العدوان الخارجي، وتؤکد دائما علی شجبها و إدانتها لهذە الأعمال و تؤکد دعمها لاحترام سیادة العراق، ومن ضمنها الاقلیم ایضا.
العلاقات الثنائیة وصلت الی القمة، حینما وجە بوریس جونسن رئیس وزراء بریطانیا السابق في شهر ایلول من السنة الماضیة دعوة رسمیة الی نیچیرڤان بارزانی رئیس اقلیم كوردستان لزیارة المملکة المتحدة و استقبلە رسمیا وبحفاوة في مقر رئاسة الحکومة في ١٠ داونینغ ستریت. هذە الزیارة فتحت الابواب علی مصراعیها امام تطویر وتنمیة العلاقات الثنائیة بین الاقلیم و المملکة المتحدة، و فتحت صفحة جدیدة باتجاه مستقبل مثمر بین الطرفین. لم یمض کثیرا علی ذلك حینما وجە جونسن دعوة رسمیة أخری الی مسرور بارزانی رئیس وزراء الاقلیم لزیارة المملکة المتحدة، و استقبلە بنفس الحفاوة في مقر رئاسة الحکومة البریطانیة. تخللت هذە الزیارة العدید من اللقاءات المهمة مع کبار مسؤولي الدولة و وزراء الحکومة البریطانیە لاجل بحث سبل تعزیز العلاقات الثنائیة و العمل المشترك لتقویة هذە العلاقات. هاتان الزیارتان الرسمیتان في اقل من سنة، خیر دلیل علی عمق العلاقات الثنائیة و المصالح المشترکة في المنطقة برمتها.
مشارکة رئیس اقلیم كوردستان نیچیرڤان بارزانی في مراسیم التشییع و الوداع التاریخي لجنازة الملکة الراحلة الیزابیث الثانیة جاءت بدعوة رسمیة من المملکة المتحدة و کانت تحولا تاریخيا اخرا في العلاقات الثنائیة بین الطرفین، حیث شارك رئیس الاقلیم مع ملوك و رؤساء العالم في جمیع المراسیم الرسمیة للوفود العالمیة المشارکة في هذا الحدث العالمي. هذا الاهتمام البریطاني باقلیم كوردستان یأتي للدور الستراتیجي الذي یلعبە الاقلیم في العراق والمنطقة ، و للسیاسات الحکیمة التي یتبعها اقلیم كوردستان في التعامل مع القضایا الشائکة في منطقة ملیئة بالمشاکل و العقد.
المملکة المتحدة لا تخفي فخرها ببطولات الپێشمرگە الابطال و تضحیاتهم و دورهم المشرف في القضاء علی ارهابیی داعش و اصبحوا سدا منیعا امام توسع تلك المجموعات الارهابیة في المنطقة و تهدید العالم باسره. یری البریطانیون بان الپێشمـرگە لا یدافعون عن الاقلیم فحسب، بل یحمون القیم الانسانیة و التحضر في العالم کلە، و یقاتلون بالنیابة عن العالم کله.
دعم اقلیم كوردستان لا یقتصر فقط علی الحکومة البریطانیة، بل هناك دعم واسع من برلمان و مجلس اللوردات البریطانیتین. هناك مجموعة برلمانیة تسمی (APPG on Kurdistan) والتي تضم برلمانیی کل الاحزاب البریطانیة و ذلك لدعم اقلیم كوردستان. هذە المجموعة البرلمانیة تقوم و باستمرار بمتابعة الاوضاع في المنطقة و عن طریق اسألتهم الشفویة و المکتوبة الموجهة إلی مسٶولي الدولة، یطالبون حکومة بلادهم بدعم امن واستقرار الاقلیم و العمل علی توطید العلاقات معە في کافة المجالات وبكل السبل. و کان البرلمان البریطاني من ضمن البرلمانات الاوائل الذي عرف جرائم النظام السابق ضد کوردستان و القتل العام و عملیات الانفال سیئة الصیت و ضرب حلبجة بالاسلحة الکیمیاویة کجینوساید و جرائم حرب ضد الانسانیة، و یطالبون باستمرار حکومة بلادهم بضرورة اقرار تلك الجرائم کجینوساید.
بالرغم من انشغال المملکة المتحدة بمشاکلها و ازماتها الداخلیة نتیجة لعملیة خروج البلاد من الاتحاد الاوروبي، انتشار مرض کورونا و تداعیاتها، حرب روسیا و اوکرانیا و تأثیراتها علی ارتفاع سعر الطاقة و المشاکل الاقتصادیة الداخلیة الاخری، فإن بریطانیا مصرة علی ان تستمر في دورها علی الساحة الدولیة و الحفاظ علی مکانتها القویة في الازمات العالمیة و العمل علی تقویتها. و کما قال جیمس کلیفرلی وزیر خارجیة المملکة مؤخرا "بریطانیا سوف لن تاخذ دور المعلق علی ما یحدث في العالم، بل ستکون داخل ارض الملعب و تاخذ علی عاتقها دور تسویة الازمات الدولیة".
کل المٶشرات تدل علی ان المملکة المتحدة عائدة إلی الشرق الاوسط بقوة، لانە لا یمکن لهذە الدولة العظمی أن تبقی بمعزل عن المشاکل الکبری و عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة، و خاصة اذا وضعنا الحقیقة التأریخیة للتجربة البریطانیة في المنطقة و تفهمها للمشاکل المعقدة و المزمنة. باجماع کل المراقبین، فإن ما یهم بریطانیا بالشکل الاساس هو استقرار و ازدهار المنطقة، الأمن و والتجارة و تطویر القیم الدیمقراطیة فیها.
هناك الکثیر من المشترکات بین اقلیم كوردستان والمملکة المتحدة، أهمها بأن الاقلیم یٶمن بالدیموقراطیة و حقوق الانسان، و التعایش السلمي للشعوب و الادیان المختلفة في المنطقة. و في نفس الوقت الدور الریادی الذی تلعبه كوردستان في حمایة أمن المنطقة و القضاء علی الارهاب الذي اصبح تهدیدا لکل العالم. مما أدی إلی أن یصبح الاقلیم حلیفا ستراتیجیا لقوی التحضر ضد قوی الظلام و التطرف. الحکمة و الحنکة السیاسیة لدی قادة الإقلیم، الرئیس مسعود بارزانی، ورئیس الاقلیم نیجیرڤان بارزانی ورئیس الحکومة مسرور بارزانی في تعاملهم مع الاحداث الشائکة و مواجهتها، و خلق بیئة مزدهرة في منطقة تسودها المشاکل و الازمات، جعل الاقلیم امنا و مزدهرا و منارا للحریة و حقوق الانسان، و یأخذ دورا ریادیا في قضایا المنطقة. هناك ارضیة خصبة و فرص استثماریة کبری للشرکات البریطانیة و مصالح مشترکة في جمیع النواحی التي یجب تشغیلهم بالشکل الصحیح و تفعیلهم في خدمة و مصلحة و مستقبل علاقات الطرفین الانیة و المستقبلیة.
*مسوول مكتب الاعلام فی الفرع السادس للحزب الدیمقراطي الكوردستاني
pdk