• Wednesday, 24 July 2024
logo

العراق بين الماضي والحاضر

العراق بين الماضي والحاضر

علي عدنان

 

مما لاشك فيه أن العراق بعد تأسيسه في عشرينيات القرن الماضي كانت لهُ حظوةٌ كبيرة بين دول المنطقة وكان لأسمه صداً واسعاً، فتعاقبت حكوماتها آنذاك على إنشائها انشاءً قويماً ارتكزت على دعاماتٍ متينة، استطاعت أن تُقولبَ بناها التحتية في فترةٍ وجيزة أعادت لبغداد مكانتها بين دول المنطقة حتى تغنى ببهائها الشعراء وأغلب حكام المنطقة، فكانت حتى سبعينات القرن الماضي قِبلةً للسُياح ومرتعاً لجذب كبريات الشركات العالمية للاستثمار فيها، واتخذت بعضُ دول الجوار من العراقِ مركزاً طبياً لتُداويَ فيها مرضاها.

وقد كانت بغداد سباقةً في جلب التكنولوجيا فهي أولى العواصم العربية التي شهدت ولادة تلفزيوني رسمي في العام 1956. ومن المدن القليلة آنذاك التي أنارت شوارعها بالمصابيح الكهربائية في العام 1917 ناهيك عن أنها كانت أول دولة عربية سعت لمحو الامية، فكانت تشجع أبناء شعبها على الالتحاق بمدارس محو الامية من خلال بعض المكافآت التي تقدمها للملتحقين بتلك المدارس وسخرت وسائل اعلامها آنذاك من خلال المسلسلات والبرامج والتي كان أشهرها مسلسل (الحجي راضي) لتحفيز مواطنيها، ولا غرابة في ذلك فللعراق إرثٌ حضاري يمتد لآلاف السنين.

لكن ما يؤسف لهُ أن مؤشر ازدهارها ورُقيها أنحدر بعد ذلك وانتكست فيها مقومات الدولة وأدواتها خطوةً تلو أخرى، حيث ان الدولة بمفهومها العام تعني وجود رقعةٍ من الارض لها حدودٌ معينة تقطُنها مجموعة من المواطنين تحكمهم منظومةٌ حكومية ترتكز على مجموعة قوانين ضابطة تستمد شرعيتها من مواطنيها لِتُسخر جميع مؤسساتها وأدواتها على الارض خدمةً للصالح العام دون تميزٍ بين لونٍ أو عرقٍ أو دين.

والعراق رغم اعتراف مجلس الامن والامم المتحدة والمنظمات الدولية به كدولة ذو سيادة إلا أنه لا يتطابق واقعه مع التعريف السابقة، حيث الحكومة وفي ظل ميزانياتها الضخمة لا تستطيع توفير عيشٍ كريم لمواطنيها ولم تُسخر مؤسسات الدولةِ لخدمة الشعب بل على العكس انهكت وعطلت جميع مؤسساتها وشركاتها التي كانت تشار لها بالبنان. ولما يربو من العشرين عاماً لم تفلح في معالجة المشاكل الاساسية فبناها التحتية متهالكة حتى النخاع والامن الاجتماعي معدوم الى حدٍ بعيد والخدمات البدائية من ماءٍ وكهرباء غير متوفر والبطالة في أوجه ما دفع بأبناء الشعب للخروجِ والمطالبة بحقوقهم في ظل حرارة البلد الحارقة.

وتراجع مستوى دخل الفرد رغم ميزانيات الدولة الانفجارية ليصل حسب إحصائيةٍ أجرتها إحدى المواقع العراقية عام 2016 إلى 13.600 الف دولار سنوياً بينما كانت الكويت 84.800 الف دولار وتركيا 18.570 الف دولار سنوياً.

ولك أن تتصور حجم الاموال المنهوبة من ميزانية العراق منذ العام 2013 وقد صرحت حينها عضوة اللجنة المالية ماجدة التميمي وأكدت أن صرفيات العراق من عام 1920 الى 2003 بلغت 220 مليار دولار ومن 2003 الى 2018 تبلغ 862 مليار دولار.

والانكى من كل هذا أن العراق يعاني من تدخلات الدول الاقليمية وأصبحت سيادته محل تساؤل ليغدو مواطنو بعض الدول المجاورة أكثر امتيازاً من السكان الاصليين على ارضهم، وكان للتدخلات الخارجية دورٌ كبير في إضعاف الدولةِ وهيبتها بل كانت ضمن خططٍ مدروسة بإحكام رغم تبعية أغلب الاحزاب الحاكمة لتلك الدول فإضعاف العراق تعني لهم قوة.

جملة تلك الازمات وغيرها الكثير دفع الكثيرين للهروبِ خارج البلد ولازال الغالب الاعم إلا النزر القليل يتمنى تلك اللحظة التي يغادر فيها بلده حتى أصبح المطار اجمل بقعة ترمق لها عيونهم، لكن رغم قتامة المشهد فالعراق وكما يعلم القاصي والداني بلدٌ خيراته غزيرة ويمتلك من العقول الكثير والنهوضُ به ليس بالأمر المستحيل ليعود من جديد لسابق عهده، وقد يكون الضغط الشعبي الحاصل هذه الايام رغم بساطته وقلة أعداده الورقة الوحيدة لتعديل مسار الحكومة، فالطبقة السياسية الحاكمة اليوم إن لم يكن الشعب رقيبه ومحاسبه عاث في البلاد فساداً كما كان الحال لسنوات خلت.

 

 

روداو

Top