• Tuesday, 24 December 2024
logo

التيار الصدري والآليات الدستورية لحل مجلس النواب العراقي

التيار الصدري والآليات الدستورية لحل مجلس النواب العراقي

جمعة عباس بندي

 

نتيجة الإخفاق والتبعثر والتعثر بين الكتل النيابية الفائزة في الإنتخابات المبكرة في 10/10/2021، بسبب فشلهم في إنتخاب رئيس الجمهورية، وتسمية وإختيار رئيس مجلس الوازراء وتشكيل الحكومة الجديدة، وتمسك الأطراف والكتل السياسية وخاصة الإنقاذ والإطار بمواقفهما الثابتة تجاه موضوع تشكيل الحكومة القادمة وشكلها ـ بين التوافقية والأغلبية الوطنية ـ وأولويات برامجها.

نتيجة هذا الإنسداد في العملية السياسية بادر التيار الصدري الى الإنسحاب من مجلس النواب عن طريق تقديم إستقالات جماعية من نوابهم في 12/6/2022 الى رئيس المجلس، وبدوره وافق السيد محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب ـ فورا ـ على إستقالاتهم، متجاوزا على صلاحياته الدستورية والقانونية، لكون إستقالة النواب يجب أن تمرر من خلال موافقة مجلس النواب، وليس رئيس مجلس النواب "المادة (1/ثالثا) قانون إستبدال أعضاء مجلس النواب، رقم (49) لسنة 2007"، وبعدها بفترة وجيزة دعا الى إنعقاد جلسة إستثنائية لمجلس النواب بغية ملء المقاعد النيابية الصدرية بالنواب الخاسرين الأكثر أصواتا، وكل حسب دائرته الإنتخابية.

هذه الخطوة غير الدستورية وغير القانونية من قبل رئيس مجلس النواب، والتسجيلات الصوتية المسرّبة للسيد نوري المالكي، واختيار السيد محمد شياع السوداني من قبل الإطار التنسيقي لمنصب رئيس مجلس الوزراء، أجبر التيار الصدري للنزول الى الشارع وإقتحام منطقة الخضراء والدخول الى مبنى مجلس النواب، وكانت من إفرازات هذه التظاهرات والإقتحامات دعوة السيد مقتدى الصدر في 3/8/2022 من خلال كلمة متلفزة الى حل مجلس النواب العراقي، وإجراء إنتخابات مبكرة في عموم العراق، كحل للخروج من هذه الأزمة والإنسداد السياسي المفتعل في أكثرية أطواره "ومن ثم تحوّل هذه المظاهرات الى إصطدامات مسلحة وسقطت من خلالها القتلى والجرحى، وأصبح مصير النظام السياسي في العراق بميزان مجهول مظلم".

بناء على سبق سنتحدث في هذه الدراسة الدستورية ـ القانونية عن الطرق والآليات والسياق الدستوري لحل مجلس النواب العراقي في ضوء المادة (64) من الدستور النافذ لسنة 2005.

أولا: الدستور وحل مجلس النواب العراقي:

نصت المادة (64/أولا وثانيا) من الدستور النافذ لسنة 2005، الى الآليات والسياقات القانونية لحل مجلس النواب، وعلى النحو الآتي:

أولاً: يُحلّ مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلب من ثلث أعضائه، أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في أثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء.

ثانياً: يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، إلى انتخابات عامة في البلاد خلال مدةٍ أقصاها 60 يوماً من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مُستقيلاً، ويواصل تصريف الأمور اليومية.

ثانيا: إعادة صياغة وتركيب المادة (64) من الدستور:

عند التمعّن بقراءة الفقرة (أولاً) من المادة (64) من الدستور النافذ، نجد بأنها تحمل في طياتها أكثر من معنى، من الناحية اللغوية والقانونية فيما يخص موضوع حل مجلس النواب العراقي، فهي تتضمن معنى حل المجلس عن طريق مجلس النواب وفق سياقات وآليات محددة، وفي ذات الوقت تتضمن معنى حل المجلس عن طريق السلطة التنفيذية (طلب من رئيس مجلس الوزراء + موافقة رئيس الجمهورية)، حيث نصت هذه الفقرة على: ((يُحلّ مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلب من ثلث أعضائه، أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية)).

ولو نأتي ونعيد صياغة الفقرة الأولى من المادة (64) ونفككها، كالآتي: سيتبين المعنى بشكل واضح:

1. يُحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث أعضائه.

2. يُحل مجلس النواب، بناءً على طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية.

بهذه الصيغة والتفكيك، سيكون من صلاحيات السلطة التنفيذية (رئيس مجلس الوزراء + ورئيس الجمهورية معا، قرار حل مجلس النواب دون الرجوع الى المجلس وأخذ موافقته في ذلك، سواء بالأغلبية المطلقة أو غيرها، علما يعتبر هذا الأمر من أهم المعايير الدستورية للتوازن بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وأهم مبدأ من مبادئ الفصل بين السلطات في الأنظمة النيابية والبرلمانية.

أما في حالة صياغة الفقرة الأولى من المادة (64) من الدستور، كالآتي: (يُحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة، لعدد أعضائه، بناءً على طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية).

بهذه الصيغة والتركيب ستكون لها معنى آخر، بعبارة أخرى: فقط، ستكون من صلاحية السلطة التنفيذية (رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية معا)، تقديم طلب الى رئيس المجلس، ليحل المجلس نفسه بنفسه، أي: سيكون طلبهم مقيدا ومشروطا بموافقة مجلس النواب من خلال التصويت عليه بالأغلبية المطلقة من عدد أعضائه.

ثالثاً: الأدلّة الدستورية لإمتلاك السلطة التنفيذية حل مجلس النواب:

مما سبق يتبين بأن المادة (64/أولا) من الدستور النافذ لسنة 2005، المتعلقة بآليات وسياقات حل مجلس النواب العراقي، تحتمل في صياغتها وتركيبتها اللغوية والقانونية أكثر من معنى متعارض ومتناسق في نفس الوقت، بحيث يمكن قراءة كل جزء منها منفصلاً عن الآخر، وفي ذات الوقت يمكن قراءتها متصلا مع الآخر، مع وجود إشكالية التعارض في المعاني والمقاصد في كِلا القراءتين، ولابد أن يكون إحدى هذه المعاني راجحاً والأخرى مرجوحاً، ولكن عند الفحص والتمحيص في دراستها وفق مدرسة المقاصد والمعاني، يتبيّن بأن من صلاحية السلطة التنفيذية (رئيس مجلس الوزراء + رئيس الجمهورية) حل مجلس النواب، دون الرجوع الى مجلس النواب وأخذ موافقته، بدليل:

1. يتم إنتخاب رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب العراقي، وفق المادة (70/أولا وثانيا)، بمعنى: حاز على ثقة المجلس بـ: (220) صوت، أو أكثر، أو أقل في الجولة الثانية.
2. يتم ترشيح رئيس مجلس الوزراء من الكتلة النيابية الأكثر عددا، ويصبح رئيسا للحكومة بعد منح الثقة له ولأعضاء حكومته منفردين من قبل مجلس النواب، وبالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه (المادة: 76/أولا ورابعاً).

ملاحظة: من هاتين النقطتين (1، 2) يتبين بأن (رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء) يمثلان أغلبية أعضاء مجلس النواب وبكتله المختلفة، ومن هنا نستطيع القول: بأن السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية + رئيس مجلس الوزراء) يمتلكان صلاحية حل مجلس النواب، دون الرجوع الى مجلس النواب وأخذ موافقته.

3. جاءت في نهاية الفقرة الأولى من المادة (64) من الدستور عبارة، تقول: ((لا يجوز حل المجلس أثناء مدة أستجواب رئيس مجلس الوزراء))، فهذه العبارة قرينة ترتقي الى مستوى الدليل القاطع بأن من صلاحية السلطة التنفيذية (رئيس مجلس الوزراء + رئيس الجمهورية) حل مجلس النواب بقرار منفرد دون الرجوع الى المجلس وأخذ موافقته.
والدليل: ليس من المنطقي أن يقوم مجلس النواب بعملية إستجواب رئيس مجلس الوزراء بناء على طلب خُمس عدد أعضائه، مع علمهم المسبق بحاجتهم الى الأغلبية المطلقة (165 صوت) في حالة إقرارهم سحب الثقة منه (المادة (61/ثامنا/ب/2 و3) من الدستور)، ثم يقوم المجلس ـ في أثناء مدة إستجواب رئيس مجلس الوزاء ـ بطرح موضوع (حل المجلس) بناء على طلب آخر يقدمه ثلث أعضائه، لأنه سيكون لهذه الواقعة من مجلس النواب بمثابة خطوة عبثية، هزلية، كوميدية، لا معنى لها.

لذا نستطيع القول ـ الى درجة الحسم والجزم ـ بأن هذه العبارة : ((لا يجوز حل المجلس أثناء مدة أستجواب رئيس مجلس الوزراء))، أدرجت وكتبت مع نهاية هذه الفقرة الدستورية (64/أولا) بهدف حماية وتحصين مجلس النواب من أداة السلطة التنفيذية المتمثلة في سلطتهم الدستورية في (حل مجلس النواب العراقي) دون الرجوع الى المجلس وأخذ موافقته بالأغلبية المطلقة من عدد أعضائه.

4. لنسأل سؤالا جوهريا: إذا لم يكن للسلطة التنفيذية (رئيس مجلس الوزراء والجمهورية) صلاحية حل مجلس النواب مجتمعين، دون موافقة مجلس النواب، فما الجدوى والفائدة من كتابة هذه الفقرة في الدستور العراقي؟.. هل يعقل أن تكون الغاية من كتابتها في الدستور!!! فقط أن تكون بمثابة بديل، لـ: (طلب ثلث أعضاء المجلس)؟.

لكون المنطق يقول: إخفاق المجلس في جمع تواقيع ثلث أعضائه (110 نواب) بغية تقديم طلب الى رئاسة المجلس بهدف عقد جلسة لمناقشة حل مجلس النواب، فبطريق أولى سيخفقون في الحصول على الأغلبية المطلقة، (165) صوتا داخل قاعة مجلس النواب، بمعنى آخر: ستكون عبارة (أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية) بمثابة حشو زائد مقتحم في نص المادة (64/أولا) ولا محل لها من الإعراب والأثر المنتج، وهذا الأمر بعيد كل البعد عن مقاصد وغايات تشريع أي قانون، ولا سيما النصوص الدستورية الحاكمة على غيرها من القوانين.

رابعا: النتائج والتوصيات:

1. النتائج:

أ‌. من خلال ما تقدم يتبين وبشكل واضح بأن: السلطة التنفيذية ـ رئيس مجلس الوزراء + رئيس الجمهورية ـ تمتلك صلاحية حل مجلس النواب العراقي، دون الرجوع الى مجلس النواب وأخذ موافقته، سواء بالأغلبية المطلقة أو غيرها، ويعتبر هذا الأمر من أهم المعايير الدستورية للتوازن بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وأهم مبدأ من مبادئ الفصل بين السلطات العامة في الأنظمة النيابية والبرلمانية.

ب‌. جزء من هذه التظاهرات، هي ضد رئيس مجلس النواب شخصيا، لخرقه الدستور عندما وافق على إستقالات نواب الكتلة الصدرية بمفرده، دون الرجوع الى مجلس النواب وأخذ موافقته في ذلك، وموقفه المستعجل في إنعقاد الجلسة الإستثانية لمجلس النواب بغية ملء مقاعد التيار الصدري.

ت‌. بعد الأحداث الدامية في المنطقة الخضراء بين 29ـ30/8/2022 على المحكمة الإتحادية العليا إجبار مجلس النواب العراقي على حل نفسه بنفسه، وخاصة في حالة عدم قيام السلطة التنفيذية (رئيس الوزراء + رئيس الجمهورية) بهذه المهام الدستورية.

ث‌. على السلطات الحاكمة في العراق، من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وخاصة الدستورية، أن يدركوا بأن حالة الضرورة ـ القانونية والشرعية والسياسية ـ فوق الدستور والقانون، وحتى نصوص الشريعة، لكونها تجمد النص وتبيح المحظور بقدرها، حتى تعود الأمور الى حالتها السابقة الإعتيادية.

2. التوصيات:

أ‌. لقطع الشك بالقين في بيان السياقات والآليات والكيفية الدستورية لحل مجلس النواب وعن طريق تفسير المادة (64) من الدستور، من الأولى تقديم طلب إما من رئيس مجلس النواب أو رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء الى المحكمة الإتحادية العليا، بهدف بيان وإستنباط المقصد والمعنى الراجح في موضوع: إمتلاك السلطة التنفيذية وحدها (رئيس مجلس الوزراء + رئيس الجمهورية) صلاحية حل مجلس النواب العراقي، دون الرجوع إليه، وأخذ موافقته بتصويت الأغلبية المطلقة من عدد أعضائه.

ب‌. على الكتلة الصدرية رفع دعوى أمام المحكمة الإتحادية العليا، على رئيس مجلس النواب، لتجاوزه على صلاحياته الدستورية في موضوع قبولات إستقالات نوابه، لكون الموافقة يجب أن تمرر من خلال موافقة المجلس وليس رئيس المجلس، وإستنادا على قرار المحكمة ستعتبر الجلسة الإستثائية لمجلس النواب في 23/7/ 2022 ـ جلسة البدلاء ـ غير دستورية، وفي هذه الحالة سترجع الكتلة الصدرية الى مجلس النواب، وستكون بإمكانها طلب أو حل مجلس النواب مع حلفائها ـ إن بقيت لهم حلفاء، وخاصة في حالة عدم قيام السلطة التنفيذية بهذه المهمة الدستورية (الطعن في مصلحة القانون).

ت‌. نتيجة لعدم مراعاة التوقيتات الدستورية من قبل مجلس النواب في إنتخاب رئيس الجمهورية وتسمية وتكليف رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة، على رئيس مجلس الوزراء تقديم طلب الى رئيس الجمهورية، وعلى الأخير بإعتباره حامي الدستور الموافقة عليه وحل مجلس النواب والدعوة الى إنتخابات مبكرة في عموم العراق، خلال مدة أقصاها (60) يوما من تأريخ الحل (المادة 64/أولا وثانيا من الدستور)، وعلى الجهات الرافضة أو غير المقنعة، تسجيل دعوى قانونية لدى المحكمة الإتحادية العليا، لمعرفة دستورية مثل هذا القرار من عدمه.

 

 

روداو

Top