كي لا تتكرر جريمة (برخ)
جواد ملكشاهي
منذ 2003 أصبح العراق مسرحاً للتدخلات الدولية والإقليمية وساحة مباحة للإرهابيين والميليشيات المنفلتة المرتبطة بأجندة تلك الدول التي تدخلت وما تزال تتدخل في الشأن العراقي بشكل مباشر بحجج وذرائع واهية، ولا تتوانى في ارتكاب أية جريمة ولا سيما قتل المدنيين العزل للحفاظ على مصالحها وضمان استقرارها.
تعرض الشعب العراقي في بداية التغيير إلى حملة شرسة من قبل الجماعات الإرهابية المسلحة عبر المفخخات وعمليات الخطف والقتل على الهوية راح ضحيتها آلاف الابرياء ومئات الآلاف من النازحين فضلًا عن إلحاق الاضرار المادية الجسيمة بعدة محافظات ومنها العاصمة بغداد والتدمير الكامل لمدينة الحدباء التي تعد إحدى أهم المحافظات العراقية.
عمليات التجاوز على المناطق الحدودية العراقية من قبل إيران وتركيا، ليس أمراً جديداً، بل هي مستمرة منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي حيث وقع نظام صدام في عام 1983 اتفاقية من تركيا يحق بموجبها للجيش التركي التوغل مسافة 10 كيلومترات في عمق الأراضي العراقية بذريعة ملاحقة مسلحي حزب العمال الكوردستاني، واستناداً إلى هذه الاتفاقية دخلت القوات التركية عدة مرات إلى العمق العراقي وتوسعت تلك التدخلات بإنشاء قواعد عسكرية ثابتة في سهل نينوى وبالأخص في منطقة بعشيقة، وبحسب تقارير استخباراتية فإن لأنقرة حالياً 11 قاعدة عسكرية رئيسية في الأراضي العراقية إلى جانب 19 معسكراً اساسياً.
إيران الدولة الجارة الأخرى التي تتجاوز على الأراضي العراقية باستمرار وتعتدي على المواطنين العراقيين بشكل مباشر عن طريق ميليشياتها وأدواتها، وآخرها كان استهداف دار أحد رجال الاعمال الكورد في ضواحي مدينة أربيل بـ(12) صاروخاً بالستياً في 13/3/2022 بذريعة وجود مركز للموساد الاسرائيلي فيه انتقاماً لمقتل اثنين من ضباط الحرس الثوري الإيراني داخل الأراضي الإيرانية، حيث تم تخريب الدار بالكامل، واكد تقرير للجنة تقصي الحقائق الذي تشكل من قبل مجلس النواب فيما بعد ان المكان المستهدف هو بيت لأحد المواطنين وليس له أية صلة بجهاز موساد الاسرائيلي.
حزب العمال الكوردستاني الذي انشأ في بداية ثمانينات القرن الماضي يتحمل القسم الاعظم من مسؤولية التجاوزات التركية على أراضي إقليم كوردستان والمناطق الاخرى في شمال العراق، كونه يمنح الذريعة للجيش التركي بدخول الأراضي العراقية والسورية وتدمير القرى والمناطق الحدودية، هذا الحزب الذي صنفته الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوربي بمنظمة إرهابية ترك ساحة نشاطاته العسكرية الحقيقية في داخل الأراضي التركية ويدفع بعناصره المسلحة لدخول الأراضي العراقية والسورية لإعطاء مسوغ للجيش التركي لدخول الأراضي العراقية وقتل وإراقة دماء المواطنين العزل.
ففي آخر احصائية للأجهزة المعنية في إقليم كوردستان، تم إخلاء اكثر من (1500) قرية كوردية داخل اراضي إقليم كوردستان محاذية للحدود التركية بسبب الحرب الدائرة بين مسلحي حزب العمال والجيش التركي، حيث ترك اهالي تلك القرى مزارعهم وبساتينهم التي تعد مصدر رزقهم الوحيد وهم يعيشون الآن إما في المدن أو القرى الاخرى في ظروف قاسية للغاية.
الحكومات العراقية التي تشكلت بعد التغيير لم يكن لها موقف حازم من تجاوزات دول الجوار وتدخلاتها في الشأن العراقي وخرق السيادة العراقية، هذا ما دفع طهران وأنقرة إلى الاستمرار في غيهما واستباحة الأراضي العراقية والاعتداء على المواطنين المدنيين في القرى والقصبات الحدودية متى ما تقتضي مصالحهم من دون رادع محلي ودولي.
الجريمة البشعة التي ارتكبها الجيش التركي صباح الأربعاء 20 تموز الجاري في منتجع (برخ) التابع لمحافظة دهوك، الذي ادى إلى استشهاد عشرة اشخاص واصابة اكثر من 20 مواطناً من المصطافين النساء والاطفال العراقيين هي استمرار لانتهاك حرمة الأراضي العراقية وخرق صارخ للمواثيق والمعاهدات الدولية وهي جريمة لا يمكن تبريرها بأي شكل من الاشكال كون جميع الضحايا هم من المدنيين، جاؤوا إلى إقليم كوردستان من محافظات عراقية بعيدة عن الحدود التركية بمئات الكيلومترات لغرض السياحة والاستجمام، لذلك تعد هذه الجريمة مقصودة مع سبق الاصرار بشكل لا يقبل الشك.
من اجل وضع حد لهذه الجرائم والانتهاكات المتكررة للسيادة العراقية ووضع حد لاستهتار دول الجوار ينبغي عمل الآتي:
1- يجب على مسلحي حزب العمال الكوردستاني ترك الأراضي العراقية والتوجه إلى مكان نشاطها العسكري الحقيقي داخل الأراضي التركية، لقطع الطريق على المسوغات التركية في التجاوز على العراق.
2- التعاون والتنسيق بين حكومتي إقليم كوردستان والاتحادية واتخاذ موقف مشترك من جميع تجاوزات دول الجوار على حقوق الشعب، ووضع حد للانتهاكات التي يتعرض لها السكان المدنيون.
3- ضغط الحكومة العراقية باتجاه فرض هيبة الدولة من خلال إرغام عناصر حزب العمال لترك الأراضي العراقية ولجم الفصائل المسلحة العراقية الخارجة عن القانون التي تدعم عناصر الحزب المذكور بالمال والسلاح بشكل مباشر ومستمر في سهل نينوى وبالاخص في منطقة سنجار الستراتيجية.
4- على قوات التحالف الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تتولى مهمة مكافحة الإرهاب والحفاظ على مصالحها الحيوية في المنطقة التعاون مع حكومتي أربيل وبغداد، لدفع مخاطر تنظيمي حزب العمال وداعش الإرهابيين لضمان الأمن والاستقرار اللذين يصبان في مصلحة جميع شعوب المنطقة.
5- ينبغي للمجتمع الدولي ان يكون له موقف حازم من تلك التجاوزات وعقد اجتماع طارئ لمناقشة تطورات الاوضاع في إقليم كوردستان والمناطق الكوردية في سوريا، واتخاذ قرار اممي يقضي بالضغط على تركيا وإيران لوضع حد لتدخلاتهما والكف عن فرض إرادتهما بالقوة على شعوب المنطقة.
روداو