انفراج أم انفجار؟.. ما بين حركة الكاظمي وبن سلمان.. وبايدن
ليس من الواضح ما إذا كانت الهجمات الصاروخية التي استهدفت منشآت للطاقة في إقليم كوردستان في الأيام القليلة الماضية، كانت استباقا مقصودا لجولة التهدئة الإقليمية التي قام بها رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي الى كل من جدة وطهران، لكنها بالتأكيد كما يلاحظ مراقبون، قد تكون المؤشر الأكثر وضوحا على الصيف الملتهب الذي لا ينتظر العراق وحده، وإنما المنطقة.
وفي المقابل، فإن الأكثر تفاؤلا يقولون إن المقولة الشعرية الشهيرة "اشتدي يا أزمة تنفرجي" هي الأكثر احتمالا الآن، اذ بينما تتجمع غيوم قاتمة وعواصف رملية شديدة في سماء المنطقة، تتكثف اللقاءات والحوارات بما يوحي بأن انفراجا ما يلوح في الأفق... او على الاقل هذا هو أمل المتفائلين.
ففي هذه الاثناء، تتسارع التطورات المحيطة بالعراق وتتحدد معالم مرحلة إقليمية جديدة لم تعكس فقط جولة الكاظمي الخاطفة الى السعودية وإيران، وانما ايضا زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الى طهران، في خضم الانشغال الروسي بالحرب الاوكرانية والمواجهة شبه العالمية الدائرة في الشرق الاوروبي.
كما تأتي في هذا الإطار الجولة الواسعة التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الى كل من تركيا والأردن ومصر بين 20 و22 حزيران/يونيو الجاري، قبيل استقباله الكاظمي السبت في مدينة جدة، وهي حركة سعودية يربطها المراقبون بالزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن الى السعودية من أجل عقد قمة اقليمية يفترض ان تضم بالاضافة الى زعيمي امريكا والسعودية، زعماء الكويت والبحرين وقطر وعمان والامارات ومصر والأردن والعراق، وذلك في 16 تموز/يوليو المقبل.
وبحسب التصريحات العلنية والمسربة عن لقاءات الكاظمي في كل من جدة وطهران، فإن بندا رئيسيا على جدول أعمال المحادثات سواء مع الأمير محمد بن سلمان او الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي، يرتبط بالانفراجة المأمولة في العلاقات السعودية-الايرانية واحتمال استعادة العلاقات بين الدولتين الجارتين المتشاطئتين على صفتي مياه الخليج، والمتباعدتين سياسيا وأمنيا منذ سنوات، فيما رعت حكومة الكاظمي حتى الان خمسة لقاءات "سرية" الطابع بين مسؤولين من الدولتين بضيافة الاراضي العراقية، للمصالحة بين النظامين الملكي الاسلامي في الرياض والجمهوري الاسلامي في طهران.
وبرغم ان هناك مؤشرات تهدئة بين السعودية وايران، تمثلت في التوصل الى هدنة عسكرية في الحرب اليمنية في نيسان/ابريل الماضي، ثم اتخذت دفعا اضافيا بتمديدها مجددا في بداية حزيران/يونيو الحالي شهرين اضافيين، الا ان اي اختراق سياسي حقيقي لم يتحقق في المشهد اليمني، ما يعني بحسب المراقبين ان الهدنة قد يتضح انها "مؤقتة" وهي بالتالي رهينة اي تأزم اقليمي جديد يكون السعوديون والايرانيون على طرفي النقيض فيه.
كما يلفت المراقبون الى ان الهدنة اليمنية، حتى وان بدت كأنها احدى ثمار التقارب السعودي-الايراني الذي ترعاه بغداد منذ العام الماضي حتى الان، فانها ايضا خطوة سعودية كانت اضطرارية ان صح التعبير، لان الرئيس الامريكي كان سيحط في مدينة جدة محرجا في ظل الانتقادات الكثيفة التي تصدر في الولايات المتحدة ضد الحرب اليمنية وضد الامير بن سلمان منذ ظهور اتهامات ضده، بما في ذلك من وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية، بالتورط في اغتيال الصحفي السعودي جمال الخاشقجي في العام 2018 حيث تجنب كبار المسؤولين الامريكيين الاجتماع به (اقله علانية) منذ ذلك الوقت.
لهذا، يبدو انه كان هناك حاجة من اجل "تهيئة المسرح" كشرط لاستقبال بايدن من خلال الاعلان هن الهدنة في اليمن، وايضا وربما بمكان ليس بعيدا عن ذلك، اعلان القضاء التركي وقف النظر في قضية اغتيال الخاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، باعتبار ان القضاء السعودي مسؤول عن هذا الملف، وهي خطوة مهدت بحسب ما يقول المراقبون، الى زيارة محمد بن سلمان ايضا الى تركيا ولقائه مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان والتي تمهد لتأسيس مرحلة جديدة من التعاون التركي-السعودي، في ظل التحولات الاقليمية التي فرضتها الحرب الاوكرانية، والتبدلات الظاهرة في الحضور الامريكي المتراجع نسبيا في منطقة الشرق الاوسط في ظل انهماك واشنطن ب"الخطرين" الروسي في الروسي والصيني.
واللافت انه في ظل جولتي الكاظمي ومحمد بن سلمان، لم يتم التطرق علانية على الاقل، الى فكرة "الناتو الاقليمي" التي يتزايد الترويج لها مع اقتراب مجيء بايدن الى المنطقة والتي سيدخلها من "البوابة الاسرائيلية" قبل انتقاله الى جدة لعقد القمة الاقليمية في وقت تحدثت تقارير غير رسمية عن تحليق مقاتلات جوية اسرائيلية بمرافقة طائرات امريكية، في اجواء الخليج في الاسبوع الماضي.
كما لم يتم التطرق الى ايران و"خطرها" سوى بشكل مقتضب في المحطة الاردنية من جولة ولي العهد السعودي ولقائه مع الملك الاردني عبدالله الثاني، حيث جرى التأكيد على اهمية ابقاء البرنامج النووي الايراني "سلميا" وحث ايران على الالتزام ب"عدم التدخل" في الشؤون العربية.
لم تصدر مواقف "عدائية" ضد ايران، لا من محمد بن سلمان باعتباره صار مؤيدا علىى الاقل حاليا، للمصالحة مع "الجار الايراني" كما وصفها منذ بضعة شهور، ولا من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ولا من اردوغان. ولهذا، فإن الجولة الخاطفة للكاظمي، وان تضمنت اداء فريضة العمرة في مدينة مكة، تعكس ادراكا عراقيا واضحا لأجواء التبريد البادية في مناخات ما بين المملكة السعودية والجمهورية الايرانية.
هذا أمل عراقي لا شك فيه لان العراقيين اكثر من يدرك تداعيات اي مناخات توتر اقليمي، سواء كان سعوديا-ايرانيا، او غيره، على الساحة العراقية. لكن في الوقت نفسه، فان غموض المواقف من فكرة "الناتو الاقليمي" تطرح شكوكا وتساؤلات مثيرة للقلق عما يمكن ان يحدث اذا جاء بايدن فارضا الفكرة فرضا على الزعماء المفترض به الاجتماع بهم في جدة، مقابل وعود امريكية بمكافآت او ترضيات متفرقة لكل دولة، في ظل حاجة الادارة الامريكية اولا الى تحقيق انجاز سياسي ما قبل انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وثانيا حاجة الادارة الامريكية الى توفير مصادر اضافية للطاقة في السوق العالمي، بعدما تسببت الحرب الروسية في اوكرانيا، والعقوبات الغربية التي فرضت على قطاع النفط الروسي، في ارتفاع الاسعار الى مستويات كبيرة، وتفاقم سعر وقود البنزين على جيوب المستهلكين الامريكيين.
ولهذا، يخشى المراقبون، ان يكون بايدن اكثر الحاحا وتشددا في طرح افكاره، مراهنا على حاجة محمد بن سلمان مثلا الى تأمين "ولاية العرش السعودي" له، وعلى حاجة اسرائيل للاستفادة من اللحظة الاقليمية والدولية المواتية، لتعزيز خيوط روابطها الاقليمية مع دول اتفاقيات ابراهيم، وتعزيز حضورها الامني (أقله في اطار التصدي لايران) ومحاولة اجتذاب دول اقليمية اخرى الى اتفاقيات التطبيع، ومراهنا ايضا على حاجة العراق ليس فقط الى استكمال مهمة المصالحة الشاقة بين الرياض وطهران، وانما ايضا على حاجة العراقيين الى ضمان استقرارهم الامني والاقتصادي، بغض النظر عن الحكومة العراقية القائمة اليوم، او غدا.
وحتى الان، لم يصدر موقف عراقي رسمي يتعلق بجولة بايدن والمطروح فيها من ملفات، وما طبيعة الموقف الذي سيتخذه الكاظمي بتواجده المتوقع في قمة جدة المرتقبة، اذ اتضح ان معادلة الرهان العراقي القائم الان هي الحرص على "ترطيب" الاجواء الايرانية-السعودية، فان الدفع باتجاه "الناتو الاقليمي" (او الناتو العربي كما يطلق عليه البعض)، قد يدفع المنطقة باتجاه سياسة المحاور المتصارعة مجددا، مع اجواء شبه الانسداد التي بلغتها المفاوضات النووية الايرانية.
يفرض هذا الوضع على الكاظمي الاسئلة الصعبة: ما الموقف من "الناتو" المقترح؟ هل ينضوي العراق فيه؟ ووفق اي دور؟ وهل بامكانه الانضمام الى صفوفه؟ هل يحتمل المشهد السياسي والامني العراقي الحالي مثل هذه القفزة؟ وهل تتسابق جهود تشكيل الحكومة العراقية الجديدة في مناخ ما بعد انسحاب الصدريين من البرلمان، مع جو اقليمي منذر بالخطر؟ وبشكل اوضح، هل تخلق فكرة الاصطفافات الامنية اقليميا، بؤرة اشتعال عراقية جديدة؟ وهل لهذا السبب بالتحديد استبق الكاظمي هذه التطورات، فذهب الى السعودية وايران الان؟
وفي الختام، تظل تساؤلات المراقبين قائمة في ظل اجواء الاستهداف لمنشآت الطاقة في اقليم كوردستان وتبادل "الثأر" الاسرائيلي-الايراني والتهديدات بينهما، والمخاوف على مصادر الطاقة والامن الغذائي عالميا. فهل تشتد الازمة لتنفرج، أم لتنفجر؟
شفق نيوز