• Wednesday, 03 July 2024
logo

الغاز في قطر وإقليم كوردستان وطريق الحرير

الغاز في قطر وإقليم كوردستان وطريق الحرير

شفان ابراهيم

 

أكد رئيس وزراء إقليم كوردستان العراق، مسرور بارزاني، خلال مشاركته في مؤتمر الطاقة العالمي الذي أقيم في دولة الإمارات يوم الأثنين28/3/2022، أن الإقليم سيبدأ تصدير الغاز الطبيعي إلى أوربا قريباً، كما تسعى دول أوربية من بينها ألمانيا اعتماد بديل للغاز الروسي، ويجدون ضالتهم في الغاز القطري المسال. وربما كانت زيارة رئيس وزراء إقليم كوردستان إلى قطرة في 15/2/2022جزءاً من التغيرات التي طرأت على خارطة الطاقة وطرق نقلها على المستوى الدولي، وكلها تشكل جذر أساسي للصراعات الدولية. ومع رغبة الصين بالتمدد صوب الشرق الأوسط والخليج العربي، والأطماع الروسية في أغلب الدول، والتي وجدت ضالتها في سوريا؛ للوصول والسيطرة على طرق الاقتصادي العالمية؛ كون المسيطر على تلك الطرق يتحكم بحركة أسواق الطاقة والتجارة، فإن العلاقات بين قطر وكوردستان هي جزء مكمل للتحركات الأمريكية في الشرق الأوسط، والحاجة لإعادة هيكلية الاقتصاد الإقليمي لمواجهات تلك التحديات، وكلها تدخل ضمن حملات مواجهة أمريكا وحلفائها ضد التمدد الصيني والروسي. وتدرك النُخب الحاكمة في كوردستان استحالة تقوية اقتصادها دون الانفتاح على الدول المهمة في الاقتصاديات العالية كدول الخليج خاصة قطر كدولة قوية بما تملكه من علاقات وتدخلات مهمة في المنطقة خاصة سوريا وتركيا وإيران، كما أن الاقتصاد الحديث هو المتكامل بين الدول الفاعلة في ملفات متشابهة أو متقاطعة، وتمتلك كوردستان علاقات معمقة مع دول الجوار بما تملكه من موارد للطاقة، لذا يُعتبر تمتين علاقة أربيل-الدولة عملية تكامل وترابط للطرفين. فكوردستان بحاجة لخبرة قطر في مجال الطاقة، وقطر تحتاج كوردستان كجانب مكمل في السياسات الاقتصادية والاستفادة من الاستقرار المطلوب للتنمية والمشاريع الاستثمارية ونقل الغاز إلى تركيا ومنها إلى أوربا.

تشابه الحال بين قطر وكوردستان في مجال الطاقة

لذا تتشابه المساعي والرغبات الاقتصادية في مجال الطاقة بين الطرفين، حيث تسببت الحرب ضد داعش وقطع ميزانية الإقليم من قبل الحكومة الاتحادية في توقيف نموّ محطات الغاز فيكوردستان، وتوقف العمل باتفاق تصدير الغاز الطبيعي منكوردستان إلى تركيا. وهذه الأخيرة سينتهي العمل بصفقة الغاز بينها وإيران عام2026، لتكبر معها الرغبة الكوردية بالفوز بعقود إمداد الغاز وتصديره إلى تركيا وأوربا، كما سبق لقطر قبل الــ2011 أن سعت للاتفاق مع الحكومة السورية باستضافة خط أنابيب لنقل الغاز من قطر عبر محافظة حلب السورية إلى تركيا ومنها إلى أوربا، لكن تدخل إيران وروسيا حال دون تنفيذ المشروع، كما فشلت روسيا من جر الغاز الإيراني بواسطة أنابيب بطول 1500كلم عبر العراق وسوريا إلى أوربا بسبب بداية التظاهرات في 2011 ، وهو ما وضع قطر في منافسة مع روسيا وإيران في حروب سوق الغاز الطبيعي.  

وبالمقابل من المتوقع أن ينتهي العمل على مشروع إيصال الغاز من حقول كوردستان إلى محطة دهوك الكهربائية ومنها إلى الحدود التركية، خلال منتصف العام القادم، عبر أنابيب لا يتجاوز طولها 35كلم، هو ما يعني ضرورة زيادة الإنتاج. ولأن جذر مشكلة حقول الغاز الطبيعي في الإقليم تكمن في أن أكثريتها غير مشغلة ولم تتطور، إضافة إلى كثافة رأس المال البشري في كوردستان واحتواء الإقليم على فائض غاز كبير عن الحاجة غير مستثمر أو مستخرج، يجعل منه مكاناً جذاباً للاستثمار، فإن الشراكة مع قطر تعني الاستفادة منها وتطوير تلك الحقول، ودخول قطر إلى سوق الغاز فيكوردستان سيعني كسر الكثير من العزلة المفروضة على قطاع الطاقة كنتيجة لسياسات بغداد المتبعة ضد الإقليم. وربما تصبح العلاقات القطرية الكوردستانية مرتكز أساسي للطاقة، وما يُمكنه دعم هذا التكتل الاقتصادي ويدخل في مصلحتهما هو أن الإتحاد الأوربي شديد الاهتمام بالغاز القطري، وصراعها مع ابتزاز روسيا التي تمد حاجة أوربا بقرابة 40% من الغاز الرخيص والمضمون، لكن ثلثه يمر عبر أوكرانيا، والتغيرات المتوقع حصولها في خارطة طرق وإمداد الطاقة بعد حرب روسيا ضد أوكرانيا، في حين لا يتجاوز تصدير الغاز القطري أكثر من 5%، وبذلك ثمة تعارض بين مصالح أوربا الإستراتيجية مابين الرافضة للتدخل الروسي في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم، وسعيها لعزل أو حصار روسيا اقتصادياً دون تأثير ذلك على ملف الغاز لديها. "وبحسب تقديرات شركة النفط البريطانية بي بي، بلغت احتياطيات الغاز المؤكدة في قطر نحو 24.7 تريليون متر مكعب نهاية عام 2020، ما يمثل نحو 13.1% من إجمالي احتياطيات العالم من الغاز الطبيعي" كثالث أكبر احتياط بالعالم، و"تصدر قرابة/ 5 مليون/ طن من الغاز إلى تسع دول أسيوية، وأكثر من /1,1مليون /طن إلى خمس دول أوربية" وفي مقدمة الدول الأسيوية الصين بحجم مليون طن، وتبدو كفة قطر راجحة لتعويض الأوربيين عن غاز التدفئة الروسي فتشكل قطر بذلك دوراً إقليماً دولياً توازنياً مهماً، لولا العقود المبرمة الملزمة وطويلة الأجل بين الدوحة ودول أسيوية مهمة مثل اليابان وكوريا الجنوبية، والصين. ووفقاً للبيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الموارد الطبيعية، فإقليم كوردستان يمتلك (5.6تريليونات قدم مكعب) من الغاز الطبيعي "كسابع أكبر احتياطي"، ويمكن أن يلعب الغاز القطري مع غازكوردستان والاتفاقيات الثنائية مخرجاً ممتازاً لأغلب الأطراف، وهو سيخلق ثلاث منعطفات مهمة أولهما بيعكورد العراق للغاز مع قطر، والثاني دوركوردي وازن في طريق الحرير الجديد، وثالثتها: ورقة ضغط رهيبة وضخمة لحلفاء أمريكا في وجه روسيا والصين.

الجانب السياسي في صفقات الغاز وطريق الحرير

أمام هذه الديناميات الناشئة والمهمة، فإن طريق الحرير الجديد يصطدم مع التكتلات السياسية التي تقودها أمريكا ومنها الكوردستاني-الخليجي عبر قطر، والموقع الجيوبوليتكي للإقليم ودوره ونفوذه في مناطق برية من الموصل وشنكال ليمنحه بعداً مهماً في طريق الحرير والتجارة العالمية، فالمناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم والمعروفة بمناطق المادة /140/من الدستور العراقي وهي مناطق إستراتيجية ذات بُعد كبير في الصراع تاريخياً بين الكورد ومختلف الأطراف الأخرى، ولم تتمكن أيَّ جهة من إخراج الإقليم من معادلة تلك المناطق، ولم يتمكن الإقليم أيضاَ من تطبيق الدستور وإعادتها لسيطرته بالمطلق، وهي طرق محفوفة بالمخاطر وبؤر للإرهاب، وتمكنت قوات البيشمركة في الكثير من المرات بالقضاء على تلك البؤر وتطهير الموصل وشنكال. والفوز الكاسح لقائمة البارتي الديمقراطي في الانتخابات العراقية الأخيرة في تلك المناطق دليل واضح على النفاذ الكوردستاني في المنطقة، وتدرك قطر جيداً دور العامل الكوردي في تلك المناطق واستحالة تنفيذ أو شراكة أيّ طرف في تلك الطرق دون أتفاق مع الكورد وتحديداً الحزب الديمقراطي الكوردستاني. فالموصل/نينوى تحولت لإحدى أخطر نقاط الصراع الإقليمية والدولية، وتالياً تشكل حالياً إحدى أبرز العقد المركزية في المشروع الصيني، وبات ملحاً اختيار اصطفاف دولي إقليمي متكامل.

ولا تزال جبال شنكال تعاني من أثار الصراع المحلي-الإقليمي-الدولي، ويشكل نقطة محورية في طريق الحرير المجبر بالمرور عبر شنكال حتّى يصل إلى سوريا والبحر المتوسط، لذلك فإن المسيطر على الموصل -شنكال أو المشارك في حكمها يملك مفاتيح حلول كثيرة لنفوذ طويل الأمد، والسيطرة عليهما يعني التحكم في ممر طريق الحرير البري إلى الشمال السوري وتركيا ويعني أيضاً التحكم في تجارة البترول السوري والتحكم بجزء حيوي مهم من الحدود العراقية السورية التركية، ولا يمكن تجاهل هذه المعطيات الإستراتيجية عند الحديث أو التفكير في اتفاقية سنجار بين الحكومة الاتحادية وإقليم كوردستان، لذلك تسعى أربيل للاستفادة من قطر في مجال الحكومات الذكية والطاقة وعلاقاتها المتينة إقليمياً ودولياً، وقطر ترغب بالاستفادة من جغرافيةكوردستان كمنفذ جغرافي رابط بين تركيا وأوربا، ودوره ومكانته في طريق الحرير الجديد، والمطل على الشريط الحدودي الواصل إلى البحر المتوسط.

 

 

باسنيوز

Top