جويل رايبيرن: لو كان القرار الأميركي في يدي لأوفدت على الفور أفضل شخص لتحقيق السلام بين تركيا و(بي كا كا)
حوار: روز علي زاله*
لم تعين الإدارة الأميركية منذ توليها من قبل بايدن والديمقراطيين مبعوثاً خاصاً للشؤون السورية، في السابق كان لأميركا مبعوث خاص للشؤون السوریة، وكان رايبيرن آخر مبعوث أميركي للشؤون السورية، وهو الآن يخبر كونغرس بلاده بأنه يجب على أميركا أن تعيد صياغة سياستها في هذا البلد، لأن السياسات الحالية غير مؤثرة، أريد أن أتحدث مع جويل رايبيرن أكثر عن السياسة الأميركية في سوريا وعن الحوار بين الأحزاب الكوردية وعن مشكلة عفرين.
وأدناه نص المقابلة مع آخر مبعوث أميركي للشؤون السورية جويل رايبيرن:
* شكراً جزيلاً سيد رايبيرن لأنك معنا.. اسمح لي أن أبدأ بجلسة الكونغرس التي عقدت مؤخراً وشاركتم فيها.. ما الذي تمت مناقشته؟
جويل رايبيرن: الجلسة كانت خاصة بالوضع الإنساني في سوريا، خاصة في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد. في كلمتي أشرت إلى أن أكبر أسباب هذه الأزمة الإنسانية في سوريا هو الحرب التي يشنها النظام السوري على شعب سوريا. كان يهمني أن أتحدث عن هذه النقطة.
* حسناً، طرحتم مجموعة مقترحات في الجلسة، أظن أن المقترح الرئيس كان مطالبتك إدارة بايدن بأنه لا ينبغي العمل فقط على مخرجات تلك الأزمة، بل يجب أن يكون عندها خطة شاملة، ما هو الذي يجب أن تفعله إدارة بايدن لكنها لم تفعله؟
جويل رايبيرن: أعتقد أن من بين الإجراءات الرئيسة التي أقدمت عليها الإدارة في العام 2021 كان تخفيف الضغوط الأميركية السابقة على نظام الأسد. تلك التي فرضتها أميركا على نظام الأسد وحلفائه بسبب الحرب التي يشنونها، كان أبرزها تخفيف الضغط عن طريق العقوبات. قانون قيصر الذي بدأ تطبيقه منذ حزيران 2020، والذي كان يضم حصاراً شديداً على القطاع المالي لنظام الأسد. في الواقع تم تخفيف تلك العقوبات في السنة الماضية،2021. لهذا كان مقترحي الرئيس في الجلسة هو الضغط على الإدارة الأميركية لتشديد العقوبات على نظام الأسد، لأن نظام الأسد، بشار الأسد وفلاديمير بوتين لا يساومون بدون مقابل. إنهم يساومون فقط عندما يتعرضون لضغوط جدية تماماً، وهم لا يتعرضون لتلك الضغوط الآن.
* عندما تفرض تلك العقوبات، تتأثر المناطق الكوردية بها أحياناً لأن الإدارة الحالية لا تفرض العقوبات مثلما كانت الإدارة السابقة تفعل، هذا أمر يمكن أن ينفع المناطق الكوردية أم أنه لا ينفع أي أحد أو أي جهة؟
جويل رايبيرن: أعتقد أن هذا سوء فهم للعقوبات، لأن العقوبات التي تفرضها أميركا بقانون قيصر أو غيره من القرارات، ليست عقوبات عشوائية وليست مفروضة على كل النشاطات المالية، بل هي مفروضة على أشخاص بعينهم، وشركات بعينها ووكالات معينة ضمن النظام السوري. لهذا، لم تكن هناك قط نية، وأنا واثق الآن مائة في المائة أنه لا توجد أي نية من جانب هذه الإدارة لفرض عقوبات على أي شخص في شمال شرق سوريا. في الحقيقة، ليست هناك حاجة إلى إصدار أي استثناء من العقوبات، والذي تداولته وسائل الإعلام مؤخراً. أميركا، الخارجية الأميركية ووزارة المالية الأميركية، قادرة على إصدار رخصة عمل لأي شخص. يمكنهم أن يقرروا السماح لشخص معين أومشروع معين، وهذا أفضل من إصدار استثناءات شاملة أو عدم تطبيق العقوبات. لأن نظام الأسد، والنظام الإيراني وروسيا يستفيدون من ذلك.
عندما تفرض أميركا عقوبات على سوريا، تفرضها على شخص محدد، وكالة محددة، شركة محددة أو مشروع محدد. لو نظرت في العقوبات على موقع وزارة المالية الأميركية، ستجد قائمة بأسماء كل الأشخاص الذين فرضت عليهم عقوبات في سوريا. أظن أن المنتقدين للعقوبات ليسوا مطلعين أصلاً على هذه القائمة. ردي على من ينتقد العقوبات الأميركية هو اذهبوا وانظروا من هم الأشخاص الذين فرضت عليهم عقوبات، وبعد ذلك أخبرونا من الذي يستحق الإخراج من القائمة.
* لكن القلق هو من الآثار الثانوية للعقوبات وليس من العقوبات نفسها. صحيح أنه عندما تفرض عقوبات على جنرال في النظام السوري أو على رجل أعمال هو ابن عم لبشار الأسد، تكون القضية مختلفة، لكن القلق هو من وجود آثار ثانوية للعقوبات..
جويل رايبيرن: أصدرت وزارة المالية توجيهات كثيرة، وبينت أن العقوبات لا تهدف إلى إبطاء النشاطات الإنسانية والنشاطات الاقتصادية المشروعة للأشخاص غير التابعين للنظام. إن كان هناك أحد عنده مشروع محدد فبإمكانه أن يطلب رخصة لتنفيذ مشروعه. جرى هذا من قبل، وهناك آلية لهذا الإجراء. كان الأمر كذلك من قبل أيضاً. لهذا أعتقد أن من الأفضل أن يستفيد الناس من هذه الأمور بدلاً عن مطالبة أميركا بإجراء يجعل فرض عقوبات على الأسد أمراً صعباً.
* عندما نتحدث عن المساعدات الإنسانية الدولية، يبرز بالتأكيد الحديث عن الحدود والمنافذ الحدودية، طالبت سلطات شمال وشرق سوريا بفتح نقطة اليعربية الحدودية أسوة بالنقاط الحدودية الأخرى. لماذا تم تسييس هذه النقطة الحدودية إلى هذا الحد؟ لماذا لا تضغط أميركا لفتح تلك النقطة أسوة بسائر النقاط الحدودية؟
جويل رايبيرن: لا، أميركا تضغط لفتحها لكن روسيا تعارض. روسيا لا تريد لتلك النقطة أن تفتح. في الحقيقة، لا تريد روسيا أي نقطة حدودية مفتوحة في وجه مساعدات الأمم المتحدة. السبب الوحيد الذي جعل روسيا تسمح بفتح منفذ باب الهوى الحدودي، أعتقد هو أن الروس لم يكونوا يريدون خلق توترات مع تركيا. لكن تركيا ليست مشتركة في منفذ اليعربية فمنعت روسيا فتحه. غلق المنفذ كان قراراً روسياً بالكامل.
أنا أرى أنه آن الأوان لأن تتوقف الدول المانحة للمساعدات عن إيصال المساعدات عن طريق الأمم المتحدة. لأنه، على ما أعتقد ومع الوضع الذي نشأ في أوكرانيا، ترى روسيا أن المساعدات الإنسانية مجرد لعبة وورقة ضغط. كما لا أشك في أن روسيا سترفض في شهر تموز أي مشروع قرار لتمديد تفويض الأمم المتحدة لإيصال المساعدات. لهذا أرى أنه يجب على الدول المانحة أن تتراجع خطوة وتختار طريقاً آخر. يجب إنشاء نظام لإيصال المساعدات عن طريق الدول وليس عن طريق الأمم المتحدة. بذلك ستدخل المساعدات من جميع المنافذ التي يختارونها، اليعربية، باب السلام، باب الهوى، جرابلس والمنافذ الأخرى.
* حسناً، ما أسمعه منك يعني أن تركيا استطاعت فتح نقطة باب الهوى الحدودية لأن روسيا لم تشأ الدخول في مشاكل مع تركيا. ألا يعني هذا أن أميركا لا تضغط كما يجب وأن روسيا مستعدة للقبول بفتح نقطة حدودية لأن تركيا شريكة فيها، لكنها لا تسمح بفتح نقطة تشترك فيها أميركا، ألا يخبرنا هذا بأنه ليس لأميركا الدور القوي الذي يجب أن تضطلع به، مثلما تفعل تركيا؟
جويل رايبيرن: أظن أن الطريق الأفضل المتاح لأميركا هو أن تحذر روسيا وتقول لها: حتى إن رفضت المساعدات فإننا سنرسلها عبر قنوات أخرى غير الأمم المتحدة، عبر منفذ اليعربية وكل المنافذ الأخرى التي تصلها أيدي المانحين. أعتقد أن أميركا والدول المانحة الأخرى لو فعلت هذا، وجعلت الفيتو الروسي غير مجدٍ، عندها تتراجع احتمالات استخدام روسيا للفيتو.
* إذن هذا واحد من الطرق التي يمكن أن تجربها أميركا؟
جويل رايبيرن: أعتقد أنه على أميركا والدول الأخرى المانحة أن تكون أشد تجاه الروس. لا أرى سبباً لعدم تشددهم مع روسيا في هذا الوقت، مع الأخذ بما تفعله روسيا حالياً في أوروبا. كما أن الذي فعلته في سوريا لسنوات تفعله الآن في أوروبا. أعتقد أنه يجب أن ينتهي إبداء المرونة تجاه مصالح روسيا.
* في مقترحك للكونغرس أيضاً، قلت إن روسيا لا تستطيع أن تكون شريكاً لنا، فروسيا لا تريد الشراكة.
جويل رايبيرن: أعتقد أنهم أثبتوا ذلك.
* أثبتت روسيا أنها لا تريد شريكاً! لماذا إذن...
جويل رايبيرن: هل لي أن أقطع عليك كلامك وأضرب مثلاً؟
* بالتأكيد.
جويل رايبيرن: مرت الآن أشهر، لو عدنا إلى بداية الصيف الماضي، أي إلى أواخر ربيع العام 2021، عندما كانت أميركا وبريطانيا وفرنسا ودول أخرى منشغلة في محادثات مع روسيا للسماح بوصول المساعدات عبر الحدود التركية إلى مخيمات النازحين وإلى المنكوبين في شمال سوريا. لكن في نفس الوقت الذي كانت تجري فيه المحادثات، كانت روسيا تقصف تلك المخيمات وتقتل الناس الذين كان يجري السعي لإيصال مساعدات إليهم. هذا هو أسلوب عمل الروس. الروس يستهخفزن بالمحادثات الدبلوماسية. موقفهم الحقيقي هو القنابل التي يطلقونها من قاعدة حميميم باتجاه مخيمات النازحين في شمال سوريا.
* وماذا عن الأزمة الأوكرانية وانشغال روسيا بأوكرانيا، ألن يغير ذلك أي شيء من تعامل أميركا وروسيا مع بعضهما البعض في سوريا؟
جويل رايبيرن: دعني أقول إنني لست الآن في الحكومة، وأتحدث كمراقب للوضع، وأقول نعم يجب أن يغيره. لأن ما يجري الآن في أوكرانيا يظهر الضعف العسكري الستراتيجي الروسي. روسيا ليست القوة العسكرية العظمي التي كنا نظنها. بل ليست القوة التي كانت تتصورها دول الشرق الأوسط ونظام الأسد. لهذا أعتقد أن قدرة روسيا على المواجهة في سوريا محدودة للغاية، وربما كانت كذلك على طول الخط، لكن أعتقد أننا نرى الآن أن روسيا لا تستطيع حقاً أن تشكل أي تهديد في سوريا، ولهذا أعتقد أن الجميع يراجعون قدرات روسيا في سوريا، وهذا يغير من الآلية الدبلوماسية.
* طيب.. هناك فكرة تقول إن روسيا ربما ليست قوة قديرة أو ربما ليست ذات سلطة واقتصاد قويين كأميركا، لكن عندما يتعلق الأمر بسوريا، فإن روسيا تفعل ما تقول بخلاف أميركا التي لا تفعل ما تقول، فقد تخلت أميركا عن الكورد في حربهم مع تركيا، وكلنا يعرف ما الذي حدث، صحيح أن روسيا منشغلة بأوكرانيا حالياً، وهناك عقوبات اقتصادية على روسيا، ولم تعد عندها الإمكانيات السابقة، لكن روسيا أثبتت أنها تثبت في الأزمة عندما تكون فيها؟
جويل رايبيرن: تكاد روسيا تخسر رابعة حروبها منذ مطلع العام 2020. في شباط وآذار 2020، خسرت روسيا ونظام الأسد وحزب الله وفيلق القدس حرباً في مواجهة تركيا والفصائل السورية المعارضة التابعة لتركيا في إدلب. لم يقتربوا حتى من النصر في تلك المعركة. غالبية تلك القوات خاضت حرباً في ليبيا وهناك أيضاً خسر الروس. بعد ذلك، حاربوا في ناغورنو – كاراباخ وخسروا، وما يجري الآن في أوكرانيا هو هزيمة الروس الرابعة في حرب خلال سنتين. هناك حدود لإمكانيات روسيا في سوريا، وأعتقد أن الجميع يدرك تلك الحدود الآن. المواجهات التي حصلت بين تركيا وشمال شرق سوريا، كانت موضع أسف وكانت تراجعاً. لم تكن إدارة ترمب التي كنت جزءاً منها تريد ذلك. بذلنا جهوداً كثيرة لمنع حدوثه. لو كنت تذكر، فإن نائب الرئيس مايك بنس، ووزير الخارجية حينها بومبيو، ذهبا إلى أنقرة لتحذير الرئيس أردوغان من أضرار عقوبات اقتصادية ستفرضها أميركا، وكان ذلك فقط من أجل تحقيق وقف إطلاق نار في العملية التي جرت في أكتوبر 2019. كان مؤسفاً للغاية.
رأيي الشخصي هو أن لأميركا علاقات قوية مع الطرفين، مع تركيا ومع شمال الشرق. يجب أن يكون لنا دورنا في تحقيق الحل الدبلوماسي. أي توتر قد يحصل هناك، وأي مواجهة تحدث، لا ينبغي أن تبلغ حد المواجهة العسكرية. ليس هذا في صالح أي طرف، ولا في صالح أميركا والمجتمع الدولي. الصدام بين تركيا وشمال شرق سوريا لا يخدم سوى مصالح الأسد وداعش وإيران وروسيا. لهذا، فما أراه شخصياً هو أن تستخدم أميركا كل قواها لتحقيق الحل الدبلوماسي لتلك التوترات بدلاً عن المواجهة العسكرية.
* حسنا، ولكن هل فعلت أميركا هذا عندما كانت هناك حاجة إليه؟
جويل رايبيرن: حينها.. أنظر.. كان وضعاً معقداً للغاية، أعتقد أنه كانت هناك أمور وكان ممكناً أن نفعلها بصورة أفضل، لكن من جهة أخرى أنظر إلى الإجراءات المشددة التي اتخذها الرئيس ترمب والوزير منوتشون الذي كان حينها وزير مالية أميركا ضد الاقتصاد التركي. كانت مدمرة لذلك الاقتصاد. لذا، أعتقد أنه لم يكن متاحاً لأميركا في ذلك الحين بديل آخر عن الذهاب إلى الحرب ضد تركيا.
* تمر الآن الذكرى الرابعة لاحتلال عفرين من جانب تركيا، وفي الواقع، نشرت منظمة حقوق الإنسان السورية مؤخراً تقريراً تقول فيه إن هناك انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان فقد قتل 600 شخص، وهناك تعذيب وقتل وكل أنواع انتهاكات حقوق الإنسان، هل اتخذت أميركا خطوات، كما يجب، للضغط على تركيا لتضغط هي بدورها على الفصائل التابعة لها لتقلل من أعمال القتل والنهب تلك؟
جويل رايبيرن: أعتقد أن العقبة الكبرى في طريق تحقيق السلام، على طول الحدود بين تركيا وسوريا، من الغرب إلى الشرق، هو استمرار الصراع بين تركيا و(بي كا كا). لو أن لي السلطة المطلقة في أميركا لبادرت فوراً إلى إرسال أفضل الدبلوماسيين المحنكين والخبيرين ليساعدوا ويحركوا عملية سلام، أو على الأقل عقد اتفاق وقف إطلاق نار بين تركيا و(بي كا كا). فإذا تحقق هذا، سيتم حل كل شيء، إذا حدثت صدامات عسكرية، فلن تتسع رقعتها ويمكن تحقيق حل عن طريق حوار وعملية سياسية. أعتقد أن هذه هي واحدة من المشاكل التي تم إغفالها في الجزء الشمالي من الشرق الأوسط. ألا وهي المشكلة بين تركيا و(بي كا كا). كم سنة مرت عليها؟ 41 سنة أو 42؟ هذا يجب أن تنتهي. لقد تحول إلى كارثة للجميع في شمالي الشرق الأوسط. لا أدري كيف يمكن لسوريا والعراق ومناطق من تركيا أن تشهد الأمن والاستقرار بدون عملية سياسية من هذا النوع. إننا بأمس الحاجة إليها.
* ولماذا لا ترى الإدارة الأميركية هذا؟
جويل رايبيرن: ترى أميركا هذا أحياناً على ما أظن. فمثلاً، تدخلت إدارة بوش دبلوماسياً في العامين 2007 و2008، وأوفدت مبعوثاً لفترة. لكنني أعتقد أن هذه المشكلة هي مشكلة رئيسة تم إغفالها في الجزء الشمالي من الشرق الأوسط. في الحقيقة، أعتقد أن أثر هذه المشكلة مشابه لأثر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على الأمن الدولي. أنظر، ليست أميركا وحدها، بل كل العالم بذل جهوداً دبلوماسية لحل مشكلة إسرائيل وفلسطين! وأعتقد أن على العالم والمجتمع الدولي بذل نفس القدر من الجهد والموارد والوقت والاهتمام لإيجاد حل دائم للصراع بين تركيا و(بي كا كا).
* ما الذي يمكن أن تفعله حكومة إقليم كوردستان وقنديل نفسه ليسهلوا على الحكومة الأميركية ممارسة دور في عملية السلام؟
جويل رايبيرن: تعلم أنني في العامين 2007 و2008، كنت ضابطاً عسكرياً ببغداد. حينها كانت هناك صدامات كبيرة بين تركيا وقنديل. حينها مارست حكومة إقليم كوردستان دوراً إيجابياً للغاية كوسيط، وتوسطت بصدق بين الطرفين. لكن الوضع الآن أكثر صعوبة. لأكن صادقاً، إن ذهاب (بي كا كا) إلى سنجار سبب الكثير من عدم الاستقرار. أحب أن أرى (بي كا كا) يتخلى عن تلك الخطوة ويعبر عن استعداده للمشاركة في عملية السلام ويفعل ذلك بحسن نية.
* دعني أنتقل إلى موضوع آخر هام. ألا وهو الحوار بين الأطراف الكوردية في شمال شرق سوريا، لأميركا بعض الدور في محادثات السلام هناك، لكن أريد معرفة رأيك في الصراع بين الأحزاب الكوردية ومحاولات حلها..
جويل رايبيرن: ما تبين لي خلال الفترة التي كنت بها في سوريا، هو أن تلك المحادثات لو كانت مقتصرة على المشاكل المحلية لأبناء الشمال والشرق، لكان هناك الكثير من الأرضيات المشتركة والتفاهمات ولكان بإمكانهم الدخول في عملية تقرب بينهم أكثر مع مرور الوقت وتقودهم إلى الاتفاق، ففي ذلك المستوى كانت الخلافات متجسدة، مشاكل كونكريتية مع فرص كونكريتية. لكن تبين لي أنهم كلما اقتربوا من التوصل إلى اتفاق وإلى الخطوة الأخيرة باتجاه الاتفاق على تقاسم للسلطة والعمل معاَ وما إلى ذلك، تبين لي أن التوترات بين قنديل وأنقرة كانت تحبط كل التقدم الحاصل. في الحقيقة، لم ألمس استعداد قنديل الحقيقي لكف يدها والتمهيد لأبناء شمال شرق سوريا ليحلوا خلافاتهم فيما بينهم، وبدلاً عن ذلك، كان الذين في قنديل، وهم من تركيا ومن العراق وقسم من إيران، يتدخلون فجأة ويمنعون أبناء القامشلي والحسكة وكوباني من حل خلافاتهم على المستوى المحلي. كان ذلك مرهقاً للغاية.
* ما رأيك في مآخذ الإدارة الذاتية وحزب الاتحاد الديمقراطي على المجلس الوطني الكوردي في سوريا، فهم يقولون على ما أذكر حالياً، يقولون مثلاً إن المجلس الوطني يطلب أكثر من حجمه بكثير؟
جويل رايبيرن: لا أعرف حجم القاعدة الجماهيرية لأي طرف في شمال الشرق. لا أعرف كيف يقاس ذلك الحجم. فلم تجر انتخابات هناك، والأحزاب السياسية هناك ليست حرة جداً في النشاط. إن صدقتك القول، أعتقد من خلال تجربتي الشخصية، أنه لا تزال هناك أرضيات مشتركة كثيرة بين الطرفين. إن تركهما الآخرون، يستطيعان التوصل إلى اتفاق يخدم الجانبين.
* لدي من الوقت ما يكفي لتوجيه سؤال آخر، لكني سأقسمه إلى قسمين، في الحقيقة هما سؤالان إضافيان، أولهما هو أنك أشرت إلى ضرورة أن يكون لأميركا مبعوث خاص بمشاكل تركيا و(بي كا كا)، ولكن ليس لأميركا مبعوث لسوريا حتى. هل يعني غياب مبعوث أميركي لسوريا أنها لا تركز على سوريا أو ليست مهتمة بسوريا؟ سؤالي الثاني هو أنكم تحدثتم في الكونغرس عن وجود تجارة مخدرات أو تجارة ناركو في سوريا، هل يمكن أن تخبرني المزيد عن هذا؟
جويل رايبيرن: حسناً، دعني أحدثك بداية عن تهريب ناركو. ما ظهر في السنوات الأخيرة هو أن نظام الأسد يعمل في مجال تهريب المواد المخدرة، يهرب المواد المخدرة والمادة الرئيسة للتهريب هي كابتاغون التي يقول المحللون المتخصصون إن عائداته على سوريا تبلغ مليارات الدولارات.
* هل من المعروف إلى أين يرسلها؟
جويل رايبيرن: أجل، يتم إرسال قسم صغير عبر البحر المتوسط، لكن القسم الأكبر يذهب إلى منطقة الخليج وبصورة خاصة إلى السعودية ودول خليجية أخرى. هذه التجارة تعود بعائد غير شرعي ضخم على نظام الأسد وشركائه من قبيل حزب الله اللبناني. حصة نظام الأسد من هذه التجارة، يتولى إدارتها ماهر الأسد الذي هو شقيق بشار الأسد. بهذا تحول نظام الأسد إلى دولة ناركو. هذا يمكن اعتراض سبيله بسهولة إذا بعث المجتمع الدولي قوة فرض قانون متخصصة في مكافحة المواد المخدرة ذات دعم دبلوماسي. أعتقد أنه يمكن إنجازه بسهولة كبيرة.
* لكن هذا الدعم الدبلوماسي غائب، أليس كذلك؟
جويل رايبيرن: لا، أعتقد أن الدعم موجود، والكونغرس يلتفت شيئاً فشيئاً إلى هذه المشكلة، وقد أعد الكونغرسمان فرينتش هيل، من تينيسي، مشروع قانون لزيادة الضغط من جانب أميركا تجاه هذه المشكلة. كانت هذه المشاكل كافة لتصبح أسهل لو أن لدى أميركا شخص تحت عنوان المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا. مثل المنصب الذي شغلته أنا والذين سبقوني في سوريا من العام 2014. في العامين 2021 و2022، لم يكن لأميركا مبعوث خاص إلى سوريا. مع ذلك لا يزال هناك أشخاص في وزارة الخارجية يعملون على الملف السوري. يعملون بجد على الملف السوري. لكن الدول الأخرى لا تشعر بذلك عندما تفتقر أميركا إلى شخص معين لهذه المهمة. لو نظرت إلى وزارة الخارجية، تجد أن هناك مبعوثين لكل شيء تقريباً، ولن يضير إن كان هناك واحد. ليس هناك مبدأ يعارض وجود مبعوث خاص.
* بسرعة رجاء.. لماذا لا يوجد مبعوث؟ لماذا لا تعين إدارة بايدن مبعوثاً؟
جويل رايبيرن: هذا السؤال يجب أن يوجه إليهم. لكن أعتقد أن وجود مبعوث سيساعد ويوجه رسالة مفادها أن أميركا ملتزمة بالملف السوري، ويطمئن الكثير من حلفائنا وسيكون له تأثير على وجهة نظر المنطقة من اهتمام أميركا بسوريا.
* شبكة روداو الأعلامية