• Sunday, 21 July 2024
logo

العراق حقل تجارب

العراق حقل تجارب

طارق كاريزي

 

هلهل الشارع العراقي لسقوط الملكية واستقبل عملية ابادة الاسرة الملكية بأعصاب باردة ولم يكترث للصيغة البشعة التي قتل بها السياسي المخضرم نوري السعيد. كل ذلك على أمل ان يكون أفول العهد الملكي عام 1958 بداية عهد جديد بجمهورية فتية تفتح صفحة جديدة عناوينها الرخاء والعدالة والامن والحرية.

توالت الانظمة وتتابع رؤساء الجمهورية واحدة (واحدا) تلو الاخرى (الآخر)، فيما قطار الجمهورية دخل طرقات متعرجة اكتنفتها مغامرات ومساع لتحقيق احلام عابرة للحدود، وهي تلوي عنق الواقع ليكون مطاوعا لأماني وآمال الحاكم بأمره، وخاض قادة الجمهورية سلسلة من الصراعات الدموية أتت على الثروتين المادية والبشرية حتى بات البلد يزحف على بطنه والشعب يشكو العوز والقطيعة والحرمان بعد هدر غير محدود للثروات والطاقات.

الطريف في الأمر، ان قطاعات واسعة من العراقيين على مرّ العهود لعنت الحاكم السابق بالأمس فيما تتباكى عليه اليوم. ممجدو العهد الملكي وهم يعدون محاسنه ليسوا بقليلين، فالناس عانوا الامرّين طوال عهد الجمهورية الاولى، فيما باتت المحنة تفصح عن نفسها لدى الكثيرين في عهد الجمهورية الثانية بعد 2003، وهكذا فدوامة اللعبة السياسية العراقية تعيش فصولها المتكررة بين حرّ قائض وبرد قارس لا يجد العراقي عدة الاحتماء من التضاد والتصادم بين دوامة الحر والبرد بمعناهما المجازي هنا.

الحكمة تقتضي بأن تؤدي التجارب الى استخلاص العبر والنتائج، وعلى ضوئهما يتم تحديد مسارات العمل وفق تخطيط مبرمج يضبط آليات الاداء. التجارب العراقية تبدو انها تعمل وفق اسس وآليات خارج دائرة المنطق الطبيعي المشار اليه وفق ثلاثية (التجربة، العبرة، النتيجة)، ما يعني استمرار الوسط الاجتماعي العراقي في حقل التجريب الذي يقوده ويمسك به السياسيون بمزيد الاصرار من دون التوصل الى نتائج حاسمة.

هل من المنطق الاستمرار في لعبة سياسية اثبتت عدم نجاحها على مدى قرن من الزمان؟ لا منطق بالمرّة في ذلك. من الحكمة العودة الى منطق السياسة الرشيدة، واتباع طريق يخلق حالة من الانسجام والتكامل بين نظريات العمل السياسي وفق منطوق علمي، مع ما في الواقع من مدخلات اجتماعية ومعطيات ثقافية، وبالتالي تلقي المنتظر من المخرجات. وفق صيغة في هذا المنحى، يمكننا استبيان طريق التحول المنشود في واقع عراقي لا يجاري متطلبات العصر، ويعترضه المزيد من العثرات والموانع التي تحتاج المزيد من الشجاعة السياسية لتجاوزها.

 

 

باسنيوز

Top