مازال صدام يحكمنا !
طارق كاريزي
كلام لا يدخل في عالم السوريالية، وهو ليس بشطحة صوفية، ولا هو بخيال جامح لنص سردي، بل هناك شهود واثباتات وقرائن وضحايا لحاكمية صدام وسريان اوامر حتى هذه اللحظة. نعم فقد اعتقل صدام (يقينا) بوشاية من اهل الدار وتم اخراجه من حفرة لا تليق بسكن البشر وهو في حالة يرثى لها. والكل يتذكرون مشاهد اعتقاله التي بثت من خلال شاشات الفضائيات وتبعها محاكمته مع ثلة من اركان نظامه، واخيرا تم تنفيذ حكم الاعدام بحقه امتثالا لقرار محكمة الجنايات العراقية العليا.
مع كل هذا الكم من الحقائق، يبدو ان صدام مازال يعيش بيننا وماتزال قراراته وتعليماته سارية المفعول. ومن لا يصدقني القول فليزر الفلاحين والمزارعين الكورد في قرى محافظة كركوك. هذه المحافظة الكوردستانية التي شهدت ابشع سياسة تطهير عرقي مبرمجة ضد الكورد بموازاة سياسة استيطان واسعة لصالح العرب الوافدين بدعم وتسهيلات سخية من قبل السلطات العراقية طوال فترة حكم حزب البعث وقبل ذلك ايضا.
ربما البعض من القراء تنقصهم معلومات حول حملات عنصرية استهدفت الكورد بدءا من عام 1961 وانتهاء مع سقوط صدام ونظامه عام 2003، حيث قامت السلطات العراقية طوال 42 عاما بتدمير حوالي (5) آلاف قرية كوردية وعشرات المدن والبلدات الكوردستانية. رافقه مصادرة ارضي الكورد ونهب ممتلكاتهم في المدن والقرى، وحملات تهجير وترحيل طالت مئات الآلاف من الاسر الكوردية. علاوة على توطين العرب محل الكورد خلال حملات استيطان واسعة النطاق شملت مناطق كوردستانية في محافظات ديالى، صلاح الدين، كركوك، اربيل ونينوى. ترحيل وتهجير السكان لا يتوافق مع لائحة حقوق الانسان ويتقاطع مع اسس المواطنة وهي جريمة ضد الانسانية، مثلما الاستيطان الذي يسعى لتحقيق اهداف سياسية وغايات عنصرية ومقاصد جهوية، يعد عملا عدوانيا يستوجب احالة مرتكبيه الى القضاء.
السياسة العنصرية التي انتهجتها الحكومات العراقية طوال اكثر من اربعة عقود (1961- 2003) ضد المواطنين الكورد خلفت كما هائلا من المشكلات التي من المفترض ان تسعى الحكومات التي تشكلت بعد عام 2003 الى معالجتها لتحقيق العدالة وانصاف المظلومين من الضحايا وذويهم، وابجدية الانصاف تستوجب اعادة الحقوق المسلوبة الى اصحابها.
مشاهد عودة المزارعين العرب الى القرى الكوردية في مناطق مختلفة من محافظة كركوك بدعم من السلطات المحلية في المحافظة والتضيّق على المزارعين الكورد من اجل اجبارهم على ترك اراضيهم لصالح المستوطنين من العرب العراقيين الذين وفدوا الى المنطقة بدعم وتشجيع وتسهيلات من نظام صدام، عدوان سافر يستوجب الاسراع في معالجته وانهاء التهديدات التي يتعرض لها المزارعون الكورد اصحاب الاراضي التي اغتصبت منهم بموجب قرارات جائرة من الانظمة العراقية التي تعاملت مع مواطنيها الكورد من منطلقات عنصرية عدوانية.
مضى على سقوط نظام صدام اكثر من 18 عاما ومازال القرويون الكورد يدفعون ضريبة سياسة التمييز العنصري المقيتة التي خططت لها ونفذتها الحكومة العراقية ابان حكم صدام. هل من المعقول ان يجري تنفيذ القرارات الظالمة لصدام ضد الفلاحين الكورد بعد زوال نظامه منذ قرابة عقدين من الآن؟ وفي هذا الصدد نتطرق لنموذج واحد فقط. مزارعون عرب قادمون من محافظة القادسية يدعون امتلاكهم أراضي المزارعين الكورد في قرية شناغة في شمال غرب محافظة كركوك! أية مسرحية تراجيدية هذه التي نرى عروضها المعتمة؟ هذا الظلم والعسف البين يجب ان ينتهي وهذه مسؤولية السلطات العراقية. ليس من السهل تقدير تواجد الكورد في هذه القرية وقرى اخرى زمنيا، فالكورد متواجدون في وطنهم منذ آلاف السنين، عليه فهم اصحاب الارض الحقيقيين بكل تأكيد، وأي تهديد لانتزاع ملكية الاراضي منهم عمل عدواني يخل بروح المواطنة بشكل صارخ ويجب ايقافه نهائيا ومحاسبة المحرضين على ذلك.
قرارات صدام هجّرت المزارعين الكورد من اراضيهم وقراهم وقامت بجلب المزارعين العرب وتوطينهم محل الكورد (السكان الاصليون لجغرافية المنطقة)، وهذا اجراء عنصري بكل المقاييس.
سياسة التهجير والاستيطان لا تتوافق مع اسس العدالة والمجتمع المدني، بل هو اجراء كارثي وجريمة تستحق المتابعة والتحقيق. ترى هل مازال صدام حيا بيننا ويحكمنا بموجب قراراته الجائرة؟ ان الكان الجواب "نعم"، فلا داعية لتقديم الشكوى، وان كان الجواب "كلا"، طيب لم قراراته مازالت ملزمة وتصبح بمثابة اللعنة التي تلاحق الفلاحين الكورد حتى الآن؟
باسنيوز