ناشطون: شتّان ما بين أربيل وبغداد
بحسب مراقبين، فإن الحكومات المتعاقبة على إقليم كوردستان تطمح إلى جعل الإقليم قمة في التطور الخدمي والعمراني من خلال خلق بيئة صحية للأعمال والاستثمار وتعزيز أنشطة القطاعات وتطويرها، وأن الاستقرار الأمني وقلة الفساد المالي والإداري مهدا الطريق للانتعاش والتطور في الإقليم، يقابله في بغداد تأخر وعدم استقرار وفي جميع المجالات، وأن السبب في تدهور الأوضاع في باقي مدن ومحافظات الوسط والجنوب العراقي يعود إلى عدة عوامل، منها الفساد والصراعات السياسية.
خلل في النظام السياسي
في هذا الصدد يقول الناشط في المجال السياسي عمر فاروق في حديث ، إن «السبب في عدم إعادة تجربة الإقليم في العراق من ناحية المشاريع الخدمية والطرق والجسور، هو تعدد مراكز القرار الإداري في بغداد والصراع السياسي القائم على إفشال كل طرف للطرف الآخر في عمله كي لا يحسب النجاح له وينال أصواتاً انتخابية، كذلك كثرة الأحزاب بشكل أصبح لا يطاق في بغداد، عكس الإقليم الذي عدد الأحزاب فيه وطرق التنافس بينها مقبول بشكل لا بأس به».
ويرى فاروق، أن «هناك عوامل أخرى تعيق المتنفذين في بغداد من تكرار تجربة الإقليم كحاجة بغداد لأموال طائلة وللوقت والخطط لتنفيذ كل ذلك، وكل المتنفذين يريدون إنجاز كل شيء بين يوم وليلة مع حصولهم على مكاسبهم الخاصة، كذلك هناك عامل آخر يجب أن لا ننساه وهو الانهيار الاقتصادي وعدم نهوضه، كل هذه العوامل لم تتسبب بالتأخر العمراني والخدمي فقط وإنما تسبب في تدهور الوضع الأمني وعدم استقراره».
ويعتبر فاروق أن «الواقعان الخدمي والأمني مرتبطان بالاقتصادي بنسبة ٩٠٪».
وتابع الناشط السياسي، أن «الصراعات على المناصب هي أساس كل الخراب والبلاء كونها صراعات على من يكون على رأس الهرم لينال العقود وتتم بطريقة فاسدة وتهدر بها الأموال وتضمن بها النسب مع توفر حماية سياسية دون حساب وكتاب مع كل الأسف، مع تهرب من المسؤولية برمي الكرة في ملعب السلطات الأخرى، ليستمر الحال من سيء إلى أسوأ نتيجة إشكاليات خطيرة في بنية هذا النظام السياسي».
ويقول الكاتب والباحث السياسي كوركيس كولي زادة في مقال له، إنه «من مآسي القدر العراقي أن ساسة الشيعة تحولوا إلى ذئاب ووحوش وديناصورات لنهب وسرقة ثروات وأموال وموارد وممتلكات العراقيين وخاصة الشيعة منهم، وحولوا محافظات ومدن جنوب ووسط العراق إلى منطقة أوسع خرابا وأكبر دمارا وأكثر تخلفا وفقرا، وإن الأحزاب والسياسيين المتنفذين في السلطة بقوا على نفس سياسة الحرمان والتخلف والفقر التي كانت سائدة قبل 2003 على شعب الجنوب والوسط من العراق».
وبالمقارنة مع الجانب الآخر في إقليم كوردستان، تذكر هيئة الاستثمار في الإقليم، أنه على الرغم من الأزمة المالية نتيجة المشاكل بين بغداد وأربيل والأزمة الصحية التي تسببت بها «كورونا»، فقد بذلت حكومة إقليم كوردستان كل جهودها في تعزيز الاقتصاد عبر الاستثمار المكثف في قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة وغيرها وتقديم خدمات أفضل للمواطنين عبر مشاريع الطرق والجسور والأبنية.
وتقول دوائر صنع القرار في أربيل، إن تصحيح الوضع الاقتصادي العام وتعزيز الاستثمارات من أبرز أولوياتها، كما تسعى الحكومة إلى تنويع مصادر دخلها وعدم الاعتماد على مصدر واحد وتحويل الإقليم من منطقة استهلاكية إلى منطقة منتجة تكون سلة غذاء للعراق عامة.
الوضع الأمني والصراعات
وترى المهندسة والمتابعة للوضع السياسي في العراق والإقليم شيماء بهزاد، أن «هناك العديد من المعوقات أمام مدن العراق في الوسط والجنوب والذي يمنعها من أن تضاهي مدن الإقليم في المشاريع الخدمية والعمرانية وحتى في مجال الاستثمار، وإن أهم تلك المعوقات هي الوضع الأمني غير مستقر وتدخل بعض الجهات المتنفذة بكل مشروع لتحقيق مغانم مادية، ما يعيق المتنفذين في بغداد من تكرار تجربة أربيل».
وتقول بهزاد إن «مخاوف المؤسسات الحكومية من الوضع المضطرب والتدخلات الخارجية وعدم السيطرة على الفساد المستشري والصراعات بين الجهات المتنوعة وأصحاب النفوذ فيما بينهم للتسلق نحو السلطة والمال هو ما تسبب بالفشل في تقديم الخدمات للناس بشكل رئيسي».
وتعتقد بهزاد، أن «الصراعات هي سبب أساسي في تدهور الأوضاع في البلدان، وأي بلد لا يمكنه تحقيق الاستقرار إلا إذا كانت لديه حكومة قوية ونزيهة وانتماءها للوطن فقط وتسعى إلى الارتقاء به ولا ينافسها على زمام الأمور أي جهة أو حزب».
ويعاني العراقيون بعد 18 عاماً على التغيير من نقص في الخدمات وانتشار الأوبئة والأمراض وتردي الوضع الاقتصادي والانقطاعات المستمرة للكهرباء، وسوء الأوضاع المعيشية والبطالة والفقر وانعدام التخطيط وتراجع كبير في مختلف القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية، ما جعل المواطن يعيش في دوامة كبيرة من المعاناة قد لا تنتهي إلا بتغيير جذري آخر للأوضاع السائدة في البلاد.
باسنیوز