الذكرى المشؤومة لمعاهدة لوزان
محمود عباس
تم التوقيع عليها في 24/7/1923م من قبل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان وبلغاريا واليابان من جهة وتركيا الكمالية من جهة أخرى.
الاتفاق تضمن 143بنداً، جميعها كانت لصالح الوفد التركي، وعلى أثرها تكونت جغرافية تركيا الحالية، بعدما تمكن مصطفى كمال من دحر القوات اليونانية، وتنامت قوته العسكرية، وحصل على دعم سياسي - دبلوماسي غير مباشر من الإتحاد السوفيتي.
أزيلت من مجريات المباحثات، ومن نصوص الاتفاقية ومن العلاقات السياسية، القضية الكوردية، باستثناء خلاف بسيط جرى ضمن المؤتمر بين عصمت إينونو واللورد كرزون، وقبل جميع تلك الدول تقسيم كوردستان إلى أربعة أجزاء، وبالمقابل تشكلت دول من العدم، كسوريا والعراق ولبنان وفلسطين والأردن، وغيرها.
من أحد أغرب الخلافات التي جرت في معاهدة لوزان، ما حصل بين رئيس الوفد البريطاني اللورد (كرزون) ورئيس الوفد التركي (عصمت إينونو، وكان برفقته كوردي أخر باسم تكرال زولفي بك، وللسبب الذي سنذكره) الذي طالب وبقوة، بشمال العراق المعروفة في السجلات العثمانية بولاية الموصل، أي أغلبية جنوب كوردستان، مثلما طلب من فرنسا التنازل عن شمال سوريا الحالية، أي غرب كوردستان، تحت صيغة الوحدة العرقية بين الكورد والترك، وأثناء إصراره على أنها جغرافية الشعب الكوردي، ذاكرا أن الكورد والأتراك شعب واحد. رد اللورد كرزون على ادعاءاته بقوة؛ مستندا على النظرية العرقية، وهي أن العرب في العراق من العرق السامي، والكورد من العرق الآري، والكورد مختلفون جوهريا ومن حيث الأصول العرقية عن الأتراك، ولا يربطكم بالكورد أية علاقة عرقية.
هذا الموقف أدى ببريطانيا، على ألا يسمح للكورد بالسيادة على مناطقهم المستعمرة من قبلهم، وجعلوهم تابعين للعراق السامي، خوفا من أن تتجه أنظار الكورد إلى إعادة العلاقة مع تركيا الكمالية على منطق الدولة العثمانية الإسلامية، خاصة وأن عصمت إينونو كان من العرق الكوردي، وتوقع أن يحرك زعماء الكورد بعد الاتفاقية.
ولا نستبعد أن بريطانيا بعدما استقرت في العراق، والخروج من اتفاقية لوزان بخسارة منطقة شرق تراقيه وإستانبول، وشرق الأناضول، قامت بتحريك الثورات الكوردية المطالبة بإقامة الدولة الكوردية واقتطاع جغرافية كوردستان عن تركيا الحالية، التي أقرتها مؤتمر سيفر في عام 1920م، لكنها فشلت لعدة أسباب. والرحلات المتواصلة لشخصيات بريطانية إلى المناطق الكوردية، أمثال اللوردة (غيرترود بيل) التي رسمت خريطة العراق الحالية و (الميجر سون) الذي كثيرا ما زار آمد، رغم أنه كان يكن الحب والتقدير للعنصر العربي واللغة العربية إلى درجة إتقانه لها، وهو من الذين كانوا ضد إقامة دولة كوردستان منفصلة عن العراق.
وبالمقابل كانت تركيا وراء الثورات التي كانت ضد الاستعمار البريطاني والفرنسي في كل من العراق وسوريا، لإعادة المناطق الكوردستانية في الدول المتشكلة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية إلى حضن تركيا الحالية، وممثلهم في الصراع مع فرنسا ما بين الفرات والدجلة كان (إسماعيل حقي قندوز) والتي فرضت على الدول المنعقدة ضمن لوزان الاعتراف بها.
تنازلت تلك الدول لتركيا الكمالية، ما يقارب ثلاثة أرباع المساحة الحالية، بعدما حصرت أراضي الدولة العثمانية في معاهدة سيفر، على مساحة لا تزيد عن ربع المساحة الحالية، وهي كانت في وسط جغرافية تركيا الحالية، محاطة بأنقرة.