• Friday, 27 September 2024
logo

العراق- إيران .. إعادة إنتاج العلاقة

العراق- إيران .. إعادة إنتاج العلاقة

طارق كاريزي

 

ورثت الدولة العراقية التي تأسست بناء على الرغبة البريطانية ارثا من الصراع المستدام على الحدود الفاصلة بينها وبين الجارة الشرقية إيران، وذلك عن صراع حدود بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية استمر طوال اربعة قرون خلت سادتها حالة عدم الاستقرار وتبادل الهجمات. اسطنبول السنية وتبريز وتاليا اصفهان الشيعية كانتا في صراع دائم من اجل بسط السيطرة والنفوذ على اوسع قدر من جغرافية الشرق الاوسط حيث الحدود المشتركة بين الجانبين.

المملكة العراقية التي تربع على عرشها ملك سني من اصل حجازي عاشت قلق الطموح الشاهنشاهي لإيران بسبب الامتداد والتواصل المذهبي على جانبي الحدود، والنظام الجمهوري في العراق الذي جاء بعد الاسقاط الدموي للملكية عام 1958 لم يستطع اجراء تحول ايجابي في طبيعة العلاقة المتبادلة بين الجارتين. فيما سقوط نظام الشاه وقيام نظام الجمهورية الاسلامية في إيران عام 1979 رفع من وتيرة الشكوك المتبادلة بين الجمهوريتان الجارتان حيث اندلعت حرب الثمان سنوات (1980- 1988) بين الجانبين. هذه الحرب التي تبعتها آثار ومخلفات ربما تمتد تأثيراتها لعقود، علاوة على الخسائر البشرية الكبيرة والمادية الهائلة التي مني بها البلدان.

سقوط نظام صدام عام 2003 شكل الانعطاف الثالث في شكل العلاقة بين إيران والعراق، فقد تسلم الشيعة العراقيون زمام السلطات في بغداد وقواهم السياسية تعتبر نفسها مدينة لإيران وشديدة الارتباط بالنظام السياسي للجارة الشرقية. فبعد 83 عاما من الجدار النفسي والرسمي العازل بين العراق وإيران، تراخت الحدود المشتركة بين البلدين في العام الثالث من الالفية الثالثة وباتت إيران الدولة الاكثر حضورا في المشهد السياسي العراقي مع ظنون مؤكدة حول الدور البارز للجارة إيران في رسم سياسة البلد والتحكم في مفاصل قراراته الستراتيجية.

ثلاثة مراحل من العلاقات المتبادلة بين العراق وإيران (المملكة العراقية مع النظام الشاهنشاهي الإيراني)، (جمهورية العراق مع جمهورية إيران الاسلامية) واخيرا جمهورية العراق بقيادة الشيعة مع نظام ولاية الفقيه، لم تتحقق خلالها معادلة تضبط انغام العلاقات السياسية بين الجانبين بما يضمن المصالح المشتركة للبلدين. سير العلاقة الثنائية بين البلدين طوال قرن مضى مرّ بثلاثية:

(الشكوك- الحرب- التبعية أو الولائية).

من المؤكد ان العلاقة المبنية وفق المفاهيم الثلاثة أعلاه لن تكسب الرضا المتبادل بين الجانبين، مما يدفعنا للتفكير بإعادة إنتاج علاقة جديدة مبنية على اساس التكافؤ والمصلحة المشتركة للبلدين. فالعراق يمتلك اطول حدود برَية مع جارته إيران (حوالي 2000 كم)، وهذه الحدود هي ليست على شاكلة الحدود الفاصلة له مع جواره العربي حيث الصحراء تشكل الرابط الحدودي، بل ان الحدود الفاصلة بين العراق وإيران هي حدود حيوية بما فيها من جبال وامتداد سهلي وانهار اضافة الى الترابط والامتداد الكوردي- الكوردي والعربي- العربي بين الجارتين، وليس أقل من ذلك اهمية هو الامتداد المذهبي بين إيران والاغلبية العربية الشيعية في العراق.

الهيمنة الإيرانية على العراق لن تدوم لأنه خيار النخب والقوى السياسية وليس خيارا شعبيا، والتدخل في الشؤون الداخلية المتبادلة لن ينتج علاقات سوية ومجدية بين الجانبين، ولعل السبيل القويم لبناء علاقات بنّاءة بين الجارتين هو إجراء حوارات مستفيضة تمهد الطريق أمام إزالة كافة الشكوك العالقة والعاصفة بطبيعة العلاقات الثنائية بينهما. المشتركات بين الجانبين كثيرة، نحن بحاجة إلى تفعيل هذه المشتركات بما يخدم مصلحة الشعبين الجارين ويثبت أسس علاقات مستدامة تخدم المصالح المشتركة للجارتين.

 

 

باسنيوز

Top