• Sunday, 12 May 2024
logo

كوردستان والعراق شراكة لن تدوم وانفصال لن يحدث.. عن الاقتصاد نتحدث

كوردستان والعراق شراكة لن تدوم وانفصال لن يحدث.. عن الاقتصاد نتحدث

 نادر عبدي سعدون

 
نقطة قوة اقليم كوردستان هي العراق ونقطة ضعف العراق هي اقليم كوردستان وربما العكس صحيح، وبين تلك النقطتين تتضارب المصالح وتدور الاحداث والمفاوضات والنزاعات، فتارة يتفقون وتارة يختلفون على تلك النقاط التي اتفقوا عليها سابقا وتارة اخرى يعودوا الى الاتفاق على نفس تلك النقاط التي كانوا متفقين عليها اصلا، وتستمر المفاوضات الماراثونية فلا غالب ولا مغلوب وكلما تنازل احد الاطراف عن بعضٍ من حقوقه في سبيل التوصل لاتفاق يقابلها الطرف الاخر برفع سقف مطالبه وهذا أشبه بزواج لن يدوم وطلاق لن يحدث، وهنا الطامة الكبرى.
 
مشكلة الحكومات العراقية المتتالية تكمن في الانشغال الدائم باقليم كوردستان ومراقبته ومحاسبته وعينه على ايراداته ومعرفة كيف يقوم بإدارة اموره، وبذلك تُهمل مشاكلها الاخرى وقضاياها ومطالب شعبها وسكانها وسياساتها وما يجب ان يقوم به تجاه مسؤلياته، واصبح اقليم كوردستان كنقطة ضعف للعراق وهي التي قد خلقت لنفسها هذه المشكلة واصبح الشغل الشاغل لهم، البرلمان والاحزاب والوزراء العراقيين أصبحوا مهوسيين ومشغولون دوما بكوردستان، فالعراق بحاجة ماسة الى ترك اقليم كوردستان وشأنه والتعامل معه حسب الدستور فقط وليس حسب اهواءه ومصالحه وان يتفرغ لنفسه وتنظيم اقتصاده وتثبيت سعر عملته وهو سيكون الرابح الاكبر من هذه العملية.
 

مشكلة العراق الاقتصادية ليست في جمع وطرح وضرب وقسمة الارقام بين الايرادات والمصاريف ومبيعات النفط وتغيير سعر صرف الدولار الاميركي امام الدينار والذي سيؤدي الى ارتفاع معدل التضخم الى اكثر من 8% لهذا العام، المشكلة تكمن في طبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي يدير تلك الثروات، فالاحصائيات تؤكد بأن موارد العراق تكفيها وتُغنيها عن المشاركة في سباقات الفقر والبطالة والعجز والفساد وانهيار العملة المحلية، فعندما نتحدث عن العراق نتحدث عن تاسع دولة عالميا في الثروات الطبيعية التي تملك مايقارب الــ 11% من الاحتياطي العالمي للنفط و9% من الفوسفات، ونتحدث ايضا عن بلد الاربعة ونصف مليون برميل من النفط يوميا، بالاضافة الى الموارد المهمة الاخرى.
 
وفي الجهة المقابلة عندما نتحدث عن العراق نتحدث عن نسبة الفقر التي تتجاوز الـ24.8% وفي بعض المحافظات تصل الى 52%، ونتحدث ايضا عن عشرة ملايين عراقي يعيش تحت خط الفقر ونتحدث عن إجمالي الناتج المحلي للعراق الذي سجل انكماشاً كبيرا بلغ 10.4% خلال عام 2020، وفي كل هذه المجازر الاقتصادية التي تحدث هناك طريق وحيد لانعاش الاقتصاد العراقي ورفع مستوى المعيشة وزيادة دخل الفرد وهي ليست الورقة البيضاء الاصلاحية او قروض واقتراحات البنك الدولي او بتخفيض النفقات وتقليل الهدر ومحاربة الفساد فهذا مستحيل في العراق وانما هو الابقاء على كل ما تم ذكره مع وضع ضوابط خاصة لذلك والاستعانة بشركات خاصة لزيادة الايرادات العامة وذلك بوضع خطة تناسب العراق حاليا لإدارة اقتصادها بالخطط والاساليب الاقتصادية الحديثة بمعزل عن الخطط الكلاسيكية، فالاقتصاد كأي مجال اخر فقد تطور كثيرا ونظرياته القديمة لم تعد تصلح لمواكبة التطور السريع لهذا العصر وتلبية متطلبات هذه الفترة وبعيدا عن استشارات الدول "الصديقة" أو القيام بنسخ تجارب الدول الاخرى .
 
وأما اقليم كوردستان فهو يملك جميع مقومات الدول الناجحة اقتصاديا من طبيعة جميلة بفصولها الاربعة وموقعها الجغرافي المميز وعلاقاتها الجيدة مع العديد من دول العالم واراضيها الواسعة التي تصلح لكل شيء، فنقطة قوة اقليم كوردستان هي الاستفادة القصوى والمشروعة من العراق بمحافظاتها جميعها لتصبح كوردستان الوجهة المثالية والوحيدة للسياحة والاستثمار والسكن والدراسة للعراقيين بالدرجة الاولى فيجب أن تكون هي الفئة المستهدفة الكبرى والوحيدة للاقليم للعمل عليها واستهدافها وليس باقي دول العالم التي تهدر عليها كوردستان وقتها وجهدها واموالها فالاوربيين والامريكان والدول الخليجية لن تستثمر في كوردستان الا اذا كانت الحصة الاكبر لهم ومعظم الفائدة لهم ولن يأتي الى كوردستان سياح من تلك الدول الا ما ندر، فتدهور الاوضاع المعيشية وسوء الخدمات وغياب الامن في المحافظات العراقية، تُخلف الكثير من المهاجرين من تلك المحافظات يوميا بحثا عن مدن ودول للاستثمار فيها والعيش فيها بأمان وقسم اخر من الشعب الذي يرغب بالسفر بقصد السياحة يبحث دائما عن افضل الاماكن السياحية المنظمة والأمنة والمتنوعة، ولكن للاسف اصبح اقليم كوردستان وجهة للكروبات السياحية الفقيرة من بقية المحافظات، اما الطبقة المتوسطة والغنية فتتوجه الى لبنان والاردن وتركيا وايران وسوريا، وذلك بسبب غياب خطة سياحية واضحة تحدد ملامح ومعالم السياحة في اقليم كوردستان بحيث تعاني من عدم تنظيم الاماكن السياحية وعدم اكتشاف اماكن جديدة للسياحة واهمالها وصعوبة الوصول الى تلك المناطق السياحية بسبب صعوبة الطرقات المؤدية اليها وعدم وجود اللوحات الطرقية الواضحة التي تدل على المكان وعدم تحديدها على خرائط غوغل لسهولة الوصول اليها وعدم وجود النشاطات الفنية والثقافية والترفيهية التي يطلبها السياح وكذلك غياب المهرجانات المميزة التي تجرى في تواريخ محددة وعدم وجود انتشار اشخاص ذوي الخبرة في السياحة والتعامل مع السياح والتحدث باللغة العريبة في الاماكن السياحية (كدليل سياحي) والتعامل غير الاحترافي مع السياح وعدم احترافية الشركات السياحية وعدم وجود رقم للاتصال الخاص للاجانب والسياح يكون متاحا للاتصال بهم 24 ساعة عند التعرض لاي مشكلة او طلب اي معلومة او استفسار وذلك لبث الطمأنينة في نفوس السياح والاجانب، فكل هذه النواقص وغيرها تؤدي الى ترك انطباع سيء لديهم لعدم العودة مرة اخرى والتسويق السلبي لكوردستان، وبعيدا عن السياحة الترفيهية فالسياحة الطبية والتعليمية والثقافية والدينية مهمة جدا أيضا والعراق يهجرها مئات الالاف من الاشخاص الى دول الجوار بحثا عن تلك الاحتياجات المفقودة ويمكن للاقليم تطويرها وتحسينها والابداع فيها بسبب توفر كافة الامكانيات .
 
وكذلك الاستثمار فالاموال العراقية تهجر العراق الى دول الجوار المذكورة سابقا وحصة اقليم كوردستان منها قليلة جدا، ونوعية العراقيين الذين يستثمرون في الاقليم حاليا هم من غير المنتجين وغير النشيطيين وينجذبون نحو المشاريع غير النشيطة والتي لا تحدث اثرا ايجابيا كبيرا في الاسواق فهم يتوجهون الى الاستثمارات الآمنة مثل شراء العقارات والابقاء عليها وبذلك يتم ارتفاع اسعار العقارات بدون اي زيادة في دخل الفرد وبدون اي تنشيط في القطاعات الاخرى وهذه الفجوة تحدث خللا اقتصاديا يؤذي الطبقات الفقيرة والمتوسطة وكذلك موظفين الدولة، اما المستثمرين العراقيين من ذوي الطبقات المتوسطة والجيدة والثرية لا ينجذبون نحو كوردستان بسبب غياب المشاريع الخاصة الاستثمارية المتنوعة وعدم وجود جهات خاصة باكتشاف هؤلاء المستثمرين والبحث عنهم واقناعهم واستقطابهم وعدم القيام بحملات تسويق للاستثمار في اقليم كوردستان في بقية المحافظات العراقية وعدم منح اقامات طويلة المدة للمستثمرين والتجار وتكتفي فقط بمنح الاقامة الشهرية والسنوية كحد اعلى مهما كان حجم الاستثمار وطبيعة عمل الشركة الاجنبية، وكذلك عدم وجود جهات خاصة لتقديم افكار متنوعة للمشاريع وعمل جدوى اقتصادية لهم وعرضها على المستثمرين ومساعدتهم في ادارة وتسويق تلك المشاريع ايضا وكذلك عدم فعالية سوق الاوراق المالية والبورصة والاسهم في كوردستان.
 
كوردستان والعراق ستشكلان معا قوة اقتصادية لا يستهان بها عندما تملك الاطراف المتحاورة افكار وخبرات اقتصادية حديثة ومتطورة وتقوم بوضع الخطط على اساس ربح الطرفين وليس الربح لطرف والخسارة للآخر وان يكون الطرفان على اتم الاستعداد للتنازل عن بعض من حقوقهم في سبيل التوصل الى اتفاق وليس بالضرورة ان يكون اتفاقا ابديا فمن الممكن ان يتم تجديد الاتفاقية سنويا او كل سنتين والاهم من كل هذه الامور هي عزل السياسة والاحزاب عن تلك المفاوضات الاقتصادية .

 

 

روداو

Top