نيجيرفان بارزاني في الاليزيه.. روح الخصوصية الفرنسية الكوردية بين أربيل وباريس
ومن الطبيعي أن تندرج زيارة نيجيرفان بارزاني التي انطلقت الثلاثاء- 30/3 الى باريس في إطار تعزيز الاهتمام الذي أبداه ماكرون منذ توليه الرئاسة الفرنسية قبل أربعة أعوام، بقضية الكورد واقليم كوردستان بشكل خاص، علماً بأن الرجلين التقيا آخر مرة في ايلول/ سبتمبر الماضي عندما زار الرئيس الفرنسي العراق بشكل مفاجئ، وطلب بشكل شخصي عقد لقاء مع نيجيرفان بارزاني في بغداد.
وحملت تلك الزيارة الكثير من المعاني والدلالات، خاصة انها جاءت في اطار جولة سريعة شملت بيروت التي نكبت بانفجار ضخم وحاول خلالها طرح صيغة سياسية لإنقاذ الوضع الحكومي المتأزم، ثم بغداد التي كان مصطفى الكاظمي تولى فيها قبل أسابيع قليلة رئاسة الحكومة.
وكان ماكرون يأمل بذلك بالاستفادة من زخم التطورات السياسية العراقية الجديدة، لإعادة بث الحرارة في العلاقات ما بين بغداد واربيل. كما أن زيارة ماكرون جاءت في ذروة احتدام خلافاته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
الرئيس الصديق
لكنه لم يكن اللقاء الأول بين نيجيرفان بارزاني وماكرون، اذ سبق لبارزاني ان زار باريس في ديسمبر/كانون الأول 2017، كما زارها بصفته رئيساً لإقليم كوردستان، في ايلول/سبتمبر 2019، ووصف مضيفه الفرنسي بأنه "صديق"، معلنا وقتها في زيارته الخارجية الاولى بصفته رئيسا للاقليم، "إنني أقدر بشدة دعم فرنسا المستمر لإقليم كوردستان خلال الأوقات الصعبة... وان تطوير علاقات أقوى مع فرنسا هو الأولوية بالنسبة لي".
ومما لا شك فيه ان نيجيرفان بارزاني يشعر بامتنان وتقدير كبيرين تجاه باريس التي لعبت والرئيس ماكرون أدوارا مهمة في رأب الصدع في مرحلة ما بعد استفتاء الاستقلال، ما بين اربيل وبغداد قبل اربع سنوات، وذلك تأكيدا على محورية الدور الفرنسي في حماية تجربة اقليم كوردستان ومسيرته. ويتم التعبير عن ذلك رمزيا بالقنصلية الفرنسية الموجودة في اربيل منذ عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي.
ولهذا، فان هذا اللقاء الرابع بين ماكرون ونيجيرفان بارزاني، يتعدى في جانب آخر العلاقة الخاصة بينهما، وهو يطال سياسة فرنسية متميزة كانت دائما تطبق في علاقة باريس مع العراق واقليم كوردستان بشكل خاص.
"ام الكورد"
وفي العقود الماضية، يمكن العودة الى مرحلة رئاسة الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران ما بين عامي 1981 و1995، والتي بنت خلالها زوجته دانيال ميتران علاقات خاصة مع الكورد، وكان لها دور أساسي في اقناع الحكومة الفرنسية بتأييد اقامة منطقة حظر جوي لحماية الكورد في العام 1990 وفق قرار مجلس الأمن الدولي 688، بل انها زارت حلبجة التي نكبت بالقصف الكيميائي، ووضعت اكليلا من الزهور عند نصب الشهداء وكان ذلك تعبيرا عن مواقفها الانسانية وميولها السياسية اليسارية الطابع، والتي استخدمتها للتأثير على سياسة فرنسا الخارجية.
وخلال مرحلة نزوح مئات الاف الكورد بعد انتفاضة 1991، كانت من اوائل الشخصيات العالمية التي زارت مخيمات اللاجئين لتقديم المساعدة ولفت أنظار المجتمع الدولي لمعاناة الكورد. نقل عنها بعد عودتها الى باريس "سأظل اقاتل الى جانب الشعب الكوردي من أجل حقوقه المشروعة".
ولم يكن غريبا ان كثيرين حملوها لقب "ام الكورد" اعجابا بها، وهي التي نقل عنها البعض قولها إنها تعتبر مسعود بارزاني وجلال طالباني بمثابة ابنين لها. ولهذا، كان دورها في إنشاء المعهد الكوردي في باريس العام 1982. لكن زيارته اللافتة الى اقليم كوردستان كانت ايضا في العام 1992 لتشهد إعلان تشكيل برلمان الاقليم.
وكان الزعيم الكوردي مسعود بارزاني من أول من مهد لتطوير العلاقات مع باريس وهو زارها خلال عهد ساركوزي العام 2011، للتوقيع على بروتوكول تطوير العلاقات في مجالات عدة، كما التقى الرئيس السابق فرانسوا اولاند ثلاث مرات في باريس، وزار اولاند اربيل مرتين في 2014 و2017. وعندما جاء الرئيس الفرنسي في أيلول/سبتمبر 2014 الى اقليم كوردستان، كان تنظيم داعش يقف على أبواب اربيل.
محطات فرنسية
ولا بد من الاشارة الى ان فرنسا لعبت دورا كبيرا في دعم قوات البيشمركة خلال غزو عصابات داعش مناطق الاقليم، حيث أرسلت كميات كبيرة من الاسلحة والمعدات العسكرية، بالاضافة الى قوات وخبراء عسكريين لدعم المقاتلين الكورد في معاركهم. ثم قام وزير الدفاع الفرنسي وقتها جان إيف لو دريان بزيارة أربيل في نيسان/ابريل 2016.
ومؤخرا، ذكرت تقارير اعلامية ان الحكومة الفرنسية خصصت درساً في المناهج الفرنسية التي تعطى لطلاب الصف الحادي عشر في المرحلة الثانوية حول الكورد وقضاياهم. وهناك جالية كوردية كبيرة في فرنسا، يبلغ عدد أفرادها حوالي 150 ألفا، ما يجعلها الجالية الكوردية الاكبر في اوروبا بعد الجالية الكوردية في ألمانيا.
ومن الواضح ان باريس تحاول لعب دور لملء الفراغ الذي خلفته إدارة دونالد ترامب بتراجعها كثيرا عن الاهتمام بالقضايا الكوردية سواء في العراق او سوريا.
شفق نيوز