"فرهود شرعي" في الموصل.. بيع أراضي الدولة بأثمان بخسة
بموازاة هذه الأماني، تكشف مصادر مطلعة عن عمليات فساد واسعة النطاق للاستيلاء على قطع الأراضي السكنية وتقسيم أراض زراعية وبيعها على أنها سكنية في مناطق مختلفة من محافظة نينوى ولا سيما مركزها الموصل تحت أنظار المسؤولين والجهات الرقابية.
وقال النائب السابق في البرلمان العراقي عن نينوى محمد نوري العبد ربه إن "هناك استنزافا حقيقيا في ملف الاراضي العامة والزراعية التابعة لبلدية الموصل داخل المدينة".
وأشار إلى أن "هناك مئات القطع المميزة التي تصل قيمتها إلى مئات الملايين تم توزيعها بسعر رمزي جداً لأشخاص من داخل المحافظة وخارجها عبر الوساطات والنفوذ والعلاقات الشخصية".
وأوضح أن "هناك أشخاصاً استلموا أراض بأسعار رخيصة بـ4 أو 5 ملايين دينار، وتم تقسيط المبلغ، في وقت يصل ثمن قطعة الأرض إلى 200 مليون على الأقل".
وتابع العبد ربه، "كل هذا يحدث دون أي مبالاة بالحق العام، والأموال العامة التي تخص عامة الشعب، وكل ذلك مخالف للانظمة والقوانين والضوابط، فقد أصبحت الموصل فرهوداً للمتنفذين والجهات المسلحة".
* شرعنة الفساد
وقال العبد ربه ان "السرقات التي تحصل مغلفة بغطاء قانوني عبر استغلال الثغرات القانونية".
وأورد مثالا على ما يحصل بالقول، إن "هناك اشخاصا من خارج نينوى استلموا قطع أراض داخل الموصل وفي مناطق مميزة وأسعارها خيالة، وذلك بحصولهم على تأييد سكن من المختار الذي يؤيد سكنهم في داخل المدينة، ولو تم ايقاف المختار والتحقيق معه ستنكشف تفاصيل كثيرة، وهذا ما على القضاء متابعته بشكل دقيق".
وأشار إلى أنه "بهذه الطريقة حصل مئات المسؤولين والضباط في مختلف المؤسسات الامنية على قطع اراض في مناطق راقية وباعوها باسعار غير معقولة، وهذا ليس من استحقاقهم، في حين ان هنالك موظفين في المحافظة لديهم خدمة 30 او 40 سنة ولا يمتلكون شبر واحدا فيها، فأين العدالة بذلك واين صوت القانون؟".
* السلاح يهيمن على كل شيء
وفي إطار الحديث عن ملف الأراضي، قال الناشط السياسي محمد غصوب لوكالة شفق نيوز، إن ملف الفساد في توزيع الأراضي بدأ حتى قبل سقوط الموصل بيد "داعش" عام 2014، متحدثا عن تزوير وتلاعب بالأراضي في قضاء تلكيف آنذاك ما دفع المحافظ الأسبق أثيل النجيفي إلى إقالة قائممقام القضاء.
كما أفاد بأن "جمعية تسمى أم الربيعين ادعت بأن شعبة الأملاك حولت جنس إحدى قطع الأراضي الزراعية الى سكني، وتبين بعدها أن الكتاب مزور وغير صحيح، وكان في وقتها محمد يحيى الطالب مدير شعبة الاملاك واكد بان الكتاب مزور".
وأضاف غصوب، "بعد تحرير الموصل من داعش هيمنت جهات تمتلك القوة والسلاح على كل شي، بما في ذلك الأراضي المميزة وأخرى زراعية تم تقسيمها وبيعها دون أي سند قانوني، وتقوم الجهات المسلحة بحماية العابثين بأراضي نينوى والموصل على وجه الخصوص".
أما بشأن أسباب التهاون في هذا الملف، رأى غصوب لشفق نيوز أن "أول تساهل حدث في الأراضي المميزة الواقعة قرب الجسر الرابع، والتي بيعت بعد توزيعها بمئات الملايين، وبعدها الاراضي التي وزعت على الضباط".
وزاد بالقول، "هناك مساحات خضراء وزراعية تم تجريفها، وتبين فيما بعد أن ما يحصل غير قانوني، وان الجمعيات قد قسمت الأراضي وباعتها دون أي سند رسمي".
وأشار إلى "صدور العشرات من أوامر إلقاء القبض وتفكيك شبكة كاملة قبل عدة أيام في قضية المتورطين بملف الأراضي، ولكن هذه الخطوة متأخرة فقد استباحوا كل أراضي الموصل".
وقال غصوب إن الأوضاع آلت إلى ما عليه في الموصل "بسبب تهميش صوت أهلها بعد ان أتعبتهم الحرب وظروف الاحتلال الذي عاشته المدينة، بالاضافة الى هيمنة قوة السلاح على القانون وعلى كل شيء".
وحذر غصوب من بقاء الوضع على هذا الحال قائلاً، "اذا بقي الحال على حاله، ستبدأ التظاهرات مرة أخرى فلن يبقى الموصليون صامتين على ما يحدث من سرقة لاراضيهم".
يجدر بالذكر ان النزاهة فككت شبكة كاملة للتزوير والتلاعب بالاراضي العامة في الموصل من بينها وكيل مدير بلدية الموصل بالاضافة الى مدير مكتب النائب الثاني لمحافظ نينوى والذي كان يشغل منصب رئيس لجنة توزيع الاراضي، ومعهما موظفون في شعبة الأملاك وتنظيم المدن داخل بلدية الموصل، وفق بيان صدر عن النزاهة في ١٤ من الشهر الجاري دون الإشارة إلى أسماء المتهمين.
وجاء تفكيك الشبكة بعد مرور أكثر من عامين على توزيع مئات القطع من أراضي المدينة وتقسيم عشرات القطع الزراعية وبيعها من قبل جمعيات بمختلف المسميات، وتشييد أحياء سكنية كاملة في ظل صمت الجهات الرقابية.
ورأى الناشط والمدون سعد عامر في حديثه ، إن "ما يجري لعبة كبيرة، وهناك جهات عديدة مشتركة بها، والجميع صامت لأجل مصالحه ومصالح الآخرين، بينما تنظر الجهات الرقابية إلى الأمور بعين المصالح وليس بعين القانون".
وتساءل، "كيف لا تعلم الجهات الرقابية بتقطيع الأراضي وعرضها للبيع؟ وكيف تبدأ بعد ذلك بمحاسبة مواطنين اشتروا هذه الأراضي بأموالهم لبناء منازل على أملهم خلاصهم من الإيجار".
* الهدف القادم: أملاك المسيحيين
ورغم فك لجنة توزيع الاراضي في المحافظة، إلا أن "هناك جهات متنفذة تسعى الى تزوير وسرقة سندات املاك المسحيين داخل الموصل ممن تركوا البلاد بسبب الظروف التي واجهتهم خلال السنوات السابقة"، وفق مصدر خاص.
وقال المصدر لوكالة شفق نيوز، إن "الأمن الوطني في الموصل اعتقل قبل عدة أشهر أحد المنتمين لفصيل مسلح بعدما وردتهم معلومات بأنه يجمع معلومات ووثائق عن بعض دور المسيحيين داخل الموصل".
وأضاف أن "مشكلة كبيرة حدثت بين الامن الوطني والجهة الذي يرتبط بهذا هذا الشخص، لكن بعد احالته الى الجهات المعنية خرج بصورة غامضة وأغلق هذا الملف منذ ذلك الحين".
shafaaq