تقرير: إزهاق أرواح 10 ملايين شخص من أجل صدام حسين
ويستهل الموقع الاوروبي تقريره، ، بالاشارة الى حادثة جرت مع روبرت بير في نيسان/ابريل 2003، عندما اعترض طريقه وزوجته مسلحون عشائريون بالقرب من تكريت شمالي العراق، فصرخ بهم باللغة العربية "اننا فرنسيون.. انها ليست حربنا اللعينة".
ويبدو ان ذلك حال دون اعتقالهم او قتلهم. ولم يكن بير فرنسيا لكنه كان يحمل بطاقة قيادة سيارة فرنسية، وهو وزوجته كانا من ضباط المخابرات الاميركية سابقا. ودخلا تسللا الى العراق من الاردن لتغطية احداث الغزو الاميركي لقناة "ايه بي سي" الاميركية، وتطورات الحرب التي اثارت انقساما بين الحلفاء الغربيين والتي ستستمر سنوات بعدها مكلفة ملايين الارواح ومزعزعة استقرار الشرق الاوسط.
وكان الجيش الاميركي مدعوما من بريطانيا، بدأ هجومه على بغداد في 19 اذار/مارس 2003، لكن فرنسا، وغالبية دول حلف الناتو والاتحاد الاوروبي، نأت بنفسها عن الحرب.
وبرغم ان روبرت بير كذب بشأن جنسيته الفرنسية، الا انها بالفعل لم تكن حربه لانه هو وكافة المتخصصين بالشرق الاوسط الذين ما زالوا في الاستخبارات الاميركية، كانوا يعتقدون ان الرئيس الاميركي وقتها جورج بوش، ارتكب خطأ شنيعا. وقال بير "كنت اعلم انه لم تتوفر معلومات استخباراتية لدعم الغزو"، مشيرا بذلك الى الادعاءات الاميركية والبريطانية بأن الرئيس العراقي السابق صدام حسين كان يملك اسلحة دمار شامل. واوضح بير مشيرا الى اسم الرئيس الاميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب المعروف بـ"الكذب"، ان مبررات غزو العراق "كانت خدعة ترامبية بحتة. الشعور في السي اي ايه، كان انه لا يمكنك تدمير الجيش العراقي، لان ذلك سيسمح للايرانيين بالدخول ويتسبب بحمام دم". وتابع الضابط الاميركي السابق الذي خرج من الاستخبارات الاميركية العام 1997، واصبح كاتبا وخبيرا بالشؤون الامنية، ان "البيت الابيض كان مليئا بالاغبياء.. لم يكن لديهم تمييز بين الحقائق والايمان.. وظنوا بأنهم سيسقطون صدام حسين، وسيكون هناك تأثير الدومينو للخير بالانتصار على الشر في المنطقة".
وقال بير "كان الامر دينيا بقوة: الرب الى جانبنا، هزمنا الاتحاد السوفياتي الشرير، والان سنهزم الشر في الشرق الاوسط".
وذكر الموقع الاوروبي "حدث فعلا تأثير الدومينو، لكن ليس الذي تصوره البيت الابيض"، مشيرا الى ان الحجر الاول الذي سقط تمثل باندلاع الحرب الاهلية بين الشيعة والسنة، وان الحجر الثاني الذي سقط تمثل في الغالبية السنية في سوريا التي تمردت على الديكتاتور بشار الاسد، متأثرة جزئيا بسقوط صدام حسين في العراق.
وتابع الموقع ان الجيش السني لصدام حسين بعد حله، انضم الى المتشددين السنة في العراق وسوريا للقتال من اجل النجاة، وهي قوة ستتحول لاحقا الى داعش.
وهناك حجر دومينو آخر سقط ايضا، تمثل في ان العنف الاميركي ساهم في دفع العديد من المسلمين من كل المذاهب، لكي يكرهوا الغرب، ما جعل العراق حرب الجميع.
وما جعل من مسلحي العشائر في تكريت في ذلك اليوم يظهرون هذه العدائية تجاه بير وزوجته، انه في ذلك اليوم على سبيل المثال، تسببت غارة اميركية في الرمادي، بتدمير منزل من ثلاث طبقات ما ادى الى مقتل 21 شخصا بينهم اطفال.
وقال بير للموقع الاوروبي ان "اليأس والاستياء تحولا الى نظريات مؤامرة وتطرف، والان صار لدينا باريس وفيينا" مشيرا بذلك الى الهجمات الارهابية التي وقعت في المدينتين في الاسابيع الماضية.
ومع وصول بير وزوجته الى بغداد في 12 نيسان/ابريل، كان جيش صدام حسين انهزم بالكامل، والجنود الاميركيون يحرسون وزارة النفط. وقال بير "كان الوضع عجيبا. لان الكهرباء كانت مقطوعة والمدينة تحترق، وهو ما منحنا اضاءة في غرفتنا في الفندق". وكانت الطائرات الاميركية لا تزال تقصف جيوب مقاومة في شمال بغداد. والطرقات كانت تنتشر فيها دبابات عراقية بها فجوات تسببت بها صواريخ مضادة للمدرعات. وقال بير "بامكانك ان تشعر بالكراهية والخوف بين الشيعة والسنة في الشوارع، وكنت أعلم ان أحدا لن يعيد تركيب هذا الامر مجددا". وحول ديبلوماسية بوش، قال بير ان طريقة تعامل البيت الابيض مع حلفائه الاوروبيين فاقمت من خلافاتهم الاستراتيجية، موضحا ان "احدا لم يذهب من الولايات المتحدة الى باريس ليقول :اسمعوا، هذا ما سوف نقوم به، لكن كيف تعتقدون ان الامر سيسير؟... لانهم كانوا يعتقدون ان ما من أحد في اوروبا يعلم كيف يسير العالم".
وتابع بير "لقد ذهبوا الى باريس وقالوا: لماذا تتصرفون كالفتيات ازاء هذا الامر؟"، مضيفا ان الموقف الاميركي كان ينم عن "غطرسة كاملة".
وحول الوضع الان في الشرق الاوسط، قال بير ان الحلفاء الغربيين اصبحوا اليوم أقل أمنا مما كانوا عليه قبل العام 2003. وتابع ان اسرائيل تتعامل "مع حزب الله أكثر تهديدا" مشيرا الى الحزب الحليف لايران الذي اكتسب الكثير من الخبرات الحربية في ساحات المعارك في سوريا.
وقال بير ان "الايرانيين بامكانهم ان يكونوا في الرياض خلال يومين، لولا الحماية الاميركية" لان عراق صدام حسين كان يؤدي دور "درع حماية" المملكة العربية السعودية.
وبغض النظر عن الجوانب الجيوبوليتيكية، فانه بالنسبة الى الضابط السابق في المخابرات الاميركية، ان الاحداث التي جرت تركت وصمة عار اخلاقية ستبقى في كتب التاريخ الى الابد.
وقال بير "اصدقائي في (المنظمة الفرنسية) اطباء بلا حدود، يقولون انه في ما بين العام 1990 (عندما جرى الغزو الاميركي الاول) وبين اليوم، بامكانك ان تنسب وفاة 10 ملايين شخص لكل هذه الحروب، من دون ان ننسى الخسائر الاميركية".
وتساءل بير "صدام كان شخصا وحشيا، لكن يمكنك ان تبادل حياة واحدة بعشرة ملايين انسان؟.. لقد كانت كارثة مطلقة"، مختتما بالقول ان المشكلة انه لا وجود في داخل الولايات المتحدة، للاحساس بالذكرى وبالفشل في كل ما جرى.
شفق نيوز