فورن بوليسي: العراق متجه لانهيار مالي في غضون 6 أشهر
وتقول مجلة فورن بوليسي الاميركية في تقرير لها ان العراق متجه لانهيار مالي، وفيما يلي نص التقرير:
في خضم حالته الهشة الحالية، فان الخراب المالي من المحتمل ان يؤدي الى تهاوي نظامه السياسي، والذي قد يؤدي حينها لاشعال شرارة صراع داخلي آخر.
عبر العقدين الماضيين، خلق الفساد مشكلة ذات حدين في العراق. حكومات العراق المتعاقبة الضعيفة المتواطئة الشمولية كرست اهتمامها بان كل حزب سياسي كبير يحصل على او يدير احدى الوزارات أو اكثر. انهم اداروا هذه البيروقراطيات ليس لصالح البلد بل لتكون شبكات محسوبية ضخمة للفساد تمتص موارد النفط لتمررها الى من ينتخبونهم ويصوتون لهم مقابل الحصول على وظائف وعقود وامتيازات اخرى.
اهدار المال العنيف هذا قد ادى الى خنق ما كان يتمتع به القطاع الخاص سابقا، ويعني ذلك انه لم يعد هناك بديل عن وظائف القطاع العام. نتيجة لذلك فان الحكومة قد اصبحت حاليا اكبر مصدر تشغيل للموظفين وتكون هي مسؤولة عن معيشتهم.
ليست هناك غرابة في ان يزداد عدد موظفي الدولة منذ عام 2004 ثلاثة اضعاف عددهم قبل عام 2003، وان الحكومة تقوم بتسديد ما نسبته 400% اكثر من رواتب عما كانت تسدده قبل 15 عاما. ولهذا فان الحكومة ومواردها النفطية قد اصبحت بمثابة المشغل الرئيس للاقتصاد العراقي والممول للشعب العراقي.
النتيجة هي ان حكومة بغداد تحتاج شهريا الى 5 مليارات دولار لتسديد رواتب موظفين ومستحقات تقاعدية، فضلا عن 2 مليار أخرى لتغطية كلف تشغيلية وخدمات اساسية.
ولكن مع تفشي وباء كورونا وانهيار اسعار النفط تراجع دخل العراق الشهري الى ما بين 2.5 و 3.5 مليار دولار. هذا يعني ان العجز الشهري لحكومة بغداد الان يتراوح ما بين 3.5 الى 4.5 مليار دولار.
العراق يعاني الان من تضاؤل بسيولة نقدية لا تمكنه من سد هذا العجز. وفي شهر تشرين الاول قال وزير المالية علي علاوي في احد تصريحاته بان “احتياطيات البنك المركزي تقف عند 53 مليار دولار”. ومنذ ذلك الحين صوت البرلمان على قانون تمويل العجز لتمكين الحكومة من الاقتراض لتسديد مرتبات تشرين الاول وتشرين الثاني وكانون الاول لعام 2020.
واستنادا لمصادر حكومية ومقترحات ميزانية فان مجموع الديون الكلية للعراق وصلت لرقم صاعق وهو 80 مليار دولار، وهذا ما اجبر الحكومة على تخصيص اكثر من 12 مليار دولار من ميزانيتها سنويا لتسديد هذه الديون مع فوائدها. وكل هذه تشكل اعباء اضافية على ميزانية الدولة التي تعاني العجز اصلا.
احتياطيات العراق من العملة الصعبة قد تعاني هبوطا خطرا بحلول صيف عام 2021. وقد يؤدي ذلك الى افلاس الحكومة من النقد لتسديد اغلب التزاماتها الجارية والثانوية.
واستنادا لمسؤولين عراقيين، انه بسبب التضاؤل الحالي في احتياطي العراق من العملة، يتم حاليا اجبار الحكومة على طبع أموال لتسديد مستحقات القروض التي تغطي كلف الرواتب والنفقات التشغيلية، مما سيؤدي ذلك الى خطورة اطلاق العنان لتضخم عنيف.
وبسبب مخاطر التضخم غير المدروسة فان بغداد قد تضطر قريبا بدلا من ذلك الى تخفيض قيمة الدينار، ولكن هذا الخيار ايضا تتضمنه مخاطر سياسية واقتصادية كبرى. خيار تخفيض قيمة العملة بدون ان تصاحبها اصلاحات اقتصادية، التي ترفض قوى سياسية مناقشتها، ستشل الاستيرادات وتقوض الادخارات وتزيد من المعاناة. من ناحية اخرى، فان تخفيض قيمة العملة من المحتمل ان تتسبب بتضخم آخر أيضا. تبخر العملة الصعبة يعني ان العراق سيكون غير قادر قريبا على تسديد استيرادات المواد الغذائية والبضائع. العراق يعتبر مستورد لكل شيء تقريبا ما عدا النفط.
اذا تناقص تدفق الاموال وقيمة الدينار تهبط، فان البضائع ستصبح شحيحة وسترتفع الاسعار. اذا ما استمرت الحكومة بسحب ما تبقى من رصيد في البنك المركزي عند البدء بتخفيض قيمة العملة، فان الدينار قد يهبط هبوطا حرا في غضون ستة اشهر.
قسم من المسؤولين الحكوميين يأملون ببساطة ان تنقذهم ارتفاعات اسعار النفط المتوقعة خلال العام القادم.
ولكن وفقا لعدة محللين نفطيين فان نسبة الزيادة المتوقعة بالاسعار لن تكون اكثر من 10 الى 15%، وهذه النسبة بعيدة جدا عن حل ازمة العراق الحالية.
اذا لم يتمكن العراق من الاستمرار بدفع مرتبات ونفقات تشغيلية وكلف حكومية صغيرة، فقد يؤدي ذلك لعواقب وخيمة. رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي اعلن صراحة هذا الانذار الخاص بالحسابات المالية خلال مؤتمر صحفي بتاريخ 17 تشرين الأول بقوله “أنا احذركم من الآن، سنواجه مشكلة تسديد رواتب شهر كانون الثاني”.
كونه رجل تكنوقراط بدون قاعدة سياسية تسنده، فان الكاظمي لم يكن قادرا على دفع الاحزاب السياسية لمناقشة المشكلة، بغض النظر عن حلها.
وجود ازمة مالية قد يؤدي لا محالة الى اشعال شرارة اضطرابات واحتجاجات في الشوارع. سيكون من الصعب على الحكومة الحفاظ على الاستقرار في حال عدم تسديد الرواتب. وستحاول مجاميع مسلحة وقوى عشائرية السيطرة بالهيمنة على مصادر تمويل مثل حقول نفطية ومعابر حدودية ونشاطات تجارية ضخمة واراضي زراعية وممتلكات خاصة. وقد تؤدي هذه الامور المنفلتة الى عودة نزاعات اهلية كما كان الحال في البلد اثناء الحرب للفترة من 2005 الى 2007. هذه الامور والتطورات قد تؤدي ايضا لتدخلات خارجية من دول اقليمية مجاورة لتدافع كل منها عن مصالحها.
مع الاخذ بنظر الاعتبار لخطورة الموقف واهمية العراق بالنسبة للمنطقة وسوق النفط العالمية، فان الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لايمكنهم الوقوف مكتوفي الايدي.
من الطبيعي ان الرئيس الاميركي المنتخب بايدن وخلال الستة اشهر الاولى من حكمه وسط ازمة وباء كورونا والازمة الاقتصادية الداخلية في بلاده، فانه لن يكون قادرا على ان يجعل من ازمة العراق احدى اولوياته العليا، ولكن التحرك باقرب وقت ممكن سيكون اقل كلفة مع تفادي خيار اصعب آخر، عندما قد يكون العراق في اتجاه هبوط للهاوية.
عندما تكون ادارة الولايات المتحدة مستعدة بقيادتها لتقديم بعض المساعدة، فانه من المحتمل ان تتقدم بلدان اخرى لتقديم جزء من المساعدة.
مؤسسات مالية دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبلدان الخليج وحتى قسم من البلدان الاوروبية وبلدان شرق آسيا من المتوقع ان تتبرع ببعض المال.
ترجمة/ حامد أحمد
موقع/ صوت العراق