محمد الحلبوسي.. يخرج من عاصفة الى زعامة سنية
ومن وجهة نظر المراقبين، فإن الاجتماع الذي عقده الحلبوسي، يوم الأحد، في مدينة الرمادي مع قاعدته الانتخابية من محافظتي نينوى والانبار، ليس سوى خطوة بديهية، تلي انتصاره السياسي الذي تمثل بخروجه ظافراً من محاولات اقالته من رئاسة البرلمان من جانب كتلة الجبهة العراقية بزعامة أسامة النجيفي خلال الأسابيع الماضية.
لكن التحركات الأخيرة تشير ايضا الى انتقال الحلبوسي من الدفاع الى الهجوم السياسي، ذلك أن المراقبين يرون على المدى القصير، محاولة لتوسيع قاعدته الشعبية، استعدادا على ما يبدو للانتخابات المبكرة في حزيران/يونيو المقبل، بخاصة بالمعقل الرئيسي للنجيفي وهي مدينة الموصل.
أما على المدى البعيد، فالتقديرات تشير إلى أن مناورة الحلبوسي هذه، تندرج في إطار قيادة المشروع – الفكرة المتمثلة بإنشاء "الاقليم السني"، وهي مبادرة يجري الحديث عنها منذ سنوات عديدة، لكنها تكتسب في الشهور الاخيرة، فرصة جديدة، والاهم معنى مختلف وأكثر حساسية، باعتبارها تأتي من الشخصية السنية الاولى في هيكلية الحكم العراقي.
ولعلها تكون خطة حاسمة في مسيرة الحلبوسي ليكون فعليا بمثابة "الزعيم السني" الاقوى الاول في العراق، وهو أحتمال له تداعياته الداخلية الخاصة، ومن شأنه أن يقرع اجراس الانذار عند منافسيه السياسيين او الطامحين للعب هذا الدور حاليا ومستقبلا.
وكان الحلبوسي أجهض محاولات اقالته من جانب جبهة النجيفي، ونجح في "تحييد" الامين العام للمشروع العربي خميس الخنجر. ثم اعلن الأمين العام لحزب الجماهير الوطنية النائب أحمد الجبوري (أبومازن) انسحابه من من كتلة جبهة النجيفي برغم تعهدها في الشهر الماضي بإجراءات اقالة الحلبوسي.
وكانت الجبهة العراقية، تشكلت من 35 نائبا من كتل سنية هي: جبهة الإنقاذ والتنمية برئاسة أسامة النجيفي، والحزب الإسلامي العراقي برئاسة رشيد العزاوي، والمشروع العربي برئاسة خميس الخنجر، وكتلة الجماهير برئاسة أحمد الجبوري، والكتلة العراقية المستقلة، بهدف الاطاحة بالحلبوسي، وحصدت على 100 توقيع نيابي من كتل سنية وشيعية وكوردية لإقالته، متهمة الحلبوسي بالإخفاق في القضايا والمشاكل الرئيسية التي تواجه المكون السني.
وقد تعامل الحلبوسي بهدوء وصبر من أجل احتواء "الهجمة" السياسية – البرلمانية عليه، واستوعبها تدريجيا ثم تمكن من تفكيك مفاصلها بخروج زعماء أساسيين منها تدريجيا. ولعل الخطاب الإعلامي الذي واجه به تحالفه، "تحالف القوى العراقية"، هذا الهجوم كان فعالا اذا وصف الحملة ضد الحلبوسي بأنه "صراع على المنصب وزوبعة اعلامية".
وكما نقلت وكالة شفق نيوز عن نائب رئيس كتلة تحالف القوى في البرلمان رعد الدهلكي قوله متسائلا، "كنا نأمل أن تشكل الجبهة العراقية على مشاريع وطموحات المحافظات المحررة من خلال عودة النازحين ومصير المتغيبين وحصر السلاح بيد الدولة وإيقاف العصابات المتنفذة في المحافظات المحررة وتوفير مناخ مناسب للانتخابات المقبلة في تلك المحافظات".
والان، يبدو ان المبادرة الهجومية ان صح التعبير، انتقلت الى معسكر الحلبوسي. وبحسب ما قاله القيادي في حزب تقدم علي العيساوي لوكالة شفق نيوز فان "المجتمع السني بحاجة الى مرجعية سياسية، وهذه المرجعية تكون أمانه وحصنه ضد المتغيرات، وزعيم حزب تقدم رئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، يملك كل المؤهلات ان يكون هو على رأس تلك المرجعية، والمرحلة المقبلة، سوف توضح صورة هذه المرجعية بشكل أكبر".
وفي تأكيد على هذه الحركة الجديدة للحلبوسي، قال العيساوي ان "حزب تقدم لديه مكاتب في الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وبغداد والبصرة، ونحن نريد استنساخ ما جرى في محافظة الأنبار من عمليات اعمار وبناء وتحديات كبيرة، بعد دمارها من تنظيم داعش الارهابي، الى كل المحافظات العراقية".
ومن جهته، قال المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي لوكالة شفق نيوز ان "الحلبوسي بدأ يتحرك نحو شخصيات لم تشارك في العمل السياسي في محافظتي نينوى وصلاح الدين، وهذه الشخصيات لها قواعد شعبية في مناطقها، من أجل يكون له رصيد سياسي وبرلماني وحتى شعبي يعبر محافظته (الأنبار)، وسيكون له رصيد في بعض المناطق الشيعية".
وكان مصدر أوضح الحلبوسي عقد اجتماعاً في المقر العام لحزب تقدم شمال مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، مع عدد من وجهاء محافظة نينوى"، مبيناً أن "اعضاء حكومة الانبار المحلية وعدد من البرلمانيين الممثلين عنها قد حضروا الاجتماع أيضاً، وأن من بين الذين حضروا الاجتماع "هيبت الحلبوسي وعادل المحلاوي ويحيى المحمدي، بالإضافة إلى عدد من شيوخ ووجهاء المحافظة ومدراء مكاتب حزب تقدم في الانبار"، مشيراً إلى أن "الاجتماع كان مغلقاً ولم يتم السماح لأحد بالدخول".
وبحسب ما قاله الشريفي،، فان "الحلبوسي لديه كاريزما قيادة، وله تأثير وتأييد حتى في الشارع الشيعي وليس السني فقط، وهو حتى ان تحدث باسم السنة، فهو يمثل الجناح المدني للمكون السني".
وكان الخبير بالشأن السياسي العراقي والاستاذ بجامعة الموصل أحمد الحمداني قال لشفق نيوز الاحد، تحركات الحلبوسي خارج معقله الرئيس في الانبار، والتوجه نحو نينوى وصلاح الدين قد ازعج خصومه وحتى شركائه السياسيين، كونه يهدف لسحب جزء من جمهورهم، مشيرا على سبيل المثال الى اسامة النجيفي عبد الله الجبوري.
وقال الشريفي انه "وفق المعطيات فان الحلبوسي، سيكون في المستقبل السياسي السني رقم واحد في العراق، وسيكون هو زعيم البيت السياسي السني، خصوصاً ان منافسي الحلبوسي، أخفقوا طيلة السنوات الماضية في الكثير من الملفات، كما ان الحلبوسي له دعم اقليمي وخليجي وامريكي، وهذا الأمر لا يتوفر للسياسيين السنة، ولهذا هو حقق رصيدا سياسيا وشعبيا ودوليا ليكون المرجع السياسي السني".
ومعلوم ان قوى حزبية وشعبية في محافظة الأنبار ومحافظات تتصف بالغالبية السنية، تسعى إلى إنشاء إقليم ضمن العراق الفيدرالي، يهدف إلى تخفيف السيطرة المركزية على مقدرات هذه المحافظات. وفي حين، رفض شيوخ من محافظة الانبار تسمية اقليمهم المزمع تشكيله لاحقا بـ"الإقليم السني" لإبعاد الصبغة الطائفية، غير أنهم أكدوا أن الإقليم الجديد يضم جميع المكونات والطوائف تحت الهوية العراقية الموحدة.
وبحسب التسريبات السياسية فإن الحلبوسي يعد من طليعة القيادات السنية التي قد يقوم هذا المشروع، بينما تبدو الفكرة دستوريا، خطوة طبيعية وممكنة، فانها سياسيا وأمنيا، قد يتضح أنها أكثر تعقيدا وصعوبة مما يأمل كثيرون. فالواقع الديموغرافي في محافظة الانبار وغيرها من المحافظات التي تتسم بغالبية سنية، يفرض حقيقة مفادها بان التحرك سني الطابع وان حدود حركته السياسية سنية الارتكاز، وهو ما قد يثير الكثير من التوجس والحذر، سواء في بغداد او في المحافظات العراقية الاخرى.
وقد يرى معارضون لفكرة "الاقليم السني" انه بخلاف تجربة الحكم الذاتي في اقليم كوردستان حيث يندمج الكورد كغالبية مع مختلف الفئات والجماعات العرقية الاخرى كالتركمان والعرب والآشورييون والكلدان والأرمن والأيزيديين والزرادشتيين والكاكائيين والبهائيين والشبك، وذلك ضمن نسيج اجتماعي فضفاض ومتناغم، ولم تظهر فيها نزعة "متشددة او متطرفة" تنبذ الآخرين منذ سبعينيات مرحلة الملا مصطفى بارزاني، فان ظهور داعش في غرب العراق قبل نحو سبع سنوات، ربما وجه ضربة قاصمة لآمال انشاء الاقليم الجديد.
وفي تشرين الأول 2020، كشف برلماني سني لشفق نيوز أن ما تشهده الانبار من ثورة إعمار كبيرة وغير مسبوقة في العراق نتاج خطة أولية لجعل المحافظة عاصمة للإقليم السني المقرر تشكيله العام القادم، بسبب فوضى الأمن في الكثير من المحافظات السنية والامتعاض الطائفي من وجود قوات خارج منظومة الشرطة والجيش العراقي.
وبكل الاحوال، فان الدستور العراقي الجديد المعتمد منذ العام 2005، يجيز لأهالي المحافظات التحرك لإنشاء اقليم خاص بهم وذلك وفقا للمادة 116 من الدستور التي تنص على ان النظام الاتحادي في جمهورية العراق يتكون من عاصمة وأقاليم ومحافظاتٍ لا مركزية وإدارات محلية، بينما تشير المادة 119 الى حق محافظة أو أكثر، تكوين إقليم بناء على طلبٍ بالاستفتاء عليه، شريطة ان يكون الطلب مقدم من قبل ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات او عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم.
لكن فكرة "الاقليم السني" قد تأخذ منحنى مغايرا عندما يتلاقى مساره مع خطوط الصدع الإقليمية المتنافسة. وتتحدث تقارير عن دعم من السعودية والإمارات للمشروع، حيث تشهد الانبار حركة اعمار كبيرة.
وأكد برلماني، اشترط عدم ذكر اسمه، أن "الاقليم السني مخطط يحظى بدعم الولايات المتحدة ودول خليجية واقليمية أبرزها السعودية والبحرين والإمارات"، مشيراً إلى أنها "تقدم الدعم لجعل الانبار مدينة مشابهة للمدن الخليجية".
shafaaq