كشف المستور أخيراً.. تفاصيل مثيرة لخطوط الإمداد السرية لتنظيم داعش
والدراسة التي ترجمتها وكالة شفق نيوز، نشرتها المنظمة التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها، وذلك بتمويل من الاتحاد الاوروبي، لكنها ليست بالضرورة تعبر عن وجهة نظر رسمية للاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على كيفية تمكن داعش من شراء الكثير من الاسلحة والمتفجرات من مختلف أنحاء العالم برغم الحرب التي شنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، بما في ذلك من جهات اقليمية ودولية.
وتتناول الدراسة بالتفاصيل وعبر صور إنفوجراف وبيانات، تمكن داعش من الاستفادة من شبكة واسعة من الموردين بناء على علاقات مصالح مالية وعائلية وشخصية، مع شركات وافراد ومراكز وهمية، وتجار عملة لتحويل الاموال ولاستيراد اطنان من الاسلحة والمواد التي تستخدم لصناعة المتفجرات كنترات الأمونيا والمعدات الالكترونية وطائرات الدرونز، بما في ذلك من جهات في تركيا او الصين.
والروابط العائلية والشخصية التي استغلها داعش في تركيا تركزت في المناطق الحدودية الجنوبية في تركيا، وهي ساعدت التنظيم في الحصول على العديد من المواد والمعدات، وسهلت دخولها عبر الاراضي السورية تحديدا الى مواقع التنظيم. واحيانا كانت هذه الشركات او الشخصيات تقوم بشراء معدات مختلفة تماما عن اختصاص عملها.
فعلى سبيل المثال، اشترت شركة صغيرة للهواتف الخلوية، ستة أطنان من عجينة الألومنيوم من موزع كبير للمواد الكيميائية. كما ان تاجرا للمواد الاسمدة الزراعية، وبمساعدة شريك له، دفعا نحو 200 الف دولار لشراء 78 طنا من مواد مرتبطة بالغذاء يمكن ان تستخدم في صناعة وقود للقذائف، وتم نقلها الى شركتين سوريتين عبر أراض يسيطر عليها داعش.
وفي سياق مشابه، قامت شركة تتخذ من بريطانيا مقرا لها، ويديرها عضو في داعش، بشراء معدات متطورة للمراقبة من شركة تتخذ من اميركا الشمالية مقرا لها، لكن شركة لتأجير السيارات الفارهة في اسطنبول، هي من قامت بدفع قيمة الصفقة بأكثر من 18 الف دولار بالانابة عن الشركة البريطانية.
مثال آخر، الشركة البريطانية نفسها، اشترت معدات ومكونات متعلقة ب"درونز" جوية من شركات في اميركا الشمالية والمانيا، لكنها طلبت من الجهة البائعة لشحنهم الى عنوان متجر لبيع اجهزة التلفون الخلوية في سانلورفا التركية على الحدود السورية.
واظهرت تحقيقات المنظمة البريطانية غير الحكومية، التي اعتمدت على توثيق بياني ومصور ومقابلات، انه بين العامين 2015 و2017، تم العثور على نحو مئة صفيحة تحتوي على عجينة الألومنيوم المنتجة في الصين في أنحاء المناطق التي سيطر عليها داعش.
وبحسب المنظمة فانه بين عامي 2014 و2017، أنشأ تنظيم داعش في العراق وسوريا "أحد أكثر القدرات الإنتاجية تطورا" للأسلحة والمتفجرات اليدوية الصنع لجماعة خارج الدولة، حتى الان".
واشارت الى "خطوط امداد عالمية للمواد الاولية" في خدمة التنظيم، وان "السلع والمواد تحركت بشكل سريع ومذهل عبر خطوط الامداد، والقوات الامنية التي كانت تقاتل داعش في ذلك الوقت، استولت على اسلحة وعبوات بدائية الصنع، مكوناتها جرى تصنيعها في اوروبا واسيا"، وجرى نقلها عبر شبكة تجارة بحرية في أرجاء العالم.
وقام المحققون التابعون للمنظمة البريطانية بتحقيقات ميدانية في كل من العراق وسوريا ووضعوا صورة لخريطة خطوط الامداد العالمية هذه، والتي تضمنت اكثر من 50 شركة في اكثر من 20 دولة تنتج او تصدر مواد استخدمها داعش لاحقا لصناعة اسلحة" بما في ذلك محاولة الحصول على نظام الي للرصد البصري قد يستخدم في رصد الطائرات.
ومما تكشفه الدراسة المفصلة للمنظمة والواقعة في 46 صفحة، شراء أسمدة النترات وعجينة الألمنيوم التي تستخدم في انتاج المتفجرات، الى جانب وقود الصواريخ والطائرات "الدرونز". وحاول "داعش" ايضا إنتاج نظام آلي مضاد للطائرات. وجرى توثيق قيام داعش بتعديل 28 طائرة "درونز" لتكون مسلحة.
وتكمن اهمية هذه الدراسة البريطانية انها تهتم بالتفاصيل الصغيرة للاساليب التي اعتمدها الوسطاء والسماسرة في تقديم انفسهم للصناعيين والتجار والموزعين ليتمكنوا من الشراء منهم، وطبيعة ومضمون الاتصالات مع هؤلاء المصنعين والموزعين، وأساليب الدفع المالي المعتمدة وكيفية تحرك البضائع ونقلها.
واعتمد داعش على إدارة شركات مسجلة قانونياً، وخدمات لوجستية فعالة داخل "دولة الخلافة" نفسها، ومواقع إلكترونية وهمية، وشبكة اتصالات آمنة، وتحويلات مصرفية، وعمليات دفع عبر الإنترنت. ويشير التقرير إلى أن "تحقيقات سابقة أشارت إلى أن قوات تنظيم داعش استخدمت أفرادا وشركات متمركزة في الدنمارك واسبانيا وسوريا وتركيا وبريطانيا".
واعتمد محققو المنظمة في اعداد دراستهم ايضا على تتبع البضائع والمعدات التجارية التي وجدها المحققون اما في ورشات تصنيع تخلى عنها عناصر داعش، او من خلال توثيق ما اكتشفوه من مخلفات العبوات والاسلحة المصنعة التي عثروا عليها واحداث مرتبطة بها. كما استحصلوا على مقابلات مع شخصيات مرتبطة بالبيع والشراء في اوروبا والشرق الاوسط واميركا الشمالية، ووثائق متعلقة بالجمارك والشحن ووثائق خاصة بداعش، واوراق قضايا قضائية جرت في الدنمارك وتركيا والولايات المتحدة، بالاضافة الى وثائق خاصة جمعوها من هونغ كونغ ولبنان وتركيا والامارات العربية المتحدة وبريطانيا.
وعلى الرغم من ان الدراسة تشير الى ان بعض الموردين الذين شككوا في الصفقات التي ابرموها انهوا العمل بها بسبب الاشتباه، الا ان آخرين لم يحركوا ساكنا او اكتفوا بغض النظر برغم شكوكهم والاشتباه بالجهات التي ستصلها البضائع. واشارت الى ان العديد من خطوط الامداد لم تكن تبدو مترابطة، لكنها في اماكن محددة كانت تبدو مترابطة لانها كانت تضم نفس الاشخاص والشركات، خاصة في مدينتي اقجة قلعة سانليورفا التركيتين على الحدود.
وهناك تقرير تمت مصادرته خاص بالمعبر الحدودي في تل ابيض السوري، يشير الى داعش كان ينسق مع مهربين عبر الحدود يرشون مسؤولين حكوميين محليين في تركيا ليسمحوا لهم بنقل بضائع عبر معبر اقجة قلعة الحدودي.
وخلص التقرير الى الاشارة الى ان كيف يمكن لمجموعة صغيرة من الافراد والشركات المرتبطة بروابط عائلية في تركيا وبريطانيا، قامت بدور السمسار للبضائع والمعدات لخطوط الامداد الخاصة بداعش، ولو ان السلطات الامنية كانت تمكنت من تحديد هذه الخطوط في وقت مبكر من النزاع، لربما كانت استطاعت الحد من النزاع بعرقلة مواد كان يستوردها، خاصة خلال العام 2015.
وتظهر هذه الدراسة كيف ام داعش لم يعتمد فقط على امداداته المحلية في العراق وسوريا فحسب، وانما على منصات تجارية عالمية للتجارة الالكترونية والتجنيد. واينما استطاع، فان داعش كان يدفع كميات صغيرة من الاموال احيانا عبر ال ( PayPal ) او انظمة لتحويلات المالية العالمية.
وختمت الدراسة باشارة مهمة مفادها بأن تنظيم لم يعد يسيطر على اراض، الا ان خلاياه المتبقية في العراق وسوريا اصبحت اكثر نشاطا خلال العام 2020، وان التعامل مع نقاط التمويل والامداد التي تشير اليها الدراسة، من شأنه ان عرقلة جهود التنظيم وجهود المكافحة ضده.
shafaaq