• Sunday, 22 December 2024
logo

قصة حب غير معلنة بين الفلوجة وكوردستان

قصة حب غير معلنة بين الفلوجة وكوردستان
في صورة نادرة في العراق الحافل بالاحداث المؤلمة كانت هناك مشاهد مشرقة متبادلة بين مدينة الفلوجة، أحد أكبر المدن العربية السنية، وبين اقليم كوردستان الذين احتضن فعليا مئات الالاف من نازحي ما يعرف بـ"مدينة المساجد" وزرع بينهم وبين الكورد الكثير من الذكريات والعاطفة.

فبعد استضافتهم لقرابة ثلاث سنوات في مدن إقليم كوردستان وخاصة السليمانية واربيل ومدينة شقلاوة، بدا تأثير فترة النزوح على أهالي مدينة الفلوجة واضحا للغاية في يافطات المحال التجارية وحتى الأطعمة وبعض الحرف التي نقلوها من مدن الإقليم معهم الى الفلوجة فضلا عن أسماء مواليدهم الجديدة ومن بينها "شوان"، و"آسو" و"شهين".

ومن أصل 700 ألف نسمة، استقر أكثر من نصف مليون نازح من أهالي الفلوجة الواقعة على بعد 60 كم غربي العاصمة بغداد، في بلدات شقلاوة ورانيا وحرير ومناطق مختلفة في أربيل والسليمانية، وأقاموا في منازل خاصة وقسم منهم في مخيمات شيدتها سلطات الإقليم بالتعاون مع منظمات دولية.

ويؤكد أهالي الفلوجة أن فترة نزوحهم رغم مرارتها وما فيها من معاناة، الا انهم وجدوا من سكان الإقليم الكورد الكثير من العون والمواقف الإنسانية التي لا تحصى، جعلت منها ذكرى طيبة نقلوها معهم عندما عادوا الى الفلوجة.

ويقول محمد الدليمي (49 سنة)، وهو مدرس من أهالي الفلوجة، نزح الى مدينة شقلاوة بعد احتلال داعش للفلوجة في مطلع عام 2014، إنه انتقل بين عدة منازل خلال عامين تقريبا من وجوده في شقلاوة، وبات له أصدقاء كورد كثر هو وزوجته وأولاده ولغاية الآن يتواصلون معهم بالهاتف وعبر وسائل التواصل ووجهوا لهم دعوة لزيارة الفلوجة لرد جزء من المعروف الذي قدموه لهم.

ويضيف الدليمي، "لن نشعر بالغربة.. هذه المدينة طيبة بكل ما فيها وأحن لأجواء الشتاء فيها وكبار السن الذين يجيدون العربية أكثر من الشبان فيها والى مقامات القراءة بالمساجد وللنساء اللواتي يخبزن الرقائق الخفيفة من الخبز كل جمعة".

ولم يقتصر الأمر على العاطفة الانسانية المتبادلة، فمحمد حماد ( 40 سنة)، يقول أنه بعد عودته غير اسم متجره إلى "سه رجنار" اخلاصا مني لما قدموه لنا خلال محنة النزوح.

و"سه رجنار" اسم منطقة سياحية في السليمانية.

وحول تلك المرحلة، يقول حماد "عشنا في أربيل أياما جميلة رغم الألم الذي كنا نعانيه ونحن نشاهد الدمار الذي لحق بمدينتنا عبر التلفاز، لكن الناس هناك لم يعاملوننا على أننا غرباء، وعلى عكس ما كان يعانيه النازحون في مدن أخرى من العراق، وجدنا العون والمساعدة من الجميع بل كانوا يشاركوننا بكل شيء يستطيعون مشاركته معنا.. للكورد فضل كبير على اهل الفلوجة ونحن نحفظه لهم".

ومن جهته، يقول المواطن الفلوجي قحطان محسن الذي يملك محلا لبيع المواد الإنشائية انه اطلق اسم "شقلاوة" على متجره، اعتزازا منه بصاحب المحل الذي كان يعمل لديه في اربيل والذي كان اسم محله ذات الاسم. وقال محسن "لا يمكنني ان انسى ما قدمه لي ابان فترة النزوح، فقد كان اخا رائعا".

ومن جانب آخر، انعكست هذه الاستضافة الكوردية لإخوانهم من عرب الفلوجة، على نشوء روابط عائلية جديدة. ويتحدث المحامي عمر خالد لشفق نيوز، عن عدة عقود زواج بين مواطنين ومواطنات من الفلوجة مع كورد من الإقليم تكونت علاقة تعارف عائلية بينهم خلال فترة النزوح نتج عنها زيجات عدة.

ويضيف خالد "انعكاسات السنوات التي قضاها سكان الفلوجة في الإقليم كانت إيجابية بعد عودة الأهالي خاصة وأن نحو 70 في المئة من أهل الفلوجة أقاموا في الإقليم وتحديدا أربيل والسليمانية".

قصة اخرى علمت بها شفق نيوز وهي تتعلق بشاب يدعى هونر، وهو معروف من اهالي اربيل، تزوج من فتاة فلوجية وانتقل بعد عودة المدينة لسيطرة القوات العراقية وتحريرها، للعيش مع زوجته بالمدينة حيث وجد فرصة عمل تدر له مدخولا جيدا.

ويقول هونر "الناس هنا في الفلوجة يعاملوني بامتنان كبير ويرون في ذلك تحية رد لما لاقوه من تعامل طيب في الإقليم والحمد لله أصبح لدي العديد من الأصدقاء العرب في الفلوجة وغيرها".

وقد ازهرت هذه الاخوة الانسانية بين الكورد واهل الفلوجة بشكل أخر ايضا، حيث يقول مندوب "شركة كاكو للسياحة والسفر" في الانبار علي الدليمي لوكالة شفق نيوز، بأن اغلب السائحين الذين اقوم بنقلهم من الانبار الى اقليم كوردستان هم من اهالي الفلوجة، وعند وصولهم يبشارون فورا بزيارة اصدقائهم الكورد الذين تعرفوا عليهم اثناء فترة النزوح.

وقام المئات من اهالي محافظة الانبار ببيع منازلهم في المحافظة وشراء منازل بديلة لهم في الإقليم.

وتحمل هذه القصص المتفرقة ما بين الكورد وعرب الفلوجة الكثير من المعاني الرمزية المضيئة في بلد كثيرا ما تكون أخباره مؤلمة وحزينة، خاصة ان هذه الروابط الانسانية التي نشأت، جاءت في أحلك الظروف التي كان يمر بها اقليم كوردستان والعراق عموما امام الموت الواسع والتمييز الديني والعرقي والمذهبي، التي جلبتها عصابات داعش معها.





شفق نيوز



Top