رغم الانقسامات.. مفتاح واحد لتفكيك أزمة سنجار
ويشكل سنجار معقل الكورد من أبناء الديانة الايزيدية، إلا أنه يضم مكونات أخرى من العرب والتركمان. وتحول إلى ساحة صراع محلي وإقليمي خلال السنوات القليلة الماضية، ما فاقم من معانات سكانه الايزيديين الذين تعرضوا لإبادة جماعية على يد داعش.
*الاجتماع المغلق
وفي اجتماع مغلق استمر لثلاث ساعات في الموصل يوم الخميس، سعت ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت إلى ردم الفجوات والانقسامات بين مكونات سنجار لفتح الطريق أمام تنفيذ اتفاق التطبيع المبرم بين بغداد وأربيل.
وضم الاجتماع 36 شخصية من ممثلي المكونات المختلفة، دعتهم بلاسخارت للاجتماع الذي عقد في مقر الحكومة المحلية بالموصل.
وتباينت مطالب المكونات بشأن مسار إنهاء الأزمة في قضاء سنجار، إلا أن الآراء بدت متطابقة بشأن الخطوة الأولى الواجب اتخاذها وهي إرساء الأمن لضمان عودة النازحين وإعادة إعمار القضاء.
وحثت بلاسخارت، خلال مؤتمر صحفي أعقب الاجتماع، الحكومة الاتحادية وإقليم كوردستان، على تسريع خطوات تنفيذ اتفاق سنجار.
واعتبرت أن الاتفاق بداية عودة الاستقرار إلى القضاء وإنهاء معاناة سكانه النازحين، مشددة على أن بعثة الأمم المتحدة "ستقاتل" لتطبيق الاتفاقية.
وتوصلت بغداد وأربيل في 9 تشرين الأول الماضي، إلى اتفاق سنجار وينص على إدارة القضاء من النواحي الإدارية والأمنية والخدمية بشكل مشترك، وإخراج جميع الجماعات المسلحة بما فيه حزب العمال الكوردستاني المناهض لتركيا وفصائل الحشد الشعبي.
*أزمة النازحين ودور الأمم المتحدة
وقال العميد المتقاعد أحمد حسن، وهو أحد المدعوين لاجتماع بلاسخارت عن المكون التركماني، "نريد أن تدخل الأمم المتحدة لحل جميع المشاكل سواءً الأمنية أو الخدمية، إضافة إلى إنهاء ملف الصراعات السياسية على القضاء من اجل ايجاد حل لنا وإنهاء معاناة الآلاف".
وأضاف حسن إن "حال النازحين من أبناء سنجار يرثى له سواءً أكانوا من الايزيديين أو العرب أو التركمان، وما يجري يدمي القلب".
وكان تنظيم داعش قد اجتاح قضاء سنجار عام 2014 وارتكب إبادة جماعية بحق أبناء الديانة الايزيدية من الذين وقعوا في قبضتهم، فيما فر مئات آلاف آخرين إلى إقليم كوردستان. واستعادت قوات البيشمركة القضاء في العام التالي.
ووجه ايزيديون أصابع الاتهام إلى بعض سكان القرى العربية المجاورة بمساندة داعش"، وهو خلق شرخاً في المنطقة.
*"دعشنة العرب"
وقال عضو مجلس محافظة نينوى السابق عويد الجحيشي، "ليس لدينا مشاكل مع أحد، ولكن تهمة الدعشنة اليوم تلاحق الجميع، وكلما اشتد الصراع وضعوا هذه التهمة نصب أعين العرب".
وأضاف الجحيشي، الذي مثل العرب في اجتماع بلاسخارت، أن "الجميع يعلم ان الارهاب لم يترك عربي او ايزيدي او تركماني الا وسفك دمه"، منوها إلى "مظلومية الايزيديين كبيرة، لكن عليهم ان يميزوا بين الارهابي وبين الانسان البريء".
وشدد على ضرورة "إرساء سيادة الدولة والقانون في القضاء، حتى يعود الاستقرار بصورة طبيعية"، مشيراً إلى أن على الحكومة العراقية معالجة مسألة وجود مقاتلي حزب العمال الكوردستاني.
تأزمت الأوضاع في سنجار بصورة كبيرة، عند اجتياح الجيش العراقي مسنوداً بالحشد الشعبي المنطقة جراء التوتر بين الإقليم والحكومة الاتحادية على خلفية استفتاء الاستقلال عام 2017.
وقامت السلطات العراقية بتنصيب مسؤولين جدد في القضاء مكان المسؤولين المنتخبين الذين انسحبوا من المنطقة إلى محافظة دهوك عند تقدم القوات العراقية.
وتوجد حالياً حكومتان محليتان لسنجار، إحداها تم تعيينها من سلطات الحكومة الاتحادية، والثانية هي الحكومة المنتخبة والتي تقوم بتسيير أعمالها من محافظة دهوك.
كما شكل حزب العمال الكوردستاني المناهض لأنقرة فصيلاً موالياً له هناك باسم "وحدات حماية سنجار" ويتلقى رواتب من الحكومة العراقية كفصيل تحت مظلة الحشد الشعبي.
*معوقات.. العمال الكوردستاني والحشد الشعبي
ويبدو أن إخراج المجموعات المسلحة ستشكل العائق الأكبر أمام تطبيق الاتفاق.
وقال قائمقام سنجار محما خليل إن "حزب العمال الكوردستاني وفصائل من الحشد الشعبي تضع عراقيل أمام تنفيذ اتفاقية سنجار وعودة النازحين".
وأضاف أن "تواجد حزب العمال الكوردستاني غير قانوني في سنجار كونه حزبا غير عراقي".
وأوضح خليل أن "الحكومة الاتحادية جادة في تنفيذ اتفاق سنجار المدعوم دوليا"، مشيراً الى ان "مفتاح التطبيع يكمن في توفير الأمن من أجل إعادة النازحين وتوفير الخدمات".
ويرفض العمال الكوردستاني مغادرة قضاء سنجار، وتشن تركيا هجمات بين الحين والأخر ضد مقاتليه، وهو ما يزيد مخاوف النازحين من العودة.
ورأى استاذ العلوم السياسية بجامعة الموصل د. علي اغوان أن "الحل الوحيد لانهاء ملف سنجار هو البدء من داخل القضاء، وذلك بالإعمار وإعادة الخدمات بصورة حقيقية، ومن ثم صرف التعويضات للمتضررين وانصاف ذوي الضحايا بشكل كامل".
وأشار إلى أهمية "التوجه نحو تمكين الاقتصاد في القضاء، وهذه الامر سيخفف الضغط والاحتقان المجتمعي، ومن ثم السعي بخطوات للصلح المجتمعي بين جميع المكونات، مع وجود قوات أمنية رسمية لبعث الطمأنينة".
وقال اغوان في حديثه إنه "لا يمكن أن تنجح أية خطوة، ما لم يتم إنهاء تواجد حزب العمال الكوردستاني من القضاء بشكل تام".
وأردف، "ما يجري الآن من مباحثات أو اجتماعات أو أي خطوات أخرى لا قيمة لها طالما كان عناصر العمال الكوردستاني متواجدين في القضاء أو جبال القضاء".
*"قوات النصر المبين" والأنفاق
ووفق عضو مجلس محافظة نينوى السابق عن الاتحاد الوطني الكوردستاني داؤود جندي، فإن "هنالك لغطاً في موضوع تواجد حزب العمال داخل مركز القضاء".
وأوضح جندي في حديثه إن "من يتواجد في الوقت الحالي ليس العمال الكوردستاني تحديداً، إنما هي جماعات وجهات سياسية وعسكرية تعمل بذات ايدلوجية حزب العمال الكردستاني، وهي موجودة تحت مسمى (قوات النصر المبين) والتي تربط بهيئة الحشد الشعبي".
إلا أن مصادر أمنية من داخل القضاء كشفتعن أن مقاتلي العمال الكوردستاني يتحضرون منذ أشهر لصدام محتمل مع القوات العراقية.
وأوضحت المصادر أن "حزب العمال يعمل منذ عدة أشهر على إنشاء انفاق في جبال سنجار، وكأنه يستعد لفرض وجوده وعدم مغادرة الأراضي العراقية".
وأضافت المصادر، أن "هذا الأمر قد يفتح باب صِدام عسكري في المستقبل، إذا كانت الحكومة العراقية جادة في انهاء ملف قضاء سنجار وإعادة النازحين إليه وإنهاء الصراعات المحلية والاقليمية في المنطقة".
شفق نيوز