سنة وشيعة البرلمان يتقاذفان كرة ملتهبة أشعلت غضب كوردستان
وصوت البرلمان العراقي، فجر الخميس، على قانون الاقتراض الذي تنتظره الحكومة لتأمين رواتب الموظفين المتأخرة منذ عدة أسابيع حيث تمر البلاد بواحدة من أصعب الأزمات المالية، بفعل تراجع أسعار النفط.
وفي بادئ الأمر قاطعت الكتل الكوردية جلسة التصويت بعد خلاف حول مقترح تقدمت به كتل نيابية شيعية تضمن "تحدد حصة إقليم كوردستان من مجموع الإنفاق الفعلي- النفقات الجارية ونفقات المشاريع الاستثمارية- بعد استبعاد النفقات السيادية المحددة بقانون الموازنة العامة الإتحادية بشرط التزام إقليم كوردستان بتسديد اقيام النفط المصدر من الإقليم وبالكميات التي تحددها شركة سومو حصراً والإيرادات غير النفطية الإتحادية، وفي حالة عدم التزام الإقليم لا يجوز تسديد نفقاته ويتحمل المخالف لهذا النص المخالفة القانونية.
وعقب جولات من النقاشات انعقدت الجلسة بمشاركة أغلب النواب بمن فيهم الكورد، بعد الاتفاق على تأجيل التصويت على تلك النقطة الخلافية، لكن بمجرد ضمان نصاب الجلسة، مضى البرلمان بالتصويت على المادة مما تسبب بوقوع مشادة كلامية بين نواب كورد وآخرين من كتل شيعية تسبب بإنسحابهم من الجلسة.
هذا ما دفع رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، إلى توجيه انتقادات لاذعة للأطراف السياسية الشيعية والسنية، واصفاً تصويت البرلمان على قانون الاقتراض بأنه "طعنة في ظهر شعب كوردستان" من قبل الأطراف السياسية السنية والشيعية.
سنة النجيفي
وقال محمد الخالدي المتحدث باسم الجبهة العراقية النيابية برئاسة إسامة النجيفي ، إن جبهته لم تعقد أي اتفاق مع المسؤولين الكورد بشأن قانون تمويل العجز المالي المسمى بالاقتراض"، مشيراً إلى أن "ما حدث في جلسة فجر الخميس هو لأجل تمرير القانون".
وأضاف الخالدي، أن "هناك جانبين للسنة بالبرلمان متمثل بالقوى العراقية والجبهة"، مؤكداً أن الجبهة "غير مقصودة بما تحدثوا عنه المسؤولين الكورد"، في إشارة إلى أن الإتهامات كانت موجهة للقوى العراقية التي يرأسها محمد الحلبوسي رئيس البرلمان.
ولم يتسنَ الحصول على تعقيب من تحالف الحلبوسي.
لكن النائبة آلا طالباني عضو الإتحاد الوطني قالت "ما حصل فجر اليوم في مجلس النواب ليس بمؤامرة طائفية أو عرقية على الكورد، بل هو نتيجة السياسة غير الشفافة لإدارة موارد الإقليم تجاه الشركاء".
وقالت "لا حل دون الجلوس مع الشركاء للوصول لحل جذري لجميع الملفات العالقة".
ماذا عن شيعة البرلمان؟
من جانبها أكدت كتلة "صادقون" أنها لم تخذل الكورد بالتصويت على قانون الاقتراض.
وقال النائب احمد الكناني لـوكالة شفق نيوز، "كان هناك قرار من قبل اعضاء مجلس النواب وليس من رؤساء الكتل السياسية وهو عدم تأجيل المادة المتعلقة بمستحقات الكورد والتصويت عليها أثناء التصويت على المواد الاخرى بقانون تمويل العجز المالي".
وأضاف أن "القضية طبيعية جداً، هناك التزامات على اقليم كوردستان منذ 2014 ولغاية اليوم لم يتم تسديد برميل واحد من نفط الإقليم إلى الحكومة المركزية"، مبينا أن "هناك حرية لأعضاء البرلمان للتصويت والرفض كل شيء لا يتناسب ويضمن حقوق المحافظات".
واعترف الكناني بحصول توافق سني شيعي على المضي بالتصويت بالفقرة الخاصة بإقليم كوردستان، "لا يوجد أي خذلان للكورد، انهم طلبوا تأجيل التصويت على المادة، إلا أن الاغلبية داخل البرلمان من الشيعة والسنة والتركمان رفضوا ذلك واستمروا بالتصويت على القانون".
من جهته قال النائب عن تيار الحكمة خالد الجشعمي، إن الكورد أبلغوا استعداد الاقليم لتسليم كل ما يصدر من النفط الى شركة سومو على أن تلتزم الحكومة الاتحادية بدفع كلف استخراجه، وحصل توافق على ذلك.
وأضاف أن رئيسة كتلة الحزب الديمقراطي فيان صبري طلبت صياغة قانونية لهذا الاتفاق وبالفعل تمت ذاك من قبل رئيس اللجنة المالية هيثم الجبوري ووافق عليه كل الحاضرين.
وأضاف أن صبري تسلمت نص الإتفاق وطلبت وقتاً لعرضه على المرجعية السياسية الكوردية، لذا تأجل عقد الجلسة الى الساعة ١٢ ليلًا، "وعدتم -مخاطباً صبري- بموافقة على النص على أن لا ينفذ الان بل بتاريخ ١ /١ / ٢٠٢١ وتعطون تعهدا مكتوبا على تنفيذه".
وقال "اذا انتم بالفعل تريدون تنفيذ ذلك فلماذا لا تنفذوه من الآن، لم نلمس اي جدية بقبول أي نص إلا اذا كان فيه تسويف لتسليم الإقليم لما يجب عليه أن يسدده لخزينة الدولة" بحسب قوله.
وفي وقت سابق قال حكومة إقليم كوردستان إنها أوفت بجميع الالتزامات الدستورية مقابل تأمين المستحقات الدستورية لشعب كوردستان وضمانها.
غضب كوردي
واعتبرت قوى كوردية أن ماحصل في البرلمان العراقي هو "انتقام" من قوى شيعية من الكورد على خلفية اتفاق سنجار، الذي رفضته اطراف مقربة من إيران.
وواجهت مطالب القوى الكوردية في البرلمان العراقي معارضة شديدة من القوى السياسية الشيعية وهو ما حال دون تضمينها في قانون تمويل العجز المالي.
ولم يتم تضمين رواتب موظفي الإقليم في القانون رغم أن بغداد وأربيل توصلتا الى اتفاق في آب/أغسطس الماضي يقضي بارسال بغداد 320 مليار دينار إلى أربيل شهريا لتغطية جزء من نفقات موظفي الاقليم لحين التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن الخلافات بين الجانبين.
وعمدت بغداد إلى قطع رواتب موظفي الإقليم في نيسان/أبريل الماضي، بعدما قالت الحكومة التي كان يقودها آنذاك عادل عبد المهدي، إن أربيل لم تف بالتزاماتها في الموازنة والمتمثلة بتسليم 250 ألف برميل من النفط للحكومة الاتحادية، وهو ما نفت صحته حكومة الإقليم.
وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، خاض الجانبان مباحثات مكثفة للتوصل إلى اتفاق لحل المسائل العالقة.
واعتبر النائب عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني في البرلمان العراقي بشار الكيكي أن رفض القوى الشيعية لمطالب الكورد يعود لأهداف انتخابية و"انتقاماً" من اتفاق سنجار بين بغداد وأربيل.
وسرد الكيكي تفاصيل ما جرى لوكالة شفق نيوز، قائلاً: "طالبنا بتضمين الاتفاق بين بغداد واربيل بإرسال 320 مليار دينار شهريا لحكومة الاقليم ولمدة 3 اشهر لحين اقرار الموازنة (2021)".
وأضاف، "إلا أن القوى السياسية الشيعية رفضت ذلك، واشترطت تسليم واردات النفط الشهرية في الاقليم الى جانب واردات المنافذ الحدودية كاملةً مع المساءلة القانونية في حال الاخلال بهذه الشروط وهو امر رفضته القوى الكوردية".
وكان الاتفاق بين بغداد وأربيل يقضي بأن تغطي الحكومة الاتحادية جزءاً من رواتب موظفي الإقليم بقيمة 320 مليار دينار، في حين تتولى حكومة الإقليم تغطية ما تبقى بقيمة نحو 500 مليار دينار من مبيعات النفط وإيرادات المعابر الحدودية.
وفي حال سلّم الإقليم كامل إيرادات بيع النفط والمعابر، فكيف سيتمكن من توفير 500 مليار دينار لصرف رواتب الموظفين، وهو ما يكشف الشروط التعجيزية التي وضعتها القوى الشيعية أمام الكورد.
وقال الكيكي إن "الكورد لم يصوتوا على قانون العجز المالي بالإجماع، وخرجوا من الجلسة"، مردفاً "لم نتوقع من القوى الشيعية هذه الشدة السياسية مع الكورد لاهداف انتخابية واجندات متكالبة أبرزها اتفاق سنجار للضغط على الكورد من جهة والكاظمي من جهة أخرى وإلقاء الأزمات في ساحة القوى الكوردية وهو أمر اعتدنا عليه".
وتابع بالقول، "حاولنا التوصل لتوافق مع القوى السياسية، وملتزمون بتنفيذ الاتفاقات مع الحكومة الاتحادية ولم نرفض تسليم عائدات النفط او المنافذ الحدودية الا ان الشروط التي ضمنتها بعض القوى انتقامية".
وكانت بغداد وأربيل قد توصلتا الشهر الماضي إلى اتفاق لتطبيع الأوضاع في قضاء سنجار، معقل الايزيديين، في محافظة نينوى.
ويقضي الاتفاق بإدارة القضاء بصورة مشتركة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كوردستان وإخراج الجماعات المسلحة منها وعلى رأسها الحشد الشعبي العراقي وحزب العمال الكوردستاني المناهض لتركيا.
ولم يحظ الاتفاق برضى غالبية القوى الشيعية الممثلة في البرلمان، والتي لديها أذرع مسلحة ضمن الحشد الشعبي، ويرتبط بعضها بصلة وثيقة مع إيران.
shafaaq