بالمرتزقة السوريين.. مغامرة جديدة لأردوغان في أذربيجان
تلك السلوكيات العسكرية الأمنية التركية ترافقت مع سلسلة من المواقف والتحركات السياسية، التي أظهرت تأييدا سياسيا مفتوحا من أنقرة إلى باكو، حيث يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تعزيز نفوذه في منطقة نزاع أخرى.
مجموع تلك الأنباء يوحي بأن تركيا تملك إستراتيجية مستقبلية للتعامل مع الملف الأذري الأرمني، من باب الدخول كلاعب في الصراع بين الدولتين، وبالتالي كسب المزيد من النفوذ الإقليمي، وإلى حد ما الدولي.
وتعود القضية الجيوسياسية بين أذربيجان وأرمينيا إلى نحو قرن مضى، حينما ضم الاتحاد السوفيتي السابق عام 1921، منطقة ناخشيفان ذات الأغلبية السكانية الأرمنية (كان الأرمن يشكلون 94 بالمئة من سكانها) إلى أذربيجان، تقربا من تركيا وقتئذ، حيث كان السوفييت يأملون بأن يتحول مصطفى كمال أتاتورك إلى زعيم شيوعي.
الأذرع الاستعمارية.. خريطة توسع الجيش التركي في المنطقة
اندلع النزاع مجددا عقب سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1992، إذ دخلت الدولتان في صراع مسلح أدى إلى هزيمة أذربيجان وسيطرة أرمينيا على تلك المنطقة، التي ما تزال باكو تعتبرها جزءا من أراضيها.
وطوال العقود الثلاثة الماضية، كانت تركيا تساند أذربيجان في صراعها بحكم الصلة العرقية التي تجمع شعبي البلدين، مقابل مساندة إيران وروسيا لأرمينيا.
لكن الدول الثلاث كانت حريصة على أن يكون دعمها سياسيا وإعلاميا فحسب مع بعض المؤازرة العسكرية، وألا يصل الصراع بين الدولتين لدرجة الصدام العسكري كي لا تضطر للانخراط فيها، لكن تحولا واضحا في الإستراتيجية التركية صار واضحا في الأفق.
فرغم النفي الرسمي الأذري لأية عملية نقل للمرتزقة من سوريا عبر وبواسطة تركيا، فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان أكد ذلك، معطيا أرقاما تفصيلية عن نقل أول دفعة ضمت 300 مقاتل من فصيلي "السلطان مراد" و"الحمزات"، وأن المقاتلين وعدوا باستلام رواتب تصل لقرابة ألفي دولار شهريا، ليُفتح الباب أمام إستراتيجية تركية في ذلك الملف شبيهة للتوجهات التركية في ليبيا.
الخطوة التركية جاءت كتتويج للتصريحات الواضحة أثناء الأزمة العسكرية الأخيرة بين البلدين، إذ أكد مختلف المسؤولين الأتراك، بمن في ذلك أردوغان، دعم أنقرة المفتوح لأذربيجان في صراعها.
حتى إن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قال أثناء زيارته إلى باكو عقب اندلاع المواجهات مباشرة: "أذربيجان ليست وحدها. سنواصل دعمنا لها في كفاحها العادل من أجل تحرير أراضيها المحتلة. نحن في تركيا يبلغ عدد سكاننا 83 مليون نسمة، نقف جميعا بجانب إخواننا"، في تصريحات أعتبرها المراقبون انخراطا مباشرا في الحرب.
التعاون الإستخباراتي الأذري التركي كشفه الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، إذ قال صراحة أثناء استقباله للسفير اليوناني في بلاده نيكولاوس بايبيريغوس: "إننا ندعم تركيا في جميع القضايا، بما في ذلك مسألة الاستخبارات في شرق البحر المتوسط. يمكنني أن أخبرك، وليس سرا، أن تركيا ليست فقط صديقنا وشريكنا، بل هي أيضا دولة شقيقة، نحن ندعم تركيا وسندعمها تحت أي ظرف من الظروف".
وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأرمينية آنا نغداليان لصحيفة "غريك سيتي تايمز" اليونانية: "نريد حلا سليما لنزاعاتنا مع أذربيجان من خلال المفاوضات. لكن ذلك يبدو غير مرجح، مع قيام تركيا باستعراض قوتها العسكرية ضد أرمينيا بعد وقت قصير من اشتباكات يوليو، وفي الوقت الذي تستعد فيه لنقل المسلحين السوريين إلى أذربيجان وفقا للمسلحين أنفسهم".
إلى جانب التأسيس لمعسكرات المرتزقة التابعين لتركيا في أذربيجان، فأن صحيفة "نيزافيسيمايا غازيت" الروسية، رصدت في تقرير موسع التدريبات العسكرية المشتركة بين تركيا وأذربيجان في أراضي الأخيرة، مشيرة إلى أن الخطوات التركية تذهب باتجاه تشييد قاعدة عسكرية تركية في منطقة ناختشيفان، بالقرب من الحدود الأرمينية، شبيهة بالقواعد العسكرية في كل من قطر والصومال وليبيا، وحسب نفس الإستراتيجية.
وأضافت الصحيفة بأن التدريبات الأولى بين جيشي البلدين بدأت منذ أواخر شهر يوليو الماضي، واستمرت لقرابة 3 أسابيع، وأن أعدادا كبيرة من الجنود والمعدات العسكرية التركية تم نقلها لأذربيجان لهذا الغرض.
معلومات الصحيفة أكدتها جريدة "واشنطن بوست" الأميركية، التي نشرت تقريرا مشتركا مع وكالة "بلومبرغ" كتبه الخبير في الشؤون التركية سلكان هاكأوغلو، الذي نقل معلومات خاصة عن تعهد تركي بتحديث شامل للجيش الأذري، بعد الخسائر التي مني بها في مواجهته الأخيرة مع نظيره الأرمني.
معلومات الصحيفة الأميركية أفادت أن التعهدات التركية ستركز على مجالات أنظمة الدفاع الجوي، بما في ذلك منح أذربيجان طائرات من دون طيار تركية الصنع، إلى جانب أنواع جديدة من الصواريخ وأجهزة الحرب الإلكترونية.
لكن الاندفاعة التركية إلى جانب أذربيجان لم يمر من دون تحذيرات واضحة من المراقبين الأذريين، الذين خشوا توريط تركيا لبلادهم في صراعات إقليمية تتجاوز حجمها ودورها الجيوسياسي.
إذ نشر الباحث والمحلل راصف حسينوف، وهو مؤسس ومدير مؤسسة "توبشوباشوف" للأبحاث التي مقرها باكو، ورقة سياسات تفصيلية عن الأمر، كتب فيها: "تلتزم أذربيجان منذ سنوات بسياسة التوازن وتنفذها بفعالية، التي كانت تقوم على أساس المساواة (أو تجنب) أي تكتلات سياسية (الاتحاد الأوروبي) أو عسكرية (الناتو ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي). كان الهدف الأساسي للبلاد هو الحفاظ على علاقات إيجابية مع جميع القوى (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا وروسيا وإيران) من دون الوقوف إلى جانب أي منها. لكن يبدو أن الأمور تتغير في أذربيجان، وهو أمر ليس بالضرورة أن يكون دون عواقب".
سكاي نيوز العربية