بيانات وإقالات في المعسكر المقرب من إيران.. ماذا يجري في العراق؟
أول المواقف صدر من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عبر تغريدة في تويتر انتقد فيها "بعض الفصائل" المنضوية تحت مظلة هيئة الحشد الشعبي، واتهمها بالوقوف وراء عمليات الاغتيال والقصف التي تحدث في العراق.
لم تنتظر القوى الأخرى المقربة من إيران كثيرا، لترد بمواقف مشابهة لخطوة الصدر، حيث أعلن ائتلاف الفتح بزعامة هادي العامري رفضه وإدانته "لأي عمل يستهدف البعثات الدبلوماسية"، داعيا "القضاء والأجهزة الامنية إلى الوقوف بحزم وقوة وإنهاء مسلسل الخطف والاغتيالات وإثارة الرعب بين الناس".
وبالتزامن أصدرت هيئة الحشد الشعبي بيانا هي الأخرى تبرأت فيه من "أي عمليات مشبوهة ونشاط عسكري غير قانوني يستهدف مصالح أجنبية أو مدنية".
يشار إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها هيئة الحشد وتحالف الفتح بيانات إدانة لاستهداف البعثات الأجنبية في العراق، بعد نحو عام على تصاعد الهجمات الصاروخية ضد سفارة الولايات المتحدة في بغداد وبعض المعسكرات العراقية التي تضم جنودا أميركيين.
بل أن بعض الفصائل المنضوية تحت هذين التشكيليين، ككتائب حزب الله (هيئة الحشد) وعصائب أهل الحق (الفتح وهيئة الحشد)، كانتا تروجان وتمجدان بالهجمات الصاروخية التي تستهدف المصالح الأميركية في العراق.
لكن ما سر التغيير المفاجئ في المواقف؟
يكشف مصدر مطلع من داخل هيئة الحشد الشعبي عن أن التغيير في مواقف هذه الأطراف "جاء بعد اجتماع عقد مؤخرا بين رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي والقوى الشيعية أبلغهم خلاله أن الولايات المتحدة هددت باعتبار كل من يسكت عن الهجمات التي تستهدف البعثات الدبلوماسية، شريكا بها وستتم محاسبته بشدة".
وأضاف المصدر أن "أطرافا في تحالف الفتح ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض أبدوا مخاوف من احتمال تعرضهم لعقوبات أميركية قاسية، مما سيهدد مصالحهم ويقوض مستقبلهم السياسي".
وتابع أن رئيس الجمهورية برهم صالح أوصل الرسالة ذاتها لهذه الجهات في اجتماع جرى ببغداد أيضا مؤخرا، وفق ما نقل عنه موقع تلفزيون الحرة الذي تموله واشنطن.
وقرر رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، إقالة اثنين من قادة الحشد الشعبي من منصبيهما وتكليف آخرين بدلاً عنهما، دون بيان الأسباب.
جاء ذلك في أمرين إداريين صادرين عن الفياض، وصدر أحدهما بتاريخ 21 أيلول/سبتمبر الجاري وينص على إعفاء وعد القدو من مهام آمر اللواء 30 في الحشد الشعبي وتكليف زين العابدين جميل خضر بدلاً عنه.
وصدر الآمر الآخر بتاريخ 28 آب/أغسطس الماضي، ويتضمن إعفاء حامد الجزائري من مهام آمر اللواء 18 في الحشد وتكليف أحمد محسن مهدي الياسري بدلاً عنه.
و"وعد القدو" الملقب بـ"أبو جعفر" من محافظة نينوى وهو مؤسس اللواء 30 في الحشد، وهو أيضاً ضابط في جهاز الأمن الوطني العراقي.
ويواجه هذا الفصيل من الحشد اتهامات من قبل عشائر سنية في نينوى بارتكاب انتهاكات بحق ابنائها من خلال ايداعهم في سجون سرية وتعذيبهم وفي بعض الأحيان تصفيتهم، وهو ما ينفيه قادة الفصيل.
وحامد الجزائري آمر اللواء 18 في الحشد الشعبي، ونائب قائد "سرايا الخرساني"، يواجه اتهامات من قبل ناشطين في الاحتجاجات الشعبية المناهضة للنخبة السياسية الحاكمة، بقيادة فريق قناصين لتصفية المتظاهرين.
وفي هذا الإطار يؤكد المصدر أن "رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض أقدم على هذه الخطوة في محاولة منه لامتصاص غضب الأميركيين والتقرب منهم".
وأضاف أن "إقالة الجزائري والقدو تمت بالتنسيق مع قادة الفصائل داخل هيئة الحشد وبإيعاز من طهران، من أجل تغيير الوجوه المستفزة في الهيئة وتعيين بدلاء عنهم لكن من نفس الانتماء".
وكشف المصدر، الذي طلب عدم كشف هويته، أن "الشخص الذي خلف الجزائري ويدعى أحمد الياسري، هو ابن عم الأمين العام لسرايا الخراساني علي الياسري".
ويرى مراقبون أن خطوة قادة الفصائل المقربة من طهران هذه لم تجر بعيدا عن إيران التي نددت السبت الماضي بالهجمات ضد البعثات الدبلوماسية في العراق ودعت الحكومة إلى تشديد إجراءاتها الأمنية لمنع تكراراها، كما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إيرنا" عن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة.
ويؤكد المحلل السياسي العراقي رعد هاشم المعلومات أن "الكاظمي وصالح نقلا رسالة من الإدارة الأميركية، وزير الخارجية مايك بومبيو تحديدا، وتضمنت تهديدات برد حازم وربما غلق سفاراتها في بغداد احتجاجا على استمرار الهجمات".
ويضيف أن "هذا التهديد أخاف القوى السياسية الموالية لطهران كثيرا، لأنها يمكن أن تترافق مع عقوبات أميركية ضد شخصيات بارزة"، وفق ما نقل عنه موقع الحرة.
ومع ذلك يشير هاشم إلى أن "هكذا مواقف لم تكن لتصدر بعيدا عن طهران، التي تسيطر على مجمل تحركات ومواقف القوى والفصائل التابعة لها في العراق، وتحركهم أو تجمدهم متى شاءت".
ويعزو هاشم هذه الخطوة من جانب إيران إلى رغبتها في التهدئة مع الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، لعدة أسباب من أبرزها رغبتها في "الحصول على تنازلات في قضية العقوبات المفروضة عليها".