بخطوة استراتيجية ذكية.. مركب العراق يستدير نحو البحر المتوسط
وكتب الباحث مايكل روبن ان زيارة الكاظمي الى واشنطن، بعد زيارته الى طهران، كانت ناجحة بكل المقاييس، وهو أمر استثنائي في ظل وجود الرئيس دونالد ترامب في البيت الابيض، ووقعت خلالها اتفاقيات تعزز استقلالية العراق في مجال الكهرباء، بحسب تقرير للمجلة ترجمته وكالة شفق نيوز.
وراى روبن ان قرار الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الاطاحة بصدام حسين العام 2003، ربما يكون قد اثار جدلا انقساميا في السياسة الخارجية في واشنطن، لكن العراق اليوم هو بلد مختلف كليا، حيث ان 40 في المئة من سكانه ولدوا بعد الغزو.
واشار الى ان محاولة بغداد موازنة علاقتها بين طهران وواشنطن ليس امرا جديدا، مؤكدا ان البلدين ينتهكان سيادة العراق. واضاف انه في حين ان الاميركيين يستخفون بتأثير الاهمية النفسية للاحتلال، فان الايرانيين يستخفون من جهتهم، بالوطنية العراقية. واضاف ان الواقع شديد المرارة، ذلك ان العراقيين لا يمكنهم انتزاع مساحة من اجل حركتهم باستقلالية، سوى عندما تردع ايران والولايات المتحدة بعضهما البعض.
وفي حين ان تحقيق التوازن بين واشنطن وطهران، ليس مثار قلق الكاظمي الوحيد، فان العراق ينزلق احيانا الى الخصومة التي تثار بين ايران ودول في مجلس التعاون الخليجي لأسباب مرتبطة بالجغرافيا والدين والعرق، وذلك منذ ان أطاحت ايران بالنظام الملكي العام 1979. وخلال الحرب العراقية – الايرانية، كل الدول العربية، باستثناء سوريا، وقفت الى جانب صدام حسين، فيما جاء غزو الكويت العام 1990، بدد اي دعم خليجي للعراق، لكنه لم يكن كافيا لإرسال دول الخليج الى الحضن الايراني.
واشار الى انه بعد اسقاط صدام، تغير موقف الخليج. واعتبر ان ربما يكون صدام قد حاول استغلال النزاع مع الكويت لصالحه، الا انه لم يخترعه، مضيفا انه على المستوى الشعبي، فان العديد من العراقيين يعتبرون ان الكويت هي كيان مصطنع اقامه البريطانيون وان ما لديه من النفط يجب ان يكون ملكا للعراقيين.
وتابع ان العديد من دول الخليج بالاضافة الى المكل الاردني عبدالله الثاني، كانوا يرفضون "تقوية الشيعة" في العراق، ولهذا فانهم كانوا يمولون ويحاولون تعزيز التمرد في العراق. واضاف انه بعد ان اعادت الولايات المتحدة السيادة الى مكانها في العراق، فان العديد من الدول العربية رفضت اعادة سفاراتها الى بغداد، متذرعة بتنامي النفوذ الايراني فيها.
واكد روبن ان ذلك الموقف كان "فرصة ضائعة"، لان عرب الخليج كان لديهم اياد أكثر قوة مما يدرك كثيرون. وأوضح ان البصرة تعتبر خليجية من الناحية الثقافية، وان تجارتها كانت تاريخيا اكثر ارتباطا بالخليج مقارنة ببغداد نفسها. كما ان العراقيين بغض النظر عن مذاهبهم، يرفضون البضائع الايرانية الرخيصة التي ساهمت ايضا في تقويض الصناعة العراقية. وتابع "كانوا سيرحبون بالاستثمارات الخليجية". كما ان العراقيين كانوا يقولون ان العراق ما بعد العام 2003، صار ديموقراطيا، واتسعت الفجوة في الثقافة السياسية بين بغداد وبين الانظمة الاوتوقراطية في الخليج.
ووصف روبن الكاظمي بانه "تكنوقراطي ومثقف ايضا. وهو متاثر بالوطنية وبالرغبة الصادقة لاستنهاض العراق على اساس مستقبلية صلبة، اكثر من الاعتبارات الحزبية... وهو يعمل بالنيابة عن الدولة ككل ولا يسمح للمصالح الخارجية بالحد من خياراته.
وباتجاهه نحو كل من مصر والاردن، فان الكاظمي قام بأمرين اثنين: يتخطى الكاظمي كلا من العدوات بين ايران والولايات المتحدة، والخصومات بين ايران ودول الخليج. وعوضا عن ان يكون "كرة قدم سياسية" بين القوى المتصارعة، فان الكاظمي يرفض ببساطة ان يشجع التناحر، ويسعى في المقابل الى ضمان ان يتم تقدير العراق كلاعب متساو، بدل ان يكون كيانا يتم التصارع عليه.
صحيح ان الرئيس السابق حسني مبارك والملك عبدالله الثاني لعبا بالورقة المذهبية، لكن القاهرة وعمان يظهران الان انهما يقبلان فكرة ان العراق ليس دمية لايران ويدركان ان التعاون ينتصر على العرقلة، وان العراق يمكن ان يكون جزءا لا غني عنه في "كتلة اعتدال".
وعلى الرغم من اهمية الاحتمالات الاقتصادية من علاقة العراق مع الولايات المتحدة ودول الخليج، الا ان الشراكة مع مع كل من مصر والاردن، تتيح للكاظمي ان يربط العراق بأسواق اكبر حجما ويضمن ان التجارة بامكانها تبني طبقة وسطى.
وربما بشكل أكثر أهمية من النفط، فان ثروة العراق هي شعبه. مصالح العراقيين يجب الا ان تتوقف عند البحر الابيض المتوسط او بحدود العالم العربي. الوقت يمر، وجيل ما بعد حرب العام 2003، يستعد ليدخل سوق العمل الذي لا يمكنه استيعابهم الان. ويدرك الكاظمي، بحسب روبن، بان اليونان بازمتها المالية، وقبرص التي تعاني من تأثيرات فيروس كورونا على تدمير صناعة السياحة فيها، بدورهما ان يجدا منفعة مشتركة رأس المال البشري في العراق. فالنزعة العدوانية التركية في شرق المتوسط، يخلق ترددا لدى اليونانيين والقبارصة للاستعانة بالعمالة التركية، في حين ان لا قيود مثل هذه امام العراقيين.
ومن الناحية الثقافية، فان القبارصة واليونانيين، يشعرون بالارتياح ازاء العالم العربي. ويقول روبن انه ما من سبب يجعل العراق لا يحاول الا يستفيد من وضع الربح للطرفين. واضاف "مرونة العراق يمكنها ان تكون عاملا منقذا".
shafaaq