هل بامكان العراق اقامة علاقات مع إسرائيل؟
ومن حسن حظ الكاظمي لم يظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب حماسته المفرطة أحيانا، بالإشادة أمامه بالاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي ليحثه على إقامة علاقات مباشرة مع بين بغداد واسرائيل، من دون ان يأخذ بالاعتبار حجم الانقسام الداخلي الحاد السائد في العراق حول هذه القضية.
وفي ما يتعلق بقضية فلسطين، فقد كان العراق دوما رهانا موثوقا يعتد به لدعم الفلسطينيين في مطالبتهم بحقوقهم المشروعة وفق القانون الدولي. ومع ذلك، فان بامكان العراق ان يتموضع في مكان مريح له سياسيا، يقيه من احتمالات الاحراج الاميركي له، اذا تسلح بمبادرة السلام العربية التي رعتها المملكة العربية السعودية وتمكن من تحقيق إجماع عربي عليها خلال القمة العربية في بيروت العام 2002، والتي تنص على مبدأ مبادلة الأرض بالسلام، وبمعنى آخر، تعيد اسرائيل الاراضي التي احتلتها منذ العام 1967 في الضفة الغربية الى الفلسطينيين، وتساهم في معالجة قضية اللاجئين الفلسطينيين، فتفتح لها أبواب العواصم العربية في مسارات تطبيع جماعية.
وحتى مع وجود أصوات سياسية داخل العراق تنادي بالتطبيع مع اسرائيل، فان بامكان الحكومة في بغداد ان تتخلص من حرجها السياسي المحتمل، بالتذكير بأن المملكة السعودية أعادت في 19 آب/أغسطس 2020 تمسكها بمبادرة السلام العربية باعتبارها الطريق الأمثل لتحقيق السلام في المنطقة، على الرغم من ان شقيقتها دولة الإمارات العربية المتحدة باشرت بالفعل السير بخطوات التطبيع مع اسرائيل.
وعلى الرغم من ان مصر والاردن سبقتا الدول العربية بإبرام اتفاقيات سلام مع اسرائيل، الا ان التطبيع على المستوى الشعبي ما زال يواجه رفضا عاما. كما أثير احتمال ان تكون السودان الدولة التالية التي توقع اتفاقا مع اسرائيل وفق تكهنات اسرائيلية، عززها تصريح للمتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية حيدر بدوي أشاد بخطوة الامارات "الشجاعة، مضيفا "لا أستطيع نفى وجود اتصالات بين السودان واسرائيل". لكن بيانا صدر عن وزارة الخارجية السودانية بعدها بساعات اعلن اقالة المتحدث حيدر بدوي.
وفي هذه الأجواء، تعالت عدة أصوات داخل العراق تنادي بحذو حذو الامارات في التطبيع مع إسرائيل. وقال رئيس حزب المستقبل الدستوري العراقي انتفاض قنبر، لوكالة شفق نيوز ان "العراق والعراقيين، فعلاً بحاجة الى اتفاقية سلام مع إسرائيل، على غرار ما قامت به دولة الإمارات، خصوصاً ان هذا الأمر فيه مصلحة العراق والعراقيين، فهذا الأمر يدفع الى تقدم العراق في الكثير من المجالات، خصوصاً الاقتصادية والأمنية".
لكن قنبر اعتبر ان "العراق، قبل اتخاذ هكذا خطوة، يجب تحريره من النفوذ الايراني، الذي يتحكم في سياسة الدولة العراقية الخارجية، والذي يسعى هذا النفوذ ان يستخدم العراق والعراقيين، كأسلحة حرب بيده ضد عدد من الدول، ومن بينها اسرائيل".
وأضاف ان "غالبية الشعب العراقي، مع اتفاقية سلام مع إسرائيل، فهذا الشعب يحب الحياة، ويريد العيش حاله كحال الشعوب الاخرى، وخصوصاً دولة الامارات، ولهذا العراق بحاجة الى عقد اتفاق سلام مع كافة دول العالم وليس اسرائيل فقط، لكن هذا الامر يتطلب جهدا كبيرا حتى يتم الخلاص من الاحتلال الايراني للدولة العراقية، وقراراتها المهمة والمصيرية".
وكان زعيم حزب الأمة العراقية السابق، مثال الآلوسي، كان من أوائل من دعوا الحكومة العراقية إلى التطبيع مع إسرائيل، وقال لوكالة شفق نيوز، إن "العراق بحاجة إلى الخروج من معسكر الحروب والتطرف والأوهام، وهو بحاجة لبناء علاقات مستقرة مع كافة دول العالم"، مردفاً "لهذا العراق بحاجة الى اتفاقية سلام مع إسرائيل، على غرار الإمارات".
وأشار الألوسي أن هناك تواصلاً غير رسمي بين بعض الشخصيات السياسية العراقية وإسرائيل، لكن "تحكم إيران بالمشهد السياسي العراقي، يحول دون مزيد من التطور"، معتبرا انه "لو كان السياسيون العراقيون لا يخافون من إيران، وطهران لا تتحكم في قراراتهم، لكان العراق قد سبق الإمارات في عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل".
ولا يبدو ان قضية التطبيع تحظى باجماع داخل العراق. فقد قال القيادي في تحالف الفتح سعد السعدي، لشفق نيوز، ان "الدستور العراقي، واضح بمنع اقامة اي علاقات او عقد اي اتفاقات وتواصل مع اسرائيل، فلا يمكن بل من المستحيل عقد اي اتفاق مع هذا الكيان الغاصب".
وبين السعدي انه "غير المستبعد سعي بعض دول الخليج، والولايات المتحدة الأمريكية، الى ضم العراق، ضمن الدول التي تسعى الى التطبيع مع اسرائيل، لكن هذا الأمر لن يحصل مهما فعلت تلك الدول، فالقوى السياسية والشعبية، لن تسمح لذلك مهما كان السبب والدوافع".
وشدد اننا "لن نسمح بان يكون العراق مؤيدا لهكذا عمليات تطبيع، فكيف نسمح ان يكون جزء منها، كما الحكومة العراقية، مطالبة بموقف صريح وعلني مع عملية التطبيع بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية، فالدستور العراقي، واضح ويمنع اقامة اي علاقات واتصالات مع الكيان الصهيوني، لكن الحكومة، حتى اللحظة، بلا موقف رسمي".
ويعزز موقف السعدي ما قاله أيضا رئيس كتلة الجماعة الإسلامية الكوردستانية النيابية سليم همزة، لوكالة شفق نيوز، بان "التعامل مع اليهود كفئة دينية، أمر طبيعي، فاليهود شيء والكيان الصهيوني شيء اخر، فإن اليهود موجودون في إيران والعراق وتركيا والكثير من الدول، كباقي الاديان الاخرى".
وعلى الرغم من ان همزة أشار الى ان "الكثير من الدول العربية والاسلامية المحيطة بإسرائيل، لديهم علاقة جيدة، معهم دون العلن ولديهم نوع من التعامل والتواصل مع إسرائيل"، الا انه اضاف ان "الكيان الصهيوني، يقتل ليل ونهار الشعب الفلسطيني والمسلمين، ومسبب لكثير من المشاكل، ولا يمكن تطبيع العلاقات معه، دون تراجع عن مواقف الحالية وان يرجع الارض المحتلة الى فلسطين.. التطبيع امر مرفوض".
وتابع رئيس كتلة الجماعة الإسلامية الكوردستانية النيابية ان "التطبيع أمر طبيعي مع كل الدول، لكن هذا التطبيع يجب ان يكون وفق شروط، والتصالح بين الدول أمر طبيعي أيضا، لكن هذا التصالح يجب ان يكون مبني على المصلحة العليا للبلدان".
ومن جهته، قال القيادي في جبهة الانقاذ والتنمية العراقية، أثيل النجيفي، لوكالة شفق نيوز ان "التطبيع مع اسرائيل مضر للعراق اكثر مما هو نافع، لعدة أسباب، منها ان الدول التي طبعت العلاقة مع إسرائيل، سواء كانت مصر او الاردن، كانت في حالة حرب مباشرة مع إسرائيل، ولهذا هي كانت بحاجة الى مغادرة حالة الحرب، كما هي كانت تحتاج دعم الولايات المتحدة الامريكية، لغرض تسليح الجيش، وغيرها".
وبين النجيفي، اننا "في العراق، ليس لدينا اي مصلحة مباشرة لتطبيع العلاقة مع إسرائيل، بل على العكس، فهذا التطبيع يتسبب في اثارة مشاكل داخلية كبيرة في العراق".
وحذر القيادي في جبهة الانقاذ والتنمية العراقية ان "هذا التطبيع سوف يسبب عملية انشقاق كبيرة في الوضع العراقي، بين السلطة والشعب، والحكومة العراقية في غنى من احداث هكذا أزمات، خصوصاً بهذا الوقت، ولهذا التطبيع سيكون له ضرر كبير على العراق والعراقيين".
شفق نيوز