بغداد والإقليم يواجهان عدواً مشتركاً بعد أعوام من العزلة
ولقد مشى كل طرف خطوة من جهته باتجاه الآخر ليحصل هذا التلاقي المثمر. فمن تأييد الكورد في البرلمان العراقي لترشيح الكاظمي لرئاسة الحكومة، الى الوفود السياسية والعسكرية التي توالت من اربيل الى بغداد لتعزيز التنسيق وترتيب المصالح، الى زيارة رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني في حزيران/يونيو الماضي الى بغداد للقاء الكاظمي، واتفاقهما بحسب البيان الرسمي الصادر وقتها على أهمية التعاون والتكاتف الوطني من أجل تجاوز التحديات الراهنة، واتفاقهما على أن التحديات التي يواجهها العراق تتطلب تعاون الجميع للتصدي لها والعبور بالبلد باتجاه الطريق الصحيح الذي يمضي به، من أجل بناء عراق آمن ومستقر وموحد.
وبعد ذلك بيومين، أعلن رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني وتحديدا في 22 حزيران/يونيو، استعداد حكومته لحل الخلافات "جذريا" مع بغداد، ما شكل جرعة دعم إضافية للكاظمي بعيد انتخابه بأيام.
وكان لابد لهذا التفاهم السياسي الواضح أن يبدأ في التمظهر ميدانيا، ذلك ان المرحلة الفاصلة ما بين الشهور الاخيرة من عهد حكومة عادل عبدالمهدي وتشكل حكومة الكاظمي، كانت عصابات داعش تسجل تصعيدا في عملياتها واعتداءاتها مستفيدة من الفراغات الامنية التي خلفها غياب التعاون ما بين القوات العراقية والبيشمركة خصوصا في المناطق الحدودية للاقليم.
وأظهرت الإحصاءات والتقديرات الأمنية أن عدد الاعتداءات تزايد بشكل لافت، وكذلك عدد ضحايا هذه الجرائم الداعشية من المدنيين في المدن والقرى والمزارع التي تقع على حدود ما يسمى المناطق المتنازع عليها. وميدانيا، يبدو ان الدواعش استغلوا المنطقة الخالية من أي تواجد عسكري للقوات العراقية والبيشمركة والتي تمتد على عمق 10 كيلومترات في بعض المناطق ضمن الحدود الفاصلة بين الإقليم ومحافظات ديالى (شرقا) وكركوك ونينوى (شمالا).
إذا كان لا بد من العمل. وبالتالي، فان مشاركة قوات البيشمركة المكلفة بحسب الدستور العراقي حماية حدود الإقليم، في العملية العسكرية المشتركة مع القوات الاتحادية، تأتي في سياق منطقي وطبيعي، ولا غنى عنه، وهي أساسا جاءت تتويجا لأسابيع طويلة من المفاوضات والتنسيق بين وزارة الدفاع العراقية وبين البيشمركة، بهدف تشكيل مراكز تنسيق مشتركة للتصدي لفلول داعش التي تعتدي على المدنيين الآمنين والقوات الامنية.
وكشف النائب كتلة الاتحاد الوطني الكوردستاني النيابية ديلان غفور لوكالة شفق نيوز، عن تحرك لتشكيل غرفة عمليات مشتركة بين الأمن العراقي والبيشمركة، موضحا ان "قوات البيشمركة ضمن المنظومة العسكرية والأمنية في العراق، وبأي وقت تكون الحكومة العراقية بحاجة إلى تواجد أو تحرك لهذه القوات، فإنها ستكون حاضرة بخاصة في المناطق التي تشهد توتراً امنياً من دون تردد".
لا بل ان جهاز مكافحة الإرهاب في الجيش العراقي أعلن في 13 تموز/يوليو الحالي، عن تنسيق أمني واستخباراتي عالي المستوى بين قواته وقوات البيشمركة خلال المرحلة الرابعة من الحملة الحالية المسماة "أبطال العراق" لملاحقة داعش في محافظة ديالى.
وكانت أولى مراحل حملة "أبطال العراق" بدأت في شباط/فبراير الماضي، أي في عهد حكومة عبدالمهدي، بعدما تصاعدت هجمات الدواعش في المناطق ما بين كركوك وصلاح الدين (شمال) وديالى (شرق)، المعروفة باسم "مثلث الموت".
لكنها المرة الأولى الآن أي في المرحلة الرابعة التي ينسق في الجيش العراقي مع قوات البيشمركة منذ توترت العلاقات بين اربيل وبغداد في العام 2017 في أعقاب استفتاء الاستقلال في إقليم كوردستان.
واعلن جهاز مكافحة الإرهاب العراقي في بيان ورد لوكالة شفق نيوز، أن عملية أبطال العراق في مرحلتها الرابعة شهدت تعاونا وتنسيقا أمنيا استخباريا عاليا بين قوات جهاز مكافحة الإرهاب وقوات مكافحة الإرهاب في إقليم كوردستان أثناء تعقب فلول داعـش في محافظة ديالى، مشيرا الى "هذا التنسيق جاء ضمن الإستراتيجية الجديدة المتبعة لجهاز مكافحة الإرهاب في ضرورة توحيد الجهد الأمني من أجل تضييق الخناق على عصابات داعش وتسهيل عملية رصدهم وتعقبهم".
ومن البديهي القول انه لولا هذا التنسيق لما اعطى نتائج مؤثرة، ذلك ان عصابات داعش أظهرت نجاحا لافتا منذ إعلان هزيمتها قبل ثلاثة أعوام، في التسلل الى الملاذات الامنة والفراغات الامنية والتستر خلف السكان المدنيين وتجنيد الشبان وتنظيم شبكات عملياتها المختلفة من المراقبة وجمع المعلومات وترهيب السكان، وصولا الى تنفيذ الهجمات.
ولهذا كان من السهل على هذه العصابات اعادة الانتشار والتخفي لو ان العمليات العسكرية ضدها كانت تتم من جهة واحدة من الحدود، في حين ان التحرك المشترك، سيقلص مساحات الانسحاب والاختباء المتاحة لها، وسيكون بمثابة كماشة عسكرية تطبق على أماكن اختبائها.
وكان الجيش العراقي أعلن السبت الماضي، انطلاق عمليات "ابطال العراق / المرحلة الرابعة" على الشريط الحدودي مع ايران في مناطق تفصل بين القوات الاتحادية والبيشمركة. وللتأكيد على اهمية العملية زار الكاظمي أحد مواقع العمليات العسكرية في ديالى.
وقال نائب قائد العمليات المشتركة الفريق الركن عبد الامير كامل الشمري، في بيان ورد إلى وكالة شفق نيوز، "انطلقت عمليات ابطال العراق/المرحلة الرابعة، لملاحقة بقايا الإرهاب وفرض الامن والاستقرار في محافظة ديالى مع تطهير وتفتيش الشريط الحدودي مع الجمهورية الاسلامية الايرانية والدخول بعمليات خاصة ضمن المناطق التي استغلتها عناصر داعش للتواجد وتنفيذ عملياتها الإرهابية وهي المناطق الفاصلة بين القوات الاتحادية وقوات البيشمركة".
وأكد الشمري، أن هذه العمليات انطلقت "بتوجيه مِن رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، وبإشراف قيادة العمليات المشتركة"ن مضيفا انها "تستهدف في هذه المرحلة مساحة واسعة تقدر 17685كم2 وتشترك فيها قوات مِن (قيادة القوات البرية، قيادة عمليات ديالى، قيادة عمليات صلاح الدين، قيادة عمليات سامراء، قيادة قوات الشرطة الاتحادية، قوات الرد السريع، قوات الحشد الشعبي، لوائين مِن القوات الخاصة، اللواء الثامن قوات الحدود، جهاز مكافحة الارهاب / قيادة العمليات الخاصة الثانية، فوج مكافحة الارهاب مِن السليمانية، قيادة شرطة محافظة ديالى، وباسناد مِن طيران الجيش والقوة الجوية وطيران التحالف الدولي".
وذكرت قيادة العمليات المشتركة في بيان، أن "قوات الرد السريع والحشد الشعبي دخلت منفذي (مندلي والمنذرية) الحدوديين وفرضت السيطرة عليهما بشكل كامل وتفتيشهما"، مشيرة إلى "تخصيص قوات نخبة لمسكهما بشكل دائم لمكافحة الفساد والقضاء عليه وتطبيق الإجراءات بانسيابية ووفقاً للقانون، وفرض هيبة الدولة".
وفي سياق مواز، قال النائب عن محافظة ديالى شيركو ميرويس لوكالة شفق نيوز، "في الوقت الذي نرحب فيه ونؤيد عمليات ابطال العراق الرابعة في أطراف مناطق خانقين والطوز وآمرلي وأطراف نينوى، إلا أن خطر داعش مازال قائما بسبب الفراغات الامنية في المناطق المتنازع عليها والممتدة من حدود نينوى الى اطراف ديالى والتي مازالت ملاذات وبؤر لعناصر داعش".
ورأى ميرويس أن "العمليات الامنية من جانب واحد غير مجدية وتحتاج إلى تنسيق أمني واستخباري بين البيشمركة والجيش العراقي لإنهاء وجود الحواضن والاوكار الارهابية في أغلب المناطق المتنازع عليها والتي مازالت تعاني توتراً امنياً وعمليات إرهابية مستمرة".
وفي الخلاصة، فإن الخطر الداهم الذي يشكله تنظيم داعش على حياة السكان في الإقليم وبقية المحافظات العراقية، يتطلب هجوما كعملية "ابطال العراق"، بل الى عمليات متسلسلة كهذه، طالما تتم بالتنسيق العالي المستوى بين اربيل وبغداد لانها تؤتي بثمار أهم، ويفترض بها أن تشكل انموذجا ايجابيا لما يمكن للتقارب بين الطرفين ان يجني لهما من نجاحات، تتعدى السياسة، الى الاقتصاد والامن ومعيشة مكونات العراق كافة.
لكن من المهم أيضا الالتفات الى حقيقة لا مفر منها، وهي ان عصابات داعش، برغم قطع العديد من شرايينها الخارجية، الا انها لا تتغذى فقط على عناصر قوتها الداخلية، وما زالت تستمد الكثير منه من محيطها الاقليمي، وهو عامل لا يمكن للقوات العراقية والبيشمركة الا تأخذه بعين الاعتبار في اي عمل عسكري مشترك آخر في المستقبل.
شفق نيوز