بعد 3 سنوات من التحرير .. الموصل مدمرة تحت وطأة الخراب
ففي مساء العاشر من تموز 2017 أعلن رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي انتهاء العمليات العسكرية وتحرير الموصل بشكل كامل من قبضة تنظيم داعش.
لكن أهالي المدينة المحررة، والذين انتظروا ساعة النصر بشغف، لم يكونوا يتوقعوا أن يكون حال مدينتهم أسوأ مما كانت عليه خلال سيطرة داعش وقبلها، فما تزال أجزاء كبيرة منها تحت وطأة الخراب والدمار وانتشار مخلفات الحرب فى الأزقة والشوارع وسط بطء فى عملية إعادة إعمارها.
دمار هائل ..
ووفقاً لتقارير أممية وعراقية، فإن 12 ألف وحدة سكنية دُمرت وتضررت من أصل 12 ألفًا و500 وحدة في المنطقة القديمة الأكثر تضرراً في مدينة الموصل، ولا يزال غالبية سكان تلك المناطق لا يستطعيون العودة إلى منازلهم؛ لأنها تفتقر لأبسط مستلزمات الحياة.
ولم تشرع حكومة بغداد بشكل رسمى خلال السنوات الثلاث الماضية بإعادة إعمار الموصل، وما وجد من إصلاحات فهي جهود ذاتية من السكان والمنظمات الإنسانية، واقتصرت جهود الحكومة على رفع الأنقاض وتنظيف بعض الشوارع وإعادة إعماربعض الدوائر الحكومية، بصفقات لم تخلُ من شبهات الفساد، فكانت محل انتقاد من طرف الناشطين المدنيين والمواطنين، وصل إلى حد اتهامها بتعمد إهمال المدينة وخاصة المدينة القديمة.
العراق بحاجة 48 تريليون دينار لاعادة إعمار المدن وتحسين الخدمات ...
عضو مجلس النواب عن نينوى شيروان دوبرداني دعا في بيان إلى تسريع عمليات البناء والإعمار وتعويض المتضررين وإعادة نازحي نينوى في ذكرى تحرير الموصل.
وقال دوبرداني: «في الوقت الذي نبارك للعراقيين وأبناء نينوى الموصليين خصوصا، بمناسبة حلول الذكرى الثالثة لتحرير الموصل من سيطرة عصابات داعش الإجرامية، فإننا نؤكد على ضرورة تسريع عمليات البناء والإعمار وتعويض المتضررين وإعادة نازحي نينوى».
وأوضح دوبرداني، أن «آلآف الضحايا لم يتم تعويضهم حتى الآن، وكذلك لم يتم إعادة إعمار سوى جسرين من أصل خمسة جسور في الموصل، وكذلك الدمار والخراب الذي لحق بتسعة مستشفيات وعشرات المراكز الصحية»، مشيراً إلى أن «عشرات الآلاف من منازل المواطنين والتي دمرت بالكامل أو التي تضررت جزئياً لم يتم إعادة بنائها ولا تعويض أهلها. وأيضا عدم إعمار وتأهيل محطات الكهرباء والماء والعشرات من دور العبادة ولم يتم إعادة إعمار إلا القليل منها وذلك بجهود الأهالي، فضلاً عن أن مئات المدارس لم يتم ترميم إلا عدد منها، ناهيك عن آلاف العائلات النازحة والمفقودين من أبناء نينوى من بينهم الإخوة الإيزيديين».
مزايدات وصفقات فساد
ويقول عضو مجلس محافظة نينوى المنحل حسام الدين العبار في تصريح ، إنه «في الوقت الذي نحتفل فيه بهذه المناسبة فإننا نستغرب بطء الإجراءات الحكومية في ملفات استقرار المدينة، كملف الإعمار والصحة والتعويضات والنازحين وضعف التخصيصات للدوائر الخدمية وهي ملفات من شانها أن تعيد الحياة والاستقرار إلى المدينة».
ودعا العبار، الحكومة العراقية والمجتمع الدولي إلى تنفيذ التزاماتهم تجاه الموصل، والإسراع بحسم الملفات العالقة، وأن لاتكون تلك الملفات خاضعة للمزايدات السياسية وصفقات الفساد، لأنها تمس حياة المواطن بالدرجة الأولى.
ومازال الآلاف من أهالي نينوى يعيشون في مخيمات النزوح بسبب سيطرة المليشيات على بعض مناطقها ومنع عودة الأهالي إليها.
وتعمل هذه المليشيات في مناطق المدينة على أخذ الإتاوات من السكان، وممارسة الاعتقال والاختطاف والابتزاز خارج إطار القانون، مما تسبب في تعطيل الحركة الاقتصادية وأثر بشكل كبير على النواحي الأمنية والمعيشية للمواطنين.
«لم تكن معركة تحرير» ..
الصحفي الموصلي محمود الجماس، وكان مشاركاً في تغطية العمليات العسكرية لتحرير الموصل، قال إن «ماحدث في الجانب الأيمن لم يكن معركة تحرير وكل من يغضب من هذا الكلام ليجد جداراً يضرب به رأسه»، حسب تعبيره.
وأضاف، أن «آخر الأحياء الغربية أصبحت منطقة قتل وسقط فيها المئات الشهداء من العسكريين وآلاف الشهداء من المدنيين بسبب السياسة الخاطئة وتعمد تطويق الجزء الغربي للمدينة وعدم ترك مجال لهم للهروب باتجاه سوريا، وحدثت مذبحة بسبب ذلك».
بالصور.. عراقيون يعيشون على أطلال مدينة الموصل القديمة - اليوم السابع
وتابع «لقد كان هناك استخدام مفرط للعنف والقوة والقصف الجوي والصواريخ العمياء وبقي مئات المدنيين تحت الأنقاض، كانوا ينتظرون الحرية ولكنهم حصلوا عليها من رب كريم».
وأكد أن المدينة وبعد التحرير غرقت في التهميش والإهمال والفساد وبقيت العوائل بلا حقوق، فيما بقي المتضررون دون تعويض، وأشار إلى معركة الموصل كشفت حقيقة الطائفيين وعلم العراقيين من باعها وخانها وغدر بأهلها.
وبذكرى استعادة الموصل الثالثة، دعا رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، إلى إعادة النازحين وتعويض المتضررين وإعمار المناطق المحررة.
وذكّر الحلبوسي ببطولات العراقيين الشجعان من كلِّ تشكيلات القوات المسلحة من الجيش والشرطة والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب والحشدين الشعبي والعشائري والبيشمركة والمدنيين.
وأكد الحلبوسي، أهمية إسراع الحكومة في إعادة النازحين والبدء ببرامج الإعمار الضرورية، وتعويض المتضررين من أبناء نينوى وجميع المدن المحررة، وكشف مصير المغيبين من أبنائها، ولزوم منح عوائل الشهداء والجرحى من أبناء العراق حقوقهم القانونية الكاملة، وضمان العيش الكريم لهم.
أين الإعمار؟
الباحث والكاتب إياد العناز قال ، إنه «عندما نريد أن نحتفل بمناسبة وذكرى إنما نستحضر الإمكانيات والمشاريع التنموية والإنجازات الحضارية والخدمات الواسعة التي قدمت خلال الفترة التي سبقت الاحتفال بهذه المناسبة أو تلك، غير أن حكومة بغداد بقت هي وجميع وزاراتها ومؤسساتها الخدمية عاجزة عن تقديم العون لأهالي المدينة ولم تسمو وترتقي لهذه المعاني الكبيرة ولم يسعفها العمل بالقليل من الجهد الميداني لإعادة الحياة للمدينة».
وأضاف الباحث والكاتب الذي ينحدر من مدينة الموصل «لا زالت معالم أحياء الموصل وأزقتها التي خالطها دخان القصف الجوي والمدفعي وغبار المواجهات العسكرية بعد أن كان عبق رائحتها الرياحين والياسمين والانتماء الحضاري لحضارة امتدت لأكثر من 6000 سنة قبل الميلاد تشهد حالة الدمار وعدم البناء والإعمار».
ودعا العناز إلى أن تكون حكومة بغداد «أكثر إنصافاً وعدلا وهي تعلن بدء مراحل إعمار مدينة الرماح، لا تزال المدينة الأصلية (الساحل الأيمن) تشهد وجود ملايين الأطنان من الأنقاض لم ترفع لحد الأن، وهي مخلفات ونتائج المواجهات العسكرية، ولم تستطع دوائر الخدمات العامة من إكمال وإصلاح شبكات المياه والكهرباء ومد الخطوط لإعادة الحياة لها ولو بالكميات المتاحة، ولا زالت المدينة القديمة تشكو افتقارها للمشاريع الخدمية التي من شأنها العمل بجدية لإنصاف أهلها وإعادة الأمل لهم، ولا زال الأهالي النازحين بسبب الهدم والتحطيم الذي طال منازلهم يتواجدون في مخيمات النازحين والتي تحوي أكثر من 450 ألف نسمة من أهالي محافظة نينوى، لم يتم إعادتهم لمناطق سكناهم بسبب عدم وجود أي بادرة أمل لهؤلاء الأهالي في العودة لدورهم المهدمة بعد أن تمكن القصف الجوي والمواجهات الميدانية والعسكرية من تدمير 10 لأف وحدة سكنية وتهديم 23 حياً سكنياً».
بعض التفاؤل .. ولكن
ويحاول الإعلامي حسان كلاوي أن يبدي نوعا من التفاؤل في المرحلة المقبلة، لكنه يؤكد أن الوضع الذي تعيشه الموصل بعد التحرير لا يبشر بخير.
وقال كلاوي في تصريح إن «الموصل تعيش منذ التحرير حالة من الخراب والدمار فيما كان تعامل الجهات الحكومية في ملفات الإعمار غائبا بشكل كامل».
أهالي الموصل ينتظرون نهوض الجامع النوري من رماد حرب داعش – مركز ...
وأضاف، أن «ما نشهده اليوم من إعمار في الموصل يرجع لجهود الأهالي والمنظمات الدولية فقط، بينما موقف الحكومة العراقية من ملف الإعمار سلبي للغاية»، مبينا أن سوء تخطيط الحكومة المحلية في الموصل والفساد والمحاصصة زادت من وضع المدينة سوءاً بعد استعادتها من سيطرة داعش الإرهابي.
ومع تصاعد أزمة «كورونا» في العراق، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، والتخبط الحكومي واستشراء الفساد والمحاصصة فإن الآمال بإعادة بناء الموصل وإنصاف أهلها ستبقى معلقة حتى إشعار آخر، بينما تتجه عيون الموصليين صوب جهود ومساعدات دولية لإعادة الإعمار، علها لا تخذلهم كما الحكومات العراقية المتعاقبة.
باسنيوز