عودة داعش عراقيا.. لماذا بغداد بحاجة لكوردستان أكثر من أي وقت مضى؟
خلال الاسابيع الماضية، نفذت سلسلة من الهجمات والاعتداءات في مناطق ديالى، صلاح الدين، الانبار، نينوى بالاضافة الى كركوك، في استغلال واضح من جانب داعش لا لوباء كورونا فحسب، وانما أيضا ل"الفجوة الامنية" التي خلفها غياب بغداد عن التنسيق العسكري مع البيشمركة في المناطق المتنازع عليها. بحسب مسؤولين امنيين وخبراء.
نقل عن رئيس اركان قوات البيشمركة الفريق جمال امينكي دعوته الى تنسيق شامل وكامل بين القوات العراقية والبيشمركة بعد تزايد الهجمات الارهابية خصوصا في المناطق "المتنازع عليها.
وترسم القراءات والمعلومات ملامح حركة الارهابيين ونشاطهم في مناطق شمال ووسط وغرب العراق مستفيدة من مجموعة عوامل، من بينها بالاضافة الى "الفجوة الأمنية" بين بغداد وكوردستان، تراجع عديد قوات الامن والجيش في ظل اجراءات الوقاية من وباء كورونا، بالاضافة الى عمليات اعادة التموضع العسكري الاميركي التي تمت خلال الشهور الماضية والتي تضمنت انسحابات من مناطق نينوى وكركوك، وهي كلها عوامل اتاحت لزعيم داعش ابو ابراهيم القرشي المبادرة الى اظهار فعالية قيادته.
ومنذ اغتيال ابوبكر البغدادي في 26 تشرين الاول 2019، اثيرت تساؤلات عما اذا كان خليفته ابو ابراهيم القرشي سيكون قادرا، مع اندحار معاقل الارهابيين الكبيرة في العراق وسوريا، ومقتل العديد من قادته البارزين، على اعادة لمملمة صفوف مسلحيه والعودة الى المبادرة ارهابيا، خصوصا خلال شهر رمضان الذي يشكل مناسبة عقائدية لاتباع التنظيم للتأكيد على حضورهم ميدانيا وارتكاب جرائمهم.
ويبدو التعاون بين اربيل وبغداد في هذا المضمار أكثر من ملح. التقارير تتحدث عن عمليات اكثر تنظيما، وعن قدرات اكثر تطورا، وعن تزايد في عدد اتباعهم والمتواطئين معهم، ويستدل على ذلك من خلال قدرتهم على جمع معلومات امنية وميدانية في مناطق واسعة. تنقل وكالة "اسوشيتدبرس" الاميركية عن ضابط في البيشمركة قوله ان مسلحي الارهابيين يحظون بالمأوى والطعام والنقل من متعاطفين محليين معهم، بالاضافة الى متعاونين معهم
وعلى الرغم من تأكيد رئيس اركان قوات البيشمركة ان الظروف التي اتاحت لداعش في العام 2014 السيطرة الواسعة على الارض، غير متوفرة حاليا، الا ان ذلك لا يقلل من اهمية تفعيل التواصل والعمل العسكري الميداني بين بغداد واربيل في الايام المقبلة لان التنظيم الارهابي، لم يظهر في سلوكه في الماضي، توجهات نحو تهدئة او رأفة لا بحياة المواطنين من العراق الى كوردستان وصولا الى سوريا ولبنان، ولا تهدئة في نشاطه الميداني ضد قوات الامن والجيش اينما كانت.
وحسنا فعلت حكومتا كوردستان وبغداد بالاتفاق على عقد اجتماع عسكري حيث سيزور وفد عسكري عراقي بقيادة الفريق عبدالأمير يار الله اربيل لبحث التعاون مع قوات البيشمركة في مواجهة داعش، بحسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية التي اشارت ايضا الى ان كبار المسؤولين في كوردستان والبيشمركة اطلقوا نداءات تحذير متكررة لكل من حكومة العراق والمجتمع الدولي، من احتمالات تصاعد خطر داعش واستمراره في تنفيذ الهجمات.
وفي بال المسؤولين الكورد بالتأكيد الهجوم الدموي الواسع الذي شنه داعش في 9 نيسان الماضي على عدة مواقع للجيش السوري، من محافظة حمص صعودا باتجاه محافظة دير الزور في الشرق، على الحدود مع العراق، ما أجبر الجيش على الاستعانة بسلاح الجو الروسي لدرء الغزوة التي تسببت في توقف انتاج حقول للغاز وتعطل امدادات مناطق واسعة في سوراي بالكهرباء.
وحول مخاطر استغلال داعش "الفجوة الامنية" في المناطق "المتنازع عليها" مع تخفيف عديد القوات الاميركية، تنقل "اسوشيتدبرس" عن نائب رئيس وزراء إقليم كوردستان قوباد طالباني قوله "انه تهديد حقيقي. انهم يتحركون ويقتلوننا في الشمال وسيبدأون بضرب بغداد قريبا"، مؤكدا ان داعش تستفيد من "الفراغ" بين البيشمركة والقوات العراقية والذي تتسبب به النزاعات السياسية.
ويخشى مسؤولو الاجهزة الامنية في العراق من ان مئات المقاتلين الذين فروا من السجون في سوريا خلال هجوم القوات التركية على المناطق الكوردية في الشمال السورية، تمكنوا من التسلل الى داخل العراق، ما سيساعد في تأجيج نيران هجماتهم الدموية مثلما يحدث حاليا.
وسبق لوزارة الدفاع الاميركية ان اعلنت، انه لا يزال لداعش ما بين 14 و18 الف عنصر نشط في العراق وسوريا. وتعتبر المسؤولة السابقة في البنتاغون دانا ستراول انه "كما ان مقتل اسامة بن لادن لم يؤد الى نهاية تنظيم القاعدة، اتوقع الا يكون التخلص من البغدادي نهاية لداعش".
ونقلت "اسوشيتدبرس" عن مسؤول استخباراتي عراقي رفيع المستوى قوله انه "قبل ظهور الفيروس وقبل بدء الانسحاب الاميركي، كانت الهجمات طفيفة، وتعد عملية واحدة اسبوعيا" بينما وصلت الان الى معدل 20 عملية شهريا.
وطبقا لمسؤولين كورد، فقد سبق للبيشمركة ان توصلت الى اتفاقات مشتركة لتعزيز التعاون مع القوات العراقية، لكنها لم تطبق حتى الان.
وبانتظار اظهار بغداد المزيد من المرونة في التعامل مع ملف التنسيق العسكري مع اربيل لمواجة خطر داعش بشكل مشترك، تظهر هذه المعطيات الميدانية ان احكام الخناق حول فلول داعش المتزايدة، قد يكون أمرا عسيرا ما لم يجر التعامل مع هذا الخطر بشكل اقليمي أوسع، اذ قدرة داعش على التسلل عبر الحدود بين العراق وسوريا ذهابا وايابا، سيجعل من شبه المستحيل الاجهاز عليه بالكامل.
وفي هذه الاثناء، وبسبب اشكاليات الوجود العسكري الاميركي في شرق الفرات في سوريا بغياب التنسيق بينها وبين دمشق، فان ذلك يجعل الحدود العراقية -السورية اكثر تفلتا، لكنه في المقابل، يجعل التفاهمات الامنية الثلاثية الطابع على خط بغداد-اربيل-دمشق، أكثر الحاحا من اي وقت مضى لسد هذه الفجوات، تماما كفجوات "المناطق المتنازع عليها" بين كوردستان والعراق.
وبخلاف هذه المعادلات المتعددة، ربما يكون ابو ابراهيم القرشي سيد ساحات الكراهية الطائفية في المقبل من الاسابيع متسللا عبر "فجوات" الخلافات والنزاعات وسوء التقدير.
shafaaq