هذا هو بدل رفو الأديب الرحالة الكوردي وسفير كوردستان إلى العالم
بدل مفاجأة العصر ، مباغتة ، ظاهرة كونية جديدة. فاجئنا باحيائه نوعا من الادب دفنت محفوظة في مخيلتنا فقط . اطلعنا على هذا الصنف من الأدب في بطون التأريخ وفي سفر المعارف التي احتلت حيزا من مكتباتنا لا يستهان به.
بدل رفو هو السندباد الكوردي ، ابن بطوطة زمانه ، ويمكن اضافته الى سجل الرحالة كماركو بولو وداروين رغم التباين فيما بينهم.
بدل رفو اتخذ من الرحلات وسيلة وغاية في نفس الوقت : وسيلة لاشباع نهمه في اقتناء المعرفة والتطلع على عادات وتقاليد وجغرافية وتأريخ البلدان والامصار ليسجل كل هذا باسلوب رشيق ممتع ولغة سلسة.
وهو شاعر مرهف الحس ولا غرابة في الامر فبدل يدون المعلومات ويصف المشاهد وما يمر به بذوقه والهامه الشعري، فما ابدع ان يكتب نص مهما كان نوعه وطبيعته بلغة وروح الشعر. انه الجمع بين متضادين والضب والنون ، لكن بدل بسجيته ورهافة حسه وقدرته على تشخيص وتمحيص ما تقع عليه عيناه استطاع ان يسجل في مخيلته وعلى الورق الاحداث والمشاهد وما صادفه من امور وعجائب وغرائب اثناء رحلاته بدقة متناهية وباسلوب ممتع سلس سهل الهضم مقبول ممتع.
هذا من جهة ومن جهة أخرى تعتبر المواد المعرفية التي يقدمها رحالة آخر الزمان بدل رفو مصدرا جغرافيا وتاريخيا واجتماعيا لا يستهان به، لأن الكاتب يستقي المعلومات والحقائق من المشاهد الحية، والتصوير المباشر، مما يجعل قراءتها غنية، ممتعة مسلية في آن واحد.
استطيع ان اجزم بأن أدب الرحلات الذي يقدمه بدل يمكن تناوله كمادة ثرة غنية مفعمة بالحقائق الجغرافية والاجتماعية ومصدر ثقة في الوصف السردي لمن شاء الاستفادة منه في متن الروايات والقصص، وشخصيا لي نية في الاستفادة من مشاهداته في رواياتي الحالية والمسقبلية.
في كتابه (العالم بعيون كوردية) يقدم الكاتب الرحالة وبصورة مبسطة مادة قيمة من ادب الرحلات باسلوب شيق مثير يجذب القارئ ويدغدغ الشعور فهو يصف بدقة كيف ان الرحالة يتعاملون مع آكلة لحوم البشر من اجل خدمة العلم والحقيقة. بلى ان الرحلات تضم قدرا كثيرا من المجازفات عالم كعالم المغامرات.
ورغم انه يسكن في مدينة غراتس في دولة النمسا فهو لم ينقطع عن زيارة اهله في كوردستان ومسقط راسه. فالمهاجر كشجرة قسم يرتفع فوق التربة صاعد في السماء وقسم منغمس موارى تحت التراب ، فتستمد مؤونتها من الشمس والجذور ولا حياة بدون أية منهما، كل منهما يكمل الآخر.
وهو ان أحب مدينته الاوربية فإنما لكونها صورة قريبة من مدينته الاصلية التي عاش وترعرع فيها في كنف الجبال والوديان وخرير الجداول واشجار الصفصاص والفواكه الباسقات وتغاريد البلابل والطيور.
فقد ولد بدل رفو في مدينة دهوك ثم أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في مدينة الموصل الملقبة بالحدباء الواقعة في المنطقة الكوردية من شمال العراق والجامعية في جامعة بغداد \كلية الاداب. وهو ومنذ نعومة اظفاره يعشق الرحلات وهو لما يزل تلميذا في الثانوية في مدينة الموصل الجميلة الخلابة بطبيعتها ومكانتها التأريخية.
وهو يعد نفسه ملكا بعد استقراره في النمسا لا لسبب سحر الطبيعة ولا لمشاهد الجبال وقممها المكسوة بالثلوج على مدار السنة تقريبا ولا بامتيازاتها المادية والمعنوية وانما لشئ آخر يشذ عن القاعدة العامة وهو انه منذ تلك اللحظة التي حصل على جواز سفر موثوق ومعترف به عالميا صار بامكانه ان يطير، يطير بجناحين وبلا اجنحة الى العالم الداني والقاصي مع كل ما تحتمله هذه الرحلات من مشقة وتكلفة مالية ومعنوية ومخاطرات وربما مجازفات، ورغم كل الصعوبات التي تعترض سبيله فهو غير مكترث بكل هذه العراقيل ما دام ان اصراره وجلده وصبره يفضي الى الهدف الاسمى وهو الاستزادة واقتناء المعرفة والحقائق على الارض والتواصل مع الشعوب والتعرف على المجتمعات المختلفة المتحدثة بلغات مختلفة وعادات وتقاليد متباينة، فهو كطائر يعتبر اي بلد يحوم حوله ويحط رحاله فيه بلده وموطنه ما دام يعتبر نفسه رسول الحرية والانسانية الى شعوب واناس لا يعرف عنهم الكثيرون ومنهم من لم يسمع بهم مطلقا.
فأي دافع يدفع ببدل ان يتحمل المشقة ويواجه الاهوال ان لم يكن مدفوعا بغريزة التحدي واتخاذ اية وسيلة من اجل اقتناء المعرفة وسبر غور العالم من حوله وتقديم مشاهداته وتجاربه عما رآه وسمعه عسى أن تضحى كل ما دونه في سفر الرحلات مادة خصبة للجيل الحالي والقادم، مادة ممتعة شيقة غزيرة باسلوب مثير ثري واقعي علمي في عصر خلا من المغامرات والرحلات الا نزرا يسيرا.
وزار بدل الهند وافريقيا والدول الاوربية قاطبة
بدل رفو مفخرة أدب الرحلات فهو ابن بطوطة آخر الزمان. رحلاته ليست مجرد سفرة عابرة من مسافر يبتغي الاستجمام والتنزه وانما رحلاته علمية ادبية ثقافية موسوعية تضم مواضيع شتى في معظم الفروع الحياتية ، وهو حين يقوم بزيارة اية مدينة او قرية يلتقي بالناس الفقراء والبسطاء ويلتقى اناس من قاع المجتمع واماكن غير جالبة للنظر و تقع في ظل الاحداث: مقابر، مطاعم، مكاتب ، متاحف ..إلخ..
ويزور المدن القديمة ويركز اهتماهه على الاماكن العامة وغير ذلك من الاماكن الشعبية غير المعروفة حتى لدى معظم السكان المحليين. وينصب معظم اهتماماته بالمدن القديمة والعادات والتقاليد وفولكلور الشعوب من مختلف الانواع والاصناف: غناء ، موسيقى، ازياء ، عطور، اطفال وقصصهم ومآسيهم وافراحهم واتراحهم، يصافحهم، يعانقهم ، يقدم لهم نصائح اب لابنائه، ويلتفون حوله ، لا فرق بين هندي اسود او عربي اسمر او اوربي اشقر او ياباني اصفر. فهو لا يرى لون البشرة وانما يتطلع الى لون القلب والروح ويغور في اعماق الشعور الانساني مجردا عن الجنس والدين والعرق والمذهب وما الى ذلك من المميزات التي ميزت شعب عن شعب آخر، اي باختصار شديد :بدل هو الانسان المجرد من كل الابعاد عدا الانسانية ، ولذلك ينظر الى الكل بنفس النظرة ويعامل الجميع نفس المعاملة ان كان ابن شاه او ابن صعلوك.
وبناء على هذا المبدأ في التواصل يزور بدل بيوت الفقراء والبسطاء واماكن تواجدهم كما فعل في مصر حيث استقر في منطقة شعبية وتحدث فيها الى الكبير والصغيرفيها.
وفي المكسيك قام بنفس الشئ توجه الى قرية من القرى الفقيرة.
يقول متعجبا حين يتحدث عن مصر وعلامة تعجب كبيرة ترتسم فوق وجهه : " تصور نصف مليون شخص يرقدون في مقبرة في مصر!!" اي اتخذوا من المقبرة بيوتا وملاذا.
ويفاجئك بدل حين يقول ان المطاعم تعبرعن ثقافة الشعوب. فوصفه للمطاعم بهذه الطريقة وصف فريد من نوعه ومنتهى الدقة والاصابة في التشخيص. نعم المطعم يعبر عن ثقافة الشعوب. شخصيا اؤيده تماما فالبطون ادرى بشعاب اهلها.
ويبدي بدل اعجابا كبيرا حين يعلن انه في المغرب رآهم يأكلون القواقع وفي المكسيك رآهم يأكلون الجراد.
وزار بدل المقابر في جزيرة صقلية كذلك. وزار هناك مقبرة للكلاب والقطط ويكتب مذهولا عن المشهد وكأنه اعجوبة الزمان.
وفي جعبته الكثير من الاحداث الشيقة جدا والتي تغني ادب الرحلات وتملأ الفراغ الذي خلفه مرور الازمان.
في شفشاون المدينة المغربية المفضلة لديه يلتقي رحالتنا البسيط البسطاء كما في كل مكان ، يحاورهم ويصادقهم، ويتخذ من مخيم للسواح مأوى و مبيتا ومطعما. ومن هناك ينال ارفع وسام المواطنة الشرفية في شفشاون.
ويصف شفشاون بأنها مدينة البسطاء واصدقاء الغرباء ويعاملون الغريب بطريقة تجعله أن لا يشعر بالغربة مطلقا.
وبدل صار محط انظار اهالي المدينة المغربية وشخصية معروفة الى درجة ان محافظ شفشاون قام بزيارته في خيمته المتواضعة الزرقاء في الضواحي على سفح الجبل وسط الاشجار المتشابكة الاغصان.
وبدل يعتبر تكريمه في المغرب تكريما لبلده كوردستان ويفتخر بذلك رغم انه قلما يحضى بالتفاتة ملحوظة من لدن مسؤولي بلده هذا.
وبدل يميل الى البساطة ويحن الى موطنه ومدينته وقريته التي ولد فيها. وبدل حين يتخذ من مدينة غراتس النمساوية مقاما له هو لسبب وجود وجه الشبه بين مدينته الاصلية والمدينة الجديدة في المهجر ما يعطيه إحساس بأنه يعيش في بيته وفي قريته ووسط اهله.
وهو يقارن الاغاني المغربية بالاغاني الكوردية الفولكلورية، الأمر الذي جعله اكثر تعلقا باهلها. والقاسم مشترك بين بني قومه واهالي المغرب هو انه في كلا الطرفين يكرمون الضيف.
والجانب الآخر من شخصية بدل هو انه شاعر مرهف الحس. حساس.
وينشد قصيدة مؤثرة على امه يذوب فيها رقة وحنانا وعذوبة .
فبدل متعلق جدا بامه ترافقه روح امه في حله وترحاله اينما حل ورحل.
وينظم اشعارا عن جداول الماء الجاري في قرى كوردستان في دهوك وبادينان وسوران ويتذكر كل تلك المناظر لدى مروره بجداول غراتس وجبالها ويستمع الى خرير مياهها وزقزقة عصافيرها وتغاريد طيورها وعبير نسماتها.
*اما عن تأليفاته في أدب الرحلات فقد ألف كتابين بعنوان:
(العالم بعيون كوردية) وهنا ينقل بك بدل الى العالم النائية.
و(أطفال الهند علموني)
عنوانان أدل من المحتوى ويقولان الكثير عن المضمون.
ويقول عن كتابه (أطفال الهند علموني ) أنه تربطه بهم الانسانية.
فهو يثبت بذلك كله بأنه سفير كوردستان في كل بقعة زارها على وجه البسيطة.
انه بدل رفو الرحالة الاديب الشاعر... ارادة ..صبر.. جلد ..عزيمة لا تقهر امام الصعاب...
لا يشبع من المعرفة ...اشهر من نار على علم...كرمته المغرب والنمسا وكازاخستان، فهل تكرمه سلطات بلده الأصلي كوردستان؟
شخصيا انا كرمته بإلتفاتتي هذه لا عن مجاملة وانما بدل يستحق كل التقدير والاهتمام والدعم في زمن اختفى فيه الابداع. فبدل هو المبدع !!
اتمنى له الموفقية والنجاح في حله وترحاله
* روائي، مترجم، شاعر، محلل سياسي، كاتب