مكتبة المؤرخ الكوردستاني ملا جميل روزبياني
المؤرخ الكوردستاني ملا جميل روزبياني هو احد اضلاع ثلاثي مؤرخي كركوك (ملا جميل روزبياني المتخصص في التأريخ الاسلامي وتاريخ العصور الوسطى، الدكتور كمال احمد مظهر المتخصص بتاريخ كوردستان والشرق الاوسط الحديث، والدكتور جمال رشيد المتخصص بالتاريخ القديم لكوردستان والشرق).
ولد ملا جميل روزبياني عام 1913 في قرية فرقان جنوب شرق كركوك. انخرط بالتعليم الديني لدى والده (ملا احمد الكبير) واستطاع ختم القرآن الكريم وهو في سن السادسة من العمر. تنقل في تحصيله الديني بين كركوك واربيل وكفري حتى نال درجة الامامة والخطابة. عرف بشجاعته وعدم تردده عن قول الحقيقة مهما كانت النتائج، وكان ينطق الحق ويدافع عنه ان كان فوق المنبر او في الجلسات واللقاءات، ودفع باهضا ضريبة قوله الحقيقة ودفاعه عن الحق. تعرض بسبب مواقفه الساندة للحق والحقيقة، الى السجن والنفي، وقد تنقل سجينا بين عدد من السجون والمعتقلات العراقية منها معتقل نقرة السلمان الشهير في صحراء السماوة المجاورة لحدود الجزيرة العربية.
كان ملا جميل يجيد لغات الشرق الاربعة الاكثر انتشارا (الكوردية، العربية، الفارسية والتركية) وترجم عددا من الملاحم من الفارسية الى الكوردية وطبعت في كركوك من قبل المطبعي والمنور محمد امين عصري، وترجم الشرفنامة (تاريخ الدول والامارات الكوردية) لمؤلفه الامير شرفخان بدليسي من الفارسية الى العربية، وكذلك ترجم تاريخ السليمانية وانحاءها لكاتبها الوزير محمد امين زكي بك من الكوردية الى العربية. عمل ملا جميل روزبياني كقاض في محاكم الثورة الكوردستانية مطلع ستينيات القرن الماضي، ثم غادر الى ايران وانشغل هناك بالبحث والكتابة.
عام 1979 هاجم السلطات الايرانية في مقال له بسبب القمع الذي مارسته ضد انتفاضة الكورد في شرقي كوردستان ومدينة سنندج بالذات، صدر جراء ذلك مذكرة اعتقال ضده، ما دفعه الى اللجوء الى السفارة العراقية في طهران التي قدمت تسهيلات اعادته الى العراق ليستقر في بغداد. بعد عودته من ايران منح منصب العضوية في المجمع العلمي العراقي- الهيئة الكوردية. تقديرا لابحاث ومؤلفاته التأريخية منح الوسام الذهبي لاتحاد المؤرخين العرب عام 1994، واصدر حتى اغتياله في منزله عام 2001 العديد من الكتب عن تأريخ الكورد في العصر الوسيط والعديد من المقالات والبحوث القيَمة.
وبعد اغتياله عام 2001 حاول الاستاذ شيرزاد روزبياني ابن شقيق ملا جميل اعادة مكتبته وارشيفه من بغداد الى كركوك واستعان من اجل ذلك بمحام تولى مهمة استحصال موافقة السلطات العراقية آنذاك لنقل المكتبة والارشيف من بغداد الى كركوك. الاستاذ والتربوي شيرزاد روزبياني قال حول اجراءات نقل المكتبة موضحا:
"قامت لجنة تم تشكيلها من قبل السلطات العراقية آنذاك بزيارة مكتبة وارشيف عمي الراحل ملا جميل روزبياني، هذه اللجنة صادرت الكثير من الكتب والمراجع والوثائق الموجودة في المكتبة ما دفع محامي الدفاع الى التدخل ووضع حد لعبث تلك اللجنة موضحا، بان من حق اللجنة مصادرة اي شيء يخل بامن الدولة وليس من حقها مصادرة كتب ومراجع الادب واللغة والتاريخ."
خلال الايام الماضية تيسر لي زيارة منزل الاستاذ شيرزاد روزبياني الذي خصص صالة كبيرة من منزله في حي رزكاري في مدينة كركوك لمكتبة وارشيف عمه المؤرخ الراحل الكبير ملا جميل روزبياني. الوقار والهيبة كانتا سمة هذا المكان العلمي، حيث الكتب والمراجع والوثائق والصور والاثاث المكتبي تتحدث عن سيرة رجل افنى العمر بكامله في سبيل التحصيل والعطاء وكشف الحقائق عن التأريخ الكوردي في العصر الوسيط، هذا التاريخ الذي يكتنفه الكثير من الغموض والثغرات، بل هناك تشويه بحق التاريخ الكوردي ونقص كبير في عرض حقائق اداء امة لعبت دورا خطيرا في مجمل الاحداث التي عصفت بالشرق الاوسط طوال العصر الاسلامي.
عن دور مكتبة وارشيف ملا جميل روزبياني قال الاستاذ شيرزاد روزبياني المشرف على المكتبة "تتألف المكتبة من ثلاثة اقسام رئيسة، قسم المصادر الكوردية وقسم المصادر العربية وقسم المصادر الفارسية، الى جانب عدد من المصادر التركية، وجميع هذه المصادر هي متاحة للباحثين والاكاديميين وطلبة الدراسات العليا وطلبة الجامعة، ويزور المكتبة يوميا العديد من طلاب العلم والمعرفة من اجل الاطلاع على المصادر الموجودة فيه، وابواب المكتبة مشرعة امام كل دارس وباحث."