العراق .. 2019 عام صاخب بامتياز
ولم يكن العام 2019 يحمل الأمن بالشكل الذي يتمناه العراقيون ، بعد أن سبقه عام على إعلان الانتصار على تنظيم داعش وتحرير جميع المناطق من سيطرته.
فعلى مدار العام كانت هناك هجمات من قبل "داعش"، وفق ما تقول الجهات الرسمية، تنشط في استهداف القوات الأمنية أو مليشيا الحشد الشعبي.
وتؤكد الجهات الأمنية أن "خلايا نائمة" تابعة للتنظيم ما زالت موجودة، وتعلن بين الحين والآخر قتل عناصر من التنظيم ، ومداهمة أوكار تابعة له في مناطق شمالي وغربي البلاد.
وكانت الأحداث المهمة كثيرة خلال العام 2019، لكن أكثرها بروزاً بدأ في 21 مارس/آذار؛ عندما غرقت عبارة في نهر دجلة على متنها أكثر من 200 شخص، في الجزيرة السياحية بمنطقة الغابات بمدينة الموصل(مركز محافظة نينوى) . وأسفر الحادث المأساوي عن مصرع أكثر من 100 شخص غالبيتهم من النساء والأطفال، ما أحدث غضباً عارماً في أوساط العراقيين.حرائق تستهدف الاقتصاد
في شهر مايو/أيار نشبت حرائق في حقول الحنطة والشعير بعدد من محافظات البلاد، لتدمر محاصيل مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بهذين المحصولين.
جاءت الحرائق عقب إعلان وزارة الزراعة العراقية توقعها أن يشهد الموسم الزراعي وصول العراق إلى الاكتفاء الذاتي من محصول الحنطة للمرة الأولى منذ عقود ، وذلك بعد هطول أمطار غزيرة ساهمت في زيادة مساحة الأراضي المزروعة.
وأكدت وزارة الزراعة في بيان لها أن الحرائق التي اندلعت "ممنهجة" وتستهدف ثروة البلاد الوطنية.
والتهمت النيران ، وفقاً لإحصاءات صادرة عن الدفاع المدني، 52930 دونماً، في حين تم إنقاذ 1863184 دونماً بجهود فرق الدفاع المدني (الدونم 2500 متر مربع).في أغسطس/آب تكرر سيناريو حرائق الأراضي الزراعية ، لكنه استهدف هذه المرة مشاريع الدواجن.
فبعد أن أعلن العراق، في يوليو/تموز، الاكتفاء الذاتي من منتجات الدواجن وقرر منع استيرادها من دول الجوار، التهم حريق هائل، في 7 أغسطس/آب ، أكبر مشروع للدواجن في العراق، وبعد 19 يوماً التهم حريق مشروع دواجن آخر.
وقال عماد الأسدي، رئيس رابطة مربي الدواجن في العراق: إن "من قام بهذه العملية هي مافيات مستفيدة من الاستيراد، والتي ضربت مصالحها"، موضحاً أنه "بعد إيقاف عمليات الاستيراد بدأت هذه الأعمال الإرهابية".
استهداف ميليشيات الحشد الشعبي
وشهد العام 2019 خسائر جسيمة تكبدتها مليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران، إذ تعرضت مواقعها لتفجيرات، اتهم قياديون فيها "إسرائيل" والولايات المتحدة بالوقوف ورائها.
ففي يونيو/حزيران 2019، أعلنت قيادة الحشد الشعبي أن طائرة أمريكية ضربت مقراً ثابتاً لقطاعات "الحشد" من لواءي 45 و46 المدافعة عن الشريط الحدودي مع سوريا بصاروخين مسيّرين، ما أدى إلى مقتل 22 مقاتلاً وإصابة 12 بجروح.
وفي يوليو/تموز ، تعرض معسكر لمليشيا الحشد الشعبي بمدينة "آمرلي" في صلاح الدين (شمال) لقصف بطائرتين مسيرتين "مجهولتين"، ما أدى إلى سقوط قتلى بينهم قادة إيرانيون.وأفاد العقيد محمد خليل البازي، من قيادة شرطة محافظة صلاح الدين، في تصريحات صحفية، بأن "القصف أدى إلى إصابة خمسة من الموجودين في المعسكر، بينهم اثنان من المستشارين أو المدربين الإيرانيين".
في حين ذكرت تقارير إعلامية محلية، نقلاً عن مصادر مسؤولة في الحشد الشعبي، قولها إن القصف دمرّ مصنعاً لتصنيع صواريخ الكاتيوشا وإعادة تأهيل صواريخ نوع سكود (العدد 5 صواريخ).
وكشفت أن القصف المجهول أسفر عن مقتل ثلاثة مشرفين إيرانيين ، واثنين من الحشد الشعبي ، وإصابة اثنين آخرين أيضاً من اللواء 16 التابع لأبي رضا النجار المقرب من قوات بدر والحرس الثوري الإيراني.
وفي 12 أغسطس/آب ، تعرض مستودع للسلاح والذخيرة يتبع مليشيا "كتائب سيد الشهداء"، أحد الفصائل العراقية المسلحة المرتبطة بـ"الحرس الثوري الإيراني" جنوبي العاصمة بغداد، لسلسلة انفجارات.
وأسفر الحادث عن سقوط قتيل وإصابة 29 شخصاً ، حسب وزارة الصحة العراقية ، إضافة إلى خسائر مادّية كبيرة في المقر وبمنازل مجاورة منه، بسبب تساقط شظايا صواريخ وقذائف من داخل المستودع.
وفي نفس الشهر تعرض مقر لمليشيا الحشد الشعبي في قضاء بلد بمحافظة صلاح الدين (مركزها تكريت) لتفجير ضخم.
وفي سبتمبر/ أيلول ، تعرض مخزن أسلحة للحشد الشعبي بمحافظة الأنبار (مركزها الرمادي) لقصف تسبب بتدميره.
غضب شعبي
وفق ما يرى مراقبون محليون فإن التطورات التي شهدها العراق فيما يخص التظاهرات كانت شرارتها في 20 سبتمبر/ أيلول حين هدمت جرافات تابعة للبلديات المحلية دوراً ومحال تجارية ومواقع غير نظامية في بغداد والمحافظات يشغلها آلاف المواطنين المتجاوزين .
بعد أيام قليلة فضت القوات الأمنية اعتصاماً سلمياً لعدد من حملة الشهادات العليا العاطلين الذين يطالبون بالحصول على وظائف.
واستخدمت القوات الأمنية خراطيم المياه الساخنة لتفريق المحتجين ، ما تسبب بسقوط بعضهم على الأرض بينهم فتيات، وكان مشهد الفتاة التي نزعت المياه حجابها بعد أن سقطت على الأرض قد أثار غضب العراقيين كثيراً.الخطوة الثالثة التي زادت من حدة الغضب الشعبي تجاه الحكومة جاءت بعد أيام من حادث فض اعتصام حملة الشهادات العليا؛ إذ أصدر رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، قراراً بنقل الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي من قيادة قوات جهاز مكافحة الإرهاب إلى إمرة وزارة الدفاع، وهي بمنزلة عقوبة إدارية.
وبرز نجم القائد الساعدي بعد أن قاد العديد من المعارك الناجحة ضد تنظيم داعش ، وكان قريباً من جنوده ويشارك في الخطوط الأمامية للقتال، بحسب ما توثقه مقاطع الفيديو، ونال على أثر هذا شعبية جارفة، لا سيما في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة التنظيم.
ولم تعلن الحكومة الأسباب الحقيقية التي وقفت خلف قرار نقل الساعدي، لكن التسريبات التي تناقلها العراقيون عبر مواقع التواصل تفيد بأنه رفض العمل إلى جانب زعماء مليشيات عراقية موالية لإيران.
مظاهرات أكتوبر
بدأ الأمر بتجمع عفوي ، مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ، في ساحة التحرير وسط بغداد ، ظهر فيه مئات من المتظاهرين كان من بينهم حملة الشهادات العليا الذين فرقتهم القوات الأمنية، وآخرون ممن شردتهم حملة إزالة التجاوزات، مع صور للفريق الركن عبد الوهاب الساعدي.
ولم يمتثل المتظاهرون لتحذيرات القوات الأمنية بمغادرة المكان وإنهاء التظاهر، لتبادر باستخدام العنف ، الذي واجهه المتظاهرون بالصمود، ليسقط أول قتيل .
على مدار أسبوع كامل كان الشباب المتظاهرون يزداد عددهم ويزداد عدد ضحاياهم بين قتيل وجريح، وعمدت الحكومة إلى قطع الإنترنت عن مدن البلاد في محاولة للسيطرة على زمام المبادرة ، إذ تعتقد أن توجيهات تصدر للمتظاهرين من الخارج.بعد توقف المظاهرات لنحو أسبوعين بمناسبة "زيارة الأربعين" ، وهو طقس ديني شيعي ، عادت المظاهرات لتندلع بقوة لافتة للانتباه ، في 25 أكتوبر/ تشرين الأول ، حيث استخدمت القوات الأمنية شتى وسائل القمع، ومنها القنص، لكن ذلك كان يساهم في زيادة عدد المتظاهرين، وبينهم نساء وفتيات.
وبلغت آخر حصيلة استهداف المتظاهرين 489 قتيلاً، وأكثر من 27 ألف مصاب، والعشرات من عمليات الاغتيال التي طالت صحفيين ونشطاء في الحراك الشعبي، في العاصمة بغداد، ومحافظات وسط وجنوبي البلاد.
وامتثل رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، لرغبة المتظاهرين معلناً استقالته، في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ولحقه بالاستقالة رئيس الجمهورية برهم صالح، الذي قال إنه لا يستطيع مخالفة رغبة المتظاهرين في تنصيب رئيس حكومة لا يقبلون به ، وذلك عقب رفض المتظاهرين لعدد من المرشحين لخلافة عبد المهدي ، بترشيح من تحالف البناء المكون من قوى شيعية مقربة من إيران.
باسنيوز