هونغ كونغ تحارب من أجل 2047
بعد رحلة طويلة، وصلنا إلى مطار هونغ كونغ، وعند بوابة الخروج كان هناك فريق من الشرطة فأوقفونا، واطلعوا على بطاقات التعريف خاصتنا ولما عرفوا أننا إعلاميون، رحبوا بنا باحترام: "مرحباً بكم في هونغ كونغ أيها السادة"، فيما بعد حدثت صديقاً من هونغ كونغ عن ذلك، شعر بالانزعاج وقال: "هذا التحقيق هو الذي يتسبب في خروج المظاهرات. لم يكن هذا متبعاً هنا في السابق، الهونغ كونغيون لم يعتادوا لقاء الشرطة بكثرة وإخضاعهم للرقابة والسيطرة". في الأيام التي قضيتها هناك، التقيت أكثر من شخص يعبر عن الاستياء من نفس الشيء. في اليوم التالي، كانت هناك تظاهرة فدخلنا بين صفوف المتظاهرين، سألت متظاهراً كبيراً في السن: "لماذا أنتم هنا؟" أجاب: "لأن الشرطة قتلت السبّاحة"، حاولت العثور على شيء يثبت أن الشرطة قتلت تلك السبّاحة، لكن لم أجد شيئاً. إلى جانب الرجل المسن، كانت هناك امرأة شابة تغطي وجهها، في حين أن قراراً جديداً صادراً عن شرطة هونغ كونغ يمنع المتظاهرين من تغطية وجوههم، فسألها عن سبب تغطيتها وجهها، ليتدخل الرجل المسن ويجيب: "تخشى أن يتم التعرف عليها عندما تذهب إلى الصين فتعتقل"، ثم سألته: "وأنت.. لم لا تغطي وجهك، ألا تخاف؟" أجاب ضاحكاً: "لا فقد انقضى من عمري ما يكفي لكن المستقبل مازال بانتظار هؤلاء الشباب ويجب أن ينتبهوا لأنفسهم". كانت الفتاة تسمع حوارنا، وتهز رأسها وتقول لي بعينيها "هذا صحيح". كانت تصنع طيوراً ورقية ملونة وتضعها على الأرض، وكأنها تريد أن تخبرني: "نحن الهونغ كونغيون كالطيور نحلم بالطيران، لكن لا يبدو أننا سنتمكن من ذلك إلا إذا هبت ريح قوية وطارت بنا".
"لن نعود كما كنا بسهولة"
اشتهرت هونغ كونغ بأنها مدينة الاحتجاجات، فقد شهدت المدينة عبر تاريخها تظاهرات كبيرة لأسباب مختلفة، فمثلاً عندما تم تغيير شخصية هونغ كونغية في كرتون "بوكيمون"، خرج الناس في تظاهرات وتجمعوا أمام السفارة اليابانية. في فترة الاحتلال البريطاني وفي ستينيات القرن الماضي، عندما ارتفعت أجور النقل البحري بين جزر هونغ كونغ بمقدار 10 سنتات، غضب الهونغ كونغيون وخرجوا إلى الشوارع، قامت السلطات البريطانية حينها بقمع التظاهرات بشدة وانتقد الحزب الشيوعي الصيني ذلك القمع. لذا فعندما تنتقد بريطانيا الآن شرطة هونغ كونغ وتقول إنها تقوم بقمع المتظاهرين، فإن المسنين من هونغ كونغ يضحكون ويقولون إن الانكليز هم الذين سنوا سنة قمع المظاهرات هنا. أما بعض وسائل الإعلام هنا فيقولون إن الغاز المسيل للدموع الذي تستخدمه الشرطة والبرمجيات التي تستخدم لمراقبة الناس يتم استيرادهما من بريطانيا.
سائق سيارة الأجرة الذي يقلني إلى البرلمان وهو رجل وقور ومفوه، كان من الذين شهدوا مظاهرات الستينيات، وأخبرني بأن آثار تلك الحوادث ظلت لسنوات طوال في هونغ كونغ. لهذا فإنه يائس من المظاهرات الحالية أيضاً: "لن نعود كما كنا بسهولة". ثم تبين لي أن الرجل كان مديراً عاماً لشركة كبيرة في هونغ كونغ وقد تقاعد الآن، لكنه لا يريد ملازمة البيت، ويقول إن كل أهالي هونغ كونغ هكذا، وأن الكسل والخلود إلى الراحة من الأمور المعيبة جداً في موروثهم الثقافي.
كوردي يساند الصين
في غمرة الزحام بهونغ كونغ التقيت رجلاً بشوشاً، خيل إلي أنه كوردي، لكن اسم المطعم الذي يديره هو (إسطنبول)، دنوت منه وسألته: "هل حقاً أنت تركي من إسطنبول؟"، رمقني بنظرة استياء وقال: "لا"، فبادرت إلى سؤاله بالكوردية وبنبرة تنم عن المزاح: "وكيف وصل كوردي إلى هونغ كونغ؟"، فبادر ليعانقني ويقول: "اعذرني، فأنا لم أنم الليلة الماضية حزناً على ما يجري في روج آفا، ثم أتيت أنت لتسألني إن كنت تركياً". إنه من نصيبين من كوردستان تركيا، قرر ذات يوم المجيء إلى الصين ليفتتح "مكاناً لإشباع الجياع" على حد قوله.
لم ينجح المطعم، لكن قلبه تعلق بالصين وتزوج صينية. ثم جاءا معاً إلى هونغ كونغ ليفتح مطعماً من جديد. اسمه (أسطة محمدأمين) ويقول إن "رووداو هي صلة الوصل بيني وبين كوردستان وأخبار كوردستان". سألته: "ولماذا رووداو؟"، ضحك وقال: "وهل عندنا نحن الكورد أكبر من رووداو"، ثم وعندما علم أننا نعمل لرووداو، أخبرني سراً باسمه المستعار الذي يستخدمه لكتابة التعليقات في القسم التركي من بوابة رووداو الإلكترونية وضحك وقال: "اقرأ تعليقاتي، ففيها أشياء جميلة!"، لا يؤيد أسطة محمدأمين استقلال هونغ كونغ عن الصين ويقول "كل شيء عندهم صيني ولا اختلاف بينهم"، وأقول له: "هذا نفس ما يقوله الناس عن الكورد، يقولون لنا: جميعنا مسلمون فلماذا تريدون دولة لكم؟"، لكنه رفض حجتي وقال: "كلا، نحن مختلفون كثيراً. الهونغ كونغيون مختلفون فقط في اتجاهات سير سياراتهم وبعض الأمور الصغيرة، لكن الكورد مختلفون في كل شيء عن الأتراك والعرب والفرس".
هل الهونغ كونغيون مختلفون عن الصينيين؟
الهونغ كونغيون صينيون عرقاً ولغة. اللغة التي يتحدثون بها يتم تداولها في قسم كبير من الصين وتعرف بلغة (كانتونيز). نتيجة للاحتلال البريطاني لهونغ كونغ في القرن الثامن عشر، أبرمت اتفاقية وأصبحت هونغ كونغ بموجبها جزءاً من المملكة البريطانية لمدة 100 سنة، وكانت الاتفاقية تقضي بعودة هونغ كونغ إلى الوطن الأم في العام 1997، وكان البريطانيون والصينيون قد اتفقوا مسبقاً على أنه حتى في حال عودة هونغ كونغ إلى الصين، تجب مراعاة حقيقة أن هونغ كونغ اعتادت الديمقراطية ولا تستطيع الخضوع لنظام شيوعي. فوافقت بكين على أن تكون هناك دولة واحدة بنظامين لمدة 50 سنة (أي حتى 2047): نظام غير شيوعي في هونغ كونغ ونظام شيوعي في سائر الصين.
لذا يخشى الهونغ كونغيون أن تفقد هونغ كونغ خصوصيتها هذه بحلول العام 2047 وبصورة تامة، حيث أن النظام الحالي يؤهل السكان لاختيار نصف أعضاء برلمان الإقليم بينما يكون النصف الثاني من ممثلي القطاعات المختلفة: الشركات وغيرها من مكونات المجتمع، وفي كثير من الأحيان يكون النواب الذين ينتخبهم المواطنون ميالين للدولة الصينية.
كما يتم انتخاب رئيس الإقليم فقط في حال ورود اسمه ضمن قائمة المرشحين الذين توافق عليهم الصين. لذا يقول الهونغ كونغيون: "صحيح أننا نتمتع بالحرية، لكننا محرومون من الديمقراطية الحقيقية".
روداو