في ذكرى رحيل المناضل ادريس البارزاني
ففي مثل هذا اليوم قبل 32 عاماً رحل عنا ادريس البارزاني
ذلك المناضل العتيد المقدام الذي كرس كل حياته من اجل قضية شعبه الكوردي والكوردستاني.
ولد ادريس البارزاني عام 1944 في منطقة بارزان من اسرة كرست كل حياتها وربطت مستقبلها بقضية شعبها الكوردي، وكما تشير المصادر التاريخية فإن هذه الأسرة ومنذ بداية القرن العشرين سخرت كل امكاناتها وطاقاتها المادية والبشرية من اجل خلاص الأمة من الظلم والإضطهاد واصبحت المرجع للكوردايتي والنضال وقبلة المناضلين.
كان ادريس البارزاني يبلغ العامين من العمر عندما توجه والده المناضل والأب الروحي للكورد مصطفى البارزاني ورفاقه الى شرق كوردستان لمعاضدة ومساندة جمهورية كوردستان التي تشكلت في مهاباد. وبعد المؤامرة الدنيئة ضد الجمهورية الكوردية الفتية وهجوم الجيش الإيراني عليها، اضطر البارزاني الأب ورفاقه التوجه نحو الإتحاد السوفيتي في مسيرتهم التاريخية الشهيرة. فيما عادت الأسر والعوائل البارزانية الى العراق برفقة الأخ الأكبر لمصطفى البارزاني، الشيخ احمد البارزاني الى العراق حفاظاً على ارواح الأطفال والنساء والشيوخ، وكان حينها يبلغ ادريس البارزاني الثالث من عمره، ولدى وصولهم الى العراق ابعدتهم السلطات الى المناطق الجنوبية من العراق.
في السادسة من عمره دخل ادريس البارزاني المدرسة في مدينة كربلاء التي كانت الأسرة مبعدة اليها، وكان محروماً من رؤية والده حتى القضاء على الحكم الملكي في العراق على يد عبدالكريم قاسم عام 1958، بعدها عاد البارزاني الأب من الإتحاد السوفيتي مع رفاقه ولمت الأسرة شملها من جديد بعد فراق طويل.
وتقول ادبيات الحزب الديمقراطي الكوردستاني ان ادريس البارزاني التحق بالثورة والپێشمهرگايتي منذ بداية اندلاع ثورة ايلول بعد عودة البارزاني الخالد من الإتحاد السوفيتي ونكث عبدالكريم قاسم لتعهداته التي قطعها للبارزاني، حيث كان ادريس بارزاني احد افراد المجموعات الأولى من الپێشمهرگة التي حملت السلاح للدفاع عن الأرض والأمة وشارك في العديد من الملاحم التي سطرتها قوات الپێشمهرگة حينها.
بعد 9 سنوات من الپێشمهرگايتي والنضال من اجل القضية وفي المؤتمر الثامن للحزب الذي عقد في ناوبردان التابعة لناحية كلالة، انتخب ادريس البارزاني للمرة الأولى عضواً للجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني. ومع بداية التفاوض مع الحكومة العراقية من اجل إحلال السلام في كوردستان والعراق اختير ادريس البارزاني وشقيقه مسعود بارزاني لعضوية الوفد المفاوض الذي ضم كلا من الشهيد صالح اليوسفي ودارا توفيق وسامي عبدالرحمن ونافذ جلال ومحمود عثمان، ومن هناك انتقل ادريس البارزاني من الكفاح والنضال المسلح الى النضال السياسي والدبلوماسي من اجل قضية شعبه واستمرت المفاوضات التي كان يشرف عليها البارزاني الخالد حتى تمكنت من تحقيق الحكم الذاتي لكوردستان العراق بشكل رسمي وتم عقد اتفاقية الحادي عشر من آذار التي ادخلت الفرحة والسرور الى قلب شعب كوردستان والعراق اجمع. لكن السلطات في بغداد ما كانت سليمة النية حتى انقضت السنوات الأربع التي تم الإتفاق بشأنها لتطبيق الإتفاقية ما ادى بالنتيجة الى اندلاع حرب ومواجهة جديدة والتي تمكنت خلالها الحكومة العراقية من إبرام صفقة خيانية دنيئة مع شاه ايران بوساطة الرئيس الجزائري الهواري بومدين والتي عرفت فيما بعد باتفاقية الجزائر الخيانية ضد ثورة الكورد والتي ادت بالنهاية الى إنهاء الثورة مؤقتاً.
بعد اتفاقية الجزائر الخيانية اضطر ادريس البارزاني الى اللجوء مع اسرته ومجاميع من الپێشمهرگة الى ايران. لكن لم يهدأ لهذا المناضل بالاً بعد فشل الثورة ولم تخر إرادته ولم يستسلم للقدر، حيث بدأ ومنذ الأيام الأولى لإنتهاء الثورة مع اخيه مسعود البارزاني بالتحرك والعمل على إعادة التنظيم السياسي والعسكري وتهيئة الأجواء لإعادة بناء التنظيمات الحزبية وقوات الپێشمهرگة والبدء بالنشاطات من جديد.
في عام 1979 حدثت تغييرات كبيرة على الخارطة السياسية وتوازن القوى في المنطقة حيث تم القضاء على شاه ايران وتسلم الحكم في ايران الإسلاميون وتحولت ايران من جمهورية علمانية الى جمهورية ايران الإسلامية، وكذلك ثبّت البعث في العراق قواعده واقدامه بالإنقلاب الذي قاده صدام ضد البكر، وبدأ حملة ترحيل القرى الكوردية الحدودية بعمق 30 كيلومتراً ونقل مواطنو تلك القرى الى المجمعات القسرية في اطراف المدن وسيطرت القوات العراقية على تلك المناطق.
في تلك الأثناء اندلعت الحرب العراقية الإيرانية وارادت الحكومة العراقية زرع الخلاف والشقاق في صفوف الأطراف والقوى السياسية الكوردستانية بهدف استنزاف قواهم وتمكنت الى حد ما من النجاح وتحقيق بعض من مآربها وحدث بعض الخلاف بين الأطراف الكوردستانية التي كانت تحمل السلاح بوجه السلطات العراقية. لكن ادريس البارزاني شعر بالخطر الذي يحدق بالثورة فتوجه الى المبادرة بطرح مشروع للسلام بين القوى الكوردستانية والحركة التحررية الكوردستانية واثمرت المبادرة عام 1986 عن وضع الأسس واللبنات الأولى للجبهة الكوردستانية الموحدة والتي اثمرت بدورها عام 1988 عن بناء قوة جديدة على الساحة السياسية الكوردستانية.
يعرف ادريس البارزاني في تاريخ الحركة التحررية الكوردستانية بمهندس السلام الوطني، كما انه الشخصية المعروفة والمرموقة بين اطراف قوى المعارضة العراقية التي كانت على الساحة عموماً، وكان له دوره الفعال والمؤثر في مؤتمر المعارضة الذي عقد في طهران من اجل جمع القوى والعمل على إسقاط النظام في بغداد.
وعلى المستوى الدبلوماسي كان لإدريس البارزاني تجربة ثرة وخاصة في مساعيه من اجل تحقيق السلام والمصالحة بين القوى السياسية وتوحيد كلمة أحزاب المعارضة.
في الحادي والثلاثين من كانون الثاني يناير من عام 1987 رحل عنا ادريس البارزاني بعد ان الم به مرض مفاجيء خطفه من بين الجميع، وبفقدانه خسرت الحركة التحررية لشعب كوردستان شخصية كبيرة وقيادياً فذاً مقداماً، حيث ووري الثرى في قرية هلج التابعة لمنطقة مركور في محافظة ورمي.
بعد انتفاضة عام 1991 وتحرير القسم الأكبر من ارض كوردستان العراق (جنوب كوردستان) أعيد جثمان كاكة ادريس الطاهر برفقة جثمان والده والأب الروحي للكورد مصطفى البارزاني الخالد في 6 تشرين الأول من عام 1993 الى ارض الوطن ليوارى جثمانهما الثرى مرة أخرى في بارزان موطن الآباء والأجداد وليصبح مثواهما مزاراً ومرقداً يؤمه الآلاف من مواطني كوردستان والأجزاء الأخرى والوفود الأجنبية سنوياً.