الحشد الشعبي.. مشكلة العراق المستقبلية
يقول سياسيون عراقيون وسكان من المناطق السنية ومسؤولون أمريكيون، خلال تصريحات لجريدة واشنطن بوست الأمريكية، إن هناك مخاوف من قيام قيادات الحشد بتشكيل "دولة موازية" إلى جانب مؤسسات الدولة العراقية الرسمية، ويعملوا على إفشال مؤسسات الحكومة العراقية. من جانب آخر، يعاني أبناء المجتمع العربي السني في العراق نفس المعاناة التي تعرضوا لها قبل ثلاث سنوات من الآن، عندما ظهر داعش وتوسعت منطقة نفوذه.
تَشكل بعض فصائل الحشد الشعبي في فترة حرب الثماني سنوات بين إيران والعراق، وبعضها بعد أن هاجمت أمريكا في العام 2003 العراق، وولد البعض الآخر في العام 2014 مع ظهور داعش.
مهدت الحرب ضد داعش السبيل أمام تلك المليشيات للانتشار في محافظات العرب السنة في العراق، ومنها الأنبار وصلاح الدين والموصل، وحسب واشنطن بوست، فإن هذه الفصائل فتحت مكاتب سياسية ومكاتب تجنيد تابعة لها في تلك المحافظات، وتقيم نقاط تفتيش على الطرق الرئيسة والفرعية للمدن وتقوم بجباية جمارك من شاحنات نقل النفط والمواد المنزلية والغذائية.
ويقول عدد من المسؤولين الأمريكيين والعراقيين إن المليشيات بدأت "تمارس أنشطة مافيوية"، ومنها مطالبة كبار وصغار التجار بدفع إتاوات لهم لقاء تأمين الحماية لهم.
عندما شن داعش هجماته، نزح عدد كبير من سكان محافظات وسط وشمال العراق، وهم الآن وبعد تحرير مناطقهم من سيطرة داعش يحلمون بالعودة إليها، لكن، وكما يخبر محلل أمني الجريدة الأمريكية، فإن مليشيا الحشد هي التي تقرر أي العوائل العربية السنية يُسمح له أن يعود إلى دياره، ومازال نحو 1.8 مليون نازح عراقي يعيشون في المخيمات.
وفي كثير من البلدات، أجبرت قيادات الحشد المجالس المحلية على حرمان قسم من السنة من حق التملك لأملاكهم، بحجة ارتباطهم بداعش، وهذه الخطوة أدت إلى تغيير ديموغرافي في مناطق كالحلة وديالى التي تعتبر مناطق مختلطة شيعية - سنية.
في فترة هجوم وتوسع داعش، كانت مليشيات الحشد الشعبي تعتبر عاملاً لإعادة الاستقرار إلى العراق، وكان هذا هو الشعار الذي رفعه قسم كبير من المرشحين التابعين للحشد في انتخابات مجلس النواب العراقي التي جرت في أيار الماضي. لكن المحلل الأمني ومستشار الحكومة العراقية، هشام الهاشمي، يرى أن محاولات الحشد لمنع عودة السنة إلى ديارهم يمهد الأرضية للتطرف، وعن هذا قال الهاشمي لواشنطن بوست إن مليشيات الحشد الشعبي تحول دون عودة الاستقرار إلى تلك المناطق.
بعد هزيمة داعش، صارت مسألة الموقع المستقبلي لقوات الحشد الشعبي واحدة من المسائل الرئيسة في العراق، وكيف يمكن الحؤول دون أن يكون للعراق مستقبلاً جيشان لكل منهما جدول أعماله ومركز قرار خاص به. لهذا الغرض، اقترح عدد من السياسيين العراقيين التقليل من نفوذ الحشد الشعبي من خلال تمييعه في صفوف قوات الشرطة والجيش، أو الإبقاء عليه كقوة إسناد يستعان بها في حالات الضرورة.
ويذكر تقرير واشنطن بوست أن قيادات الحشد ترفض مثل هذه المقترحات، بحجة أن دور الحشد في طرد داعش من المناطق التي كان يسيطر عليها يبين أنه مكون رئيس من مكونات النظام الأمني العراقي، كما أن الحشد الشعبي وفر فرص عمل لآلاف المواطنين الشيعة العراقيين الذين كان همهم الأكبر في ظل الاقتصاد العراقي المهزوز تأمين لقمة العيش.
القائم وأراضيه غير المزروعة
قضاء القائم القريب من الحدود العراقية – السورية، خضع لمدة ثلاث سنوات لسيطرة داعش، قبل أن يُستعاد من التنظيم في تشرين الثاني 2017. كان فلاحو القضاء على طول تلك الفترة يحلمون بالعودة إلى أراضيهم واستئناف زراعتها، لكن هؤلاء الفلاحين أخبروا مُعدّ تقرير واشنطن بوست بأن هناك نحو 1500 قطعة أرض زراعية في المنطقة أعلنتها مليشيات الحشد الشعبي منطقة أمنية، وبهذا تمنع المزارعين من العودة إليها، وتقدر مساحة الأراضي الزراعية غير المزروعة حالياً في القائم بأكثر من أربعة ملايين متر مربع، ويقول أحد فلاحي المنطقة عن ذلك: "تسبب الحشد الشعبي في شلل اقتصاد القائم".
ووفقاً لتقرير واشنطن بوست، فإن كتائب حزب الله هي المليشيا المسيطرة على القائم وتسيطر على مداخل ومخارج القضاء والمنفذ الحدودي بين العراق وسوريا في جنوب القائم، الذي يستخدم لنقل المساعدات لقوات الحكومة السورية.
ويشير النائب عن قضاء القائم، محمد الكربولي، إلى أن المليشيات استحدثت منفذاً حدودياً لاستيراد السلع السورية رخيصة الثمن إلى أسواق القائم، رغم أن المليشيات تتجنب ارتكاب الانتهاكات التي شاعت في السنوات الأخيرة، كما أن وجود المليشيات يوفر الأمن للمنطقة، لكنه يصف الوضع المستقر للمنطقة بأنه "وضع قلق".
حاول رؤساء العشائر العربية السنية في المنطقة إقناع المليشيات بالسماح للمزارعين باستئناف أعمالهم المعتادة، لكن دعواتهم قوبلت بالرفض، ويقول فلاحو المنطقة الذين تحدثوا للجريدة الأمريكية إن منعهم من العمل لا علاقة له بالإجراءات الأمنية بل أن المليشيات تفعل ذلك لترويج البضائع التي يهربونها من سوريا.
مكاسب المليشيات والصمت الحكومي
قوات الحشد الشعبي تختلف عن الجيش والشرطة العراقية، حسب دستور العراق، كما يفترض قانونياً أنها تحت إمرة رئيس الوزراء العراقي، لكن تقرير واشنطن بوست يقول إن تلك القوات تخضع عملياً لإمرة قادة المليشيات، ولم يظهر عادل عبدالمهدي أي مؤشرات تدل على نيته الإمساك بزمام تلك القوات، بل أنه يشير إليها كجزء من المؤسسة السياسية والأمنية العراقية.
وقد تم منذ تشرين الثاني المنصرم تخصيص سلفة خاصة، بأمر من عبدالمهدي، لقوات الحشد الشعبي لمعادلة رواتب عناصر الحشد مع رواتب القوات العراقية الأخرى، أما مصير رواتب ومخصصات هذه القوات فمتروك لحين حسم أمر الوازنة العامة العراقية.
وأعلن مسؤول كبير في القوات الأمريكية في العراق، له علاقات مع المليشيات، لواشنطن بوست: "خطوات عبدالمهدي رفعت من معنويات المليشيات، لكنها تعرض الأمن الوطني العراق للخطر".
ويستبعد الكربولي تراجع نفوذ الحشد الشعبي على السلطات السياسية والعسكرية العراقية لأن "قوات الحشد تتلقى الرعاية من الأحزاب ولا يستطيع أحد السيطرة على تلك القوات، حتى سوبرمان".
روداو