مسعود البارزاني.. من جمهورية مهاباد إلى "دولة كوردستان"
الإعلام العربي يطلق على "إصرار" رئيس إقليم كوردستان على إجراء الاستفتاء مسمى "عناد"، ولكن الرئيس البارزاني يقول: "أنا شخص مرن ومعتدل للغاية، ولكن في القضايا الجدية، أنا صاحب موقف وكلمة".
مسعود البارزاني، هو مسعود مصطفى شيخ محمد شيخ عبدالسلام شيخ عبدالله شيخ تاج الدين، ولد في 16 آب/أغسطس عام 1946 في مدينة مهاباد بكوردستان إيران، في نفس العام الذي شهد تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة والده، الجنرال مصطفى البارزاني، وهو يترأس هذا الحزب حالياً، ولكنه لم يتمكن من رؤية والده حتى سن الـ12، لأنه بعد انهيار جمهورية مهاباد، توجه الجنرال مصطفى البارزاني برفقة 500 مقاتل إلى الاتحاد السوفييتي في رحلة طويلةٍ محفوفةٍ بالمخاطر والآلام.
مسعود البارزاني والدٌ لـ8 أبناء، وقد أمضى حياته الزوجية مع ابنة عمه وزوجته، السيدة جويرة، ويعتبر حالياً واحداً من أهم الشخصيات السياسية في الشرق الأوسط والعالم.
والدته، السيدة حمايل، هي ابنة محمود آغا زيباري، وقد لعبت دوراً كبيراً في حياة البارزاني الذي قال في مقابلة له عام 2009: "لقد كانت والدتي امرأة رحيمة جداً، ولم تدعني أشعر بالفراغ الذي تركه والدي".
والدك ذهب ليحضر لك الحلوى
درس البارزاني المرحلة الابتدائية في الموصل، والإعدادية في بغداد، وبعد 12 عاماً عاد الجنرال مصطفى البارزاني من موسكو إلى بغداد، وفي يوم 6 أكتوبر عام 1958، التقى البارزاني بوالده للمرة الأولى.
وفي هذا السياق يقول البارزاني: "لا زلت أذكر اليوم الذي التقيت فيه بوالدي للمرة الأولى، كان هناك حضور كبير، وقد استقبلوا والدي في بغداد استقبال الأبطال، وهو بدوره كان فخوراً بنا".
كان البارزاني طفلاً في البداية، وبعد أن بلغ سنّ الرشد، كان يسأل عن والده دائماً، وفي هذا السياق يقول البارزاني: "كنت أسأل والدتي: أين أبي؟، وكانت تجيبني: (لقد ذهب إلى موسكو، سوف يجلب لك الحلوى)، وأنا كنت أحب نوعاً من الحلوى، وكانت أمي تقول لي إن والدي سيجلب لي ذلك النوع من الحلوى، وبعد أن كبرت، عرفت أن أبي قد هاجر".
نجا من الموت بأعجوبة
كان مسعود البارزاني وشقيقه يعيشان في أحد الأحياء القريبة من مدرستهما في بغداد، في حين كان الجنرال مصطفى البارزاني يعيش في حيِّ "الصالحية" بالعاصمة العراقية، ويقول مسعود البارزاني: "كنا نذهب لرؤية والدنا أسبوعياً يومي الخميس والجمعة، ولكن والدي غادر بغداد في شهر آذار من عام 1961، ونحن بدورنا غادرنا العاصمة العراقية في شهر حزيران من العام ذاته بعد انتهاء الامتحانات المدرسية، وذهبنا إلى منطقة بارزان".
وأضاف الرئيس البارزاني: "عندما كنا في بارزان، كنا نتساءل: هل سنعود إلى بغداد ونذهب إلى المدرسة مجدداً؟، ولكن لم يكن أحد يجيب على سؤالنا هذا، وفي الصباح الباكر من أحد الأيام، أقدمت 4 طائرات من نوع (ميغ) على قصف منطقتنا، ونجونا بأعجوبة من تلك الخيمة التي كنا نعيش فيها، وبعد ذلك بدأت ثورة أيلول".
السياسي الكوردي، محمود عثمان، الذي كان شخصاً مقرباً من الجنرال مصطفى البارزاني خلال فترة ثورة أيلول، يعرف مسعود البارزاني منذ 54 عاماً.
ويقول محمود عثمان إن "الأخ مسعود البارزاني لم يُكمل تعليمه بسبب انطلاقة الثورة، وقد تعلم من مجتمعه الكوردي ومن قضية شعبه، كما اكتسب خبرة واسعة من والده، ولعب برفقة شقيقه إدريس دوراً مهماً خلال مباحثاتنا ومفاوضاتنا مع بغداد عام 1970".
أنت لست أكبر وأهم من هؤلاء البيشمركة
بعد قصف منطقة بارزان، توجه مسعود البارزاني برفقة عائلته إلى قرية "بيدارون" التابعة لمنطقة بارزان، وحول تلك الأيام يقول البارزاني: "ذهب والدي مع رفاقه إلى منطقة (برواري بالا) واستقروا هناك، ومن ثم بدأ الثوار ينضمون للثورة بشكل يومي، في حين بقينا في القرية برفقة عمنا (شيخ بابو) الذي كان رؤوفاً بنا".
ويؤكد مسعود البارزاني ما ورد في كتاب "هاورينامه"، أنه انضم لصفوف البيشمركة حين كان في سن 16 عاماً بتاريخ 20/5/1962، ويقول البارزاني إن "يوم انضمامه إلى صفوف البيشمركة هو أجمل لحظات حياته على الإطلاق".
وتحدث البارزاني عن يوم انضمامه إلى صفوف البيشمركة قائلاً: "لقد أصبحت واحداً من البيشمركة في يوم 20/5/1962، وأعطوني بندقية من نوع (برنو)، فشعرت في ذلك الوقت أنني أملك العالم كله، وكنت أحب سلاحي وأخدمه أكثر من نفسي، لم أتعلم ركوب الخيل، لذلك كنت أسير مع القوات مشياً على الأقدام، وعندما أتحرك من أجل الاستفتاء في الوقت الحاضر، أشعر بأنني يافع أكثر من ذلك الوقت".
وقد تولى مسعود البارزاني بعد ذلك أدواراً كبيرة ومهمة في صفوف البيشمركة، إلا أنه يتحدث عن الأيام الأولى قائلاً: "قبل أن أنضم لصفوف البيشمركة، توجهتُ إلى شقيقي إدريس واستشرته، لأنه كان شقيقنا الأكبر، وقد حاول إقناعي بعدم الانضمام لصفوف البيشمركة، وطلب مني ألا أبتعد عنه، وبعد ذلك ذهبتُ إلى عمي (شيخ بابو) واستشرته، فأخبرني بأن علينا أن نسأل (شيخ أحمد)، فذهبنا إليه، وهو بدوره وافق على أن أنضم لصفوف البيشمركة، وعندما وافق (شيخ أحمد) على ذلك، شعرت بأن الدنيا كلها ملكٌ لي".
التحق مسعود البارزاني بوالده وبمقاتلي البيشمركة في منطقة "بيخمه"، وفي أول اجتماع لهم وضع الجنرال مصطفى البارزاني عدداً من الشروط أمام نجله مسعود.
وأشار مسعود البارزاني إلى تلك الشروط قائلاً: "أخبرني والدي بأنه ليس من السهل أن يصبح المرء فرداً من البيشمركة، وسوف أعطيك بعض التعليمات، فإن لم تتمكن من تطبيقها فسوف أعيدك إلى المنزل، ثم قال لي: أنت لست أكبر أو أهم من هؤلاء البيشمركة، وستكون واجباتك وطعامك ولباسك وكل شيء مماثلاً لهؤلاء البيشمركة، وسيكون المسؤول عنك هو حاجك (حاجك كان مسؤول الحرس الشخصي للجنرال مصطفى البارزاني)، فأجبتُ والدي بالقول: لقد قبلت بجميع شروطك، وأعدك بأن أطبقها كلها بحذافيرها".
حياته الزوجية
كشف مسعود البارزاني عن حبه لفتاة بارزانية من بنات عمومته، وقال: "لقد بدأت حياتنا الزوجية على أساس المودة، وكنت في ذلك الوقت يافعاً جداً وأبلغ من العمر 19 عاماً، وكان بيتنا في (رانية)، وكان والديَّ ووالداها يرغبون بأن نتزوج، وفي تلك الفترة كان هناك اتفاق لوقف إطلاق النار بين قيادة الثورة وحكومة بغداد عام 1965، وكان رئيس العراق آنذاك هو عبدالرحمن عارف، ولكن الأوضاع كانت تسوء يوماً بعد الآخر، وفي أعراف عائلتنا آنذاك، كان على كل رجل يرغب بالزواج أن يحصل على مباركة وموافقة (شيخ أحمد)، لذلك كتب والدي رسالة إلى (شيخ أحمد، وشيخ بابو)، وبناءً على ذلك تزوجت".
ويتذكر مسعود البارزاني "شهر العسل" ضاحكاً، ويقول إن "القتال بدأ بعد زواجه بـ10 أيام، لذلك أمضى (شهر العسل) في أحد الكهوف، وبعد ذلك كانوا يتنقلون من قرية إلى أخرى ويعيشون في الخيم".
مسعود البارزاني هو أبٌ لـ5 أبناء و3 بنات، وهو يمدح زوجته "السيدة جويرة" كثيراً، ويقول: "أنا محظوظ وسعيد جداً في حياتي الزوجية، وقد تحملت زوجتي الكثير من الصعوبات معي، وعندما ذهبت لخدمة والدي، بقيتُ بعيداً عنها لمدة 3 أعوام، وفي إحدى المرات لم نلتقِ لمدة عام و6 أشهر، وفي مرة أخرى لمدة عام و7 أشهر، لقد كانت أوضاعاً صعبة، وكانت واجبات تربية الأطفال ملقاةً على عاتقها، وقد عانت كثيراً، ورغم ذلك لم أسمع منها لوماً أو شكوى في يوم من الأيام".
تعرفَ محافظ كركوك وعضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكوردستاني، نجم الدين كريم، على مسعود البارزاني ضمن صفوف بيشمركة ثورة أيلول عام 1973، وفي عام 1976 رافق نجم الدين كريم الجنرال مصطفى البارزاني ونجله مسعود إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي هذا السياق قال نجم الدين كريم: "في يوم 19 حزيران من عام 1976، رافقتُ الجنرال مصطفى البارزاني والأخ مسعود البارزاني، بالإضافة إلى الأخ محسن دزيي والأخ سيداد البارزاني، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان ممثل شاه إيران موجوداً هناك، وقد تركنا خلفنا زوجاتنا وأطفالنا على أساس أننا سنعود بسرعة، ولكن عدة سنوات مضت، وقبل ذلك كنا أنا والأخ مسعود البارزاني ضمن صفوف البيشمركة أشبه بشقيقين، وكنا نخدم الجنرال مصطفى البارزاني معاً، وبعد ذلك طلب شاه إيران من البارزاني أنا يعود، ولكنه رفض ذلك وطلب منا أن نعود، ولكننا بدورنا رفضنا أن نتركه لوحده".
حياة البارزاني الخاصة
يقول المقربون من مسعود البارزاني إنه يحب الرياضة كثيراً، وفي هذا السياق يقول البارزاني: "أنا أحب كرة القدم كثيراً، وكنت أمارس هذه الرياضة حتى وقت قريب، أما الآن، فأنا أمارس رياضة السباحة عندما تتاح لي الفرصة، كما أنني أمارس الرياضة بشكل يومي، وعندما أتوقف عن الرياضة أشعر بأن صحتي ليست جيدة".
حميد أفندي، هو أحد الأشخاص المقربين من مسعود البارزاني، وقد كان أحد مقاتلي بيشمركة ثورة أيلول، كما كان شخصاً مقرباً من الجنرال مصطفى البارزاني.
وحول الحياة الخاصة لمسعود البارزاني، قال حميد أفندي، لشبكة رووداو الإعلامية: "الأخ مسعود لا يحب الإسراف إطلاقاً، ويضع كفايته من الطعام في الصحن الذي أمامه، وعائلته أيضاً كذلك، كما أنه لا يرفض الطعام الذي يُقدم له أياً كان".
وأضاف حميد أفندي أن "البارزاني ملتزم جداً بكلمته وحريص للغاية على مواعيده، ويرحب بالضيوف ويستقبلهم في الموعد المحدد، ولا يؤجل مواعيده، كما أنه يمارس رياضة المشي يومياً، وفي المساء يمارس الرياضة باستخدام المعدات الرياضية".
تشير السيرة الذاتية للرئيس مسعود البارزاني، إلى أنه يجيد اللغات الكوردية، العربية، والفارسية بطلاقة، كما أنه يجيد التحدث باللغة الإنكليزية.
وفيما يتعلق بقراءة الكتب، يشير مسعود البارزاني إلى أنه "يحب قراءة الكتب التاريخية والموسوعات، بالإضافة إلى الكتب المتعلقة بالمياه، النفط، الزراعة، وغيرها، فضلاً عن الكتب الأدبية".
بالإضافة إلى ما سبق، فإن رئيس إقليم كوردستان، مسعود البارزاني، هو الذي ألف كتاب "البارزاني وحركة التحرر الكوردية".
وفي السياق ذاته، قال محافظ كركوك وعضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكوردستاني، نجم الدين كريم، إن "الأخ مسعود البارزاني يحب جمع المعلومات، وعندما كنا في الولايات المتحدة الأمريكية، كنا نذهب معاً إلى المتاحف والأماكن العامة، وأتذكر أننا كنا بمدينة سان فرانسيسكو في ذكرى استقلال الولايات المتحدة الأمريكية".
وأضاف نجم الدين كريم: "الأخ مسعود البارزاني شخصية خاصة، إنه منفتح على الجميع، وكذلك مع الأشخاص والأصدقاء المقربين منه، والذين يرتاح معهم، وفي الوقت ذاته، يحب القصص القصيرة وحكم وأقوال (ملا مسعود بيبش)، ويستشهد بأقواله كثيراً".
من بين رفاقه في قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، يحب البارزاني أقوال وقصص "زعيم علي، وعبدالمهيمن البارزاني"، ومن ضمن شخصيات الاتحاد الوطني الكوردستاني، يحب البارزاني أقوال وقصص "جلال الطالباني وسعدي أحمد بيره"، خصوصاً قصة "القاضي والمتهمون الثلاثة".
ويقول حميد أفندي، إن "الرئيس البارزاني شخصية مقاومة، ولكنه إنسان حساس في الوقت ذاته، لا سيما مع عوائل الشهداء والفقراء، وأنتم ترون بأنفسكم كيف تنهمر الدموع من عينيه عندما يرى عائلة شهيدٍ أو شخصٍ فقير".
حبه لقصائد ملايي جزيري ومولانا خالد
يُعرف عن مسعود البارزاني حبه لقصائد ملايي جزيري ومولانا خالد وفقي تيران، كما أن عمه "شيخ أحمد" كان يحب قصائد هؤلاء الشعراء الكبار، وفي هذا الإطار يقول البارزاني: "أحببتُ قصائدهم بسبب حبِّ شيخ أحمد لهذه القصائد، وكان يقرأ لي قصائدهم مرات عديدة عندما كنت أحضر مجالسه، لقد كان لشخصية شيخ أحمد تأثير كبير علي، وضمن عشيرة بارزان وعائلتنا، لم أكن أعلم إلى مدى كانت شخصيته كبيرة ومباركة إلا عندما توفى، لقد علمنا الدين والأخلاق، وأن الله ليس بحاجة للعباد، بل إن العباد بحاجة لله، والمعيار هو تعاملك مع العباد، وقد لا يعلم الكثيرون أن شيخ أحمد لم يلمس المال بيده في حياته".
مسعود البارزاني لا يحب قصائد المديح والإطراء، ويؤكد المستشار الإعلامي لرئاسة إقليم كوردستان، كفاح سنجاري، إن "البارزاني لا يحب قصائد المديح المقولبة، وهو لا يحب ولا يقبل بأن يمدحه أحد، كما أنه رفض أن يوضع تمثال والده في بغداد".
نشر مسعود البارزاني رسالةً حول الوضع السياسي في كوردستان في يوم 9 آب/أغسطس من عام 2015، وتحدث فيها عن أولئك الأشخاص الذين تعلم منهم في حياته، ويقول: "لقد تعلمتُ من شيخ عبدالسلام البارزاني ثقافة التعايش، كما تعلمتُ من شيخ أحمد البارزاني، أن الدين والمعقتد قبل كل شيء هو الأخلاق، وأن الإيمان أقوى من أي شيء، أما ملا مصطفى البارزاني، فتعلمتُ منه حياة البيشمركة، في حين تعلمتُ الصدق من والدتي، أما مولانا شيخ خالد نقشبندي، فتعلمتُ منه التحمل، وتعلمتُ من الحزب الديمقراطي الكوردستاني ومن ثورتي أيلول وأيار (إما كوردستان أو الفناء)، والمضي نحو المستقبل مفعماً بالأمل".
بعد 5 أعوام في البيشمركة أصبح عضواً في الحزب الديمقراطي الكوردستاني
تحدث العضو السابق في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني، محمد ملا قادر، عن الفترة التي انضم فيها مسعود البارزاني لصفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وقال: "التقيت بالأخ مسعود البارزاني في المؤتمر السادس للحزب الديمقراطي الكوردستاني عام 1964، وقد حضر ذلك المؤتمر بصفته ضيفاً، وكان يتخيل للمرء أنه توأم شقيقه إدريس، حيث كانا معاً دائماً، وكانت لديهما خصال مشتركة".
ظل مسعود البارزاني في صفوف بيشمركة ثورة أيلول لمدة 5 أعوام، ثم أصبح عضواً في الحزب الديمقراطي الكوردستاني عام 1967، وحضر المفاوضات التي جرت بين قيادة الثورة وحكومة العراق عام 1970، وعندما تمت قراءة الاتفاقية التي وقعت بين الثورة الكوردستانية والحكومة العراقية في يوم 11 آذار من عام 1970، كان مسعود البارزاني حاضراً برفقة شقيقه إدريس مع قيادات الحزب الديمقراطي الكوردستاني والحكومة العراقية.
رئاسة الحزب الديمقراطي الكوردستاني
بعد توقيع اتفاقية الجزائر بين شاه إيران والحكومة العراقية عام 1975 وتعرض ثورة أيلول للانتكاسة، أسس مسعود البارزاني وشقيقه إدريس قيادة مؤقتة على نهج الجنرال مصطفى البارزاني، وفي يوم 26 أيار من عام 1976 انطلقت ثورة جديدة بقيادتهما، حيث أُطلق عليها في أدبيات الحزب الديمقراطي الكوردستاني اسم "ثورة أيار".
ظلَّ مسعود البارزاني في الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 1976 و1979 لخدمة الجنرال مصطفى البارزاني الذي كان مريضاً آنذاك، وبعد إسقاط نظام شاه إيران، عاد مسعود البارزاني إلى إيران للتحضير لعودة الجنرال مصطفى البارزاني، ولكن في يوم وصول مسعود البارزاني إلى إيران بتاريخ 1 آذار من عام 1979، توفي الجنرال مصطفى البارزاني في واشنطن.
في يوم 1 آب/أغسطس من عام 1979، نجى مسعود البارزاني من محاولة اغتيال في العاصمة النمساوية فيينا، وكانت الاستخبارات العراقية هي التي دبرت محاولة الاغتيال تلك.
عُقد المؤتمر التاسع للحزب الديمقراطي الكوردستاني في يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1979 في قرية "زيفه" بمنطقة "مركفر" التابعة لمدينة "أورمية" بكوردستان إيران، وتم انتخاب مسعود البارزاني رئيساً للحزب الديمقراطي الكوردستاني بغالبية الأصوات، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، تم انتخاب مسعود البارزاني رئيساً للحزب في كل المؤتمرات.
كنتُ أحب أخي إدريس أكثر من روحي
الراحل إدريس البارزاني كان يكبر شقيقه مسعود بعامين، وهما من والدتين مختلفتين، وكان إدريس داعماً وسنداً لشقيقه مسعود في قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وتم تأسيس قوة سياسية وعسكرية جديدة في إقليم كوردستان.
ويقول مسعود البارزاني: "تأثرتُ كثيراً بشخصية إدريس، لقد كان شقيقي الأكبر، وأصبح بمثابة والدي بعد ذلك، وهو الشخص الوحيد الذي أحببته أكثر من نفسي".
وفي السياق ذاته يقول محمد ملا قادر: "عندما ذهبنا لتقديم واجب التعزية بوفاة الأخ إدريس، كانت السيدة حمايل والدة الأخ مسعود حزينة للغاية، وكانت منهارة بوفاة الأخ إدريس، كما كانت تقول: (صحيح أنه ليس ولدي، ولكنني أرضعته وربيته، وبالنسبة لي لم يكن هناك أي فرق بين إدريس ومسعود)".
صدام حسين استبدل كوب الشاي الذي أمامه بكوب البارزاني
بعد أن اتحدت كافة الأحزاب والمنظمات في إقليم كوردستان ضد نظام البعث عام 1988، تم انتخاب مسعود البارزاني قائداً لجبهة كوردستان التي تأسست آنذاك، كما تم اختيار جلال الطالباني كرئيس للجبهة، المسؤول عن جمع التأييد الخارجي.
ووضع مسعود البارزاني، بالتعاون مع المنسق العام السابق لحركة التغيير، الراحل نوشيروان مصطفى، خطة البدء بانتفاضة الشعب الكوردي ضد نظام البعث، وأشرف البارزاني على الخطة لضمان تنفيذها.
وبعد المباحثات التي جرت بين جبهة كوردستان ونظام البعث عام 1991، أصرّ صدام حسين أن يزور مسعود البارزاني بغداد، وبناءً على ذلك توجه البارزاني على رأس وفدٍ مكون من نوشيروان مصطفى وسامي عبدالرحمن وعدد من قادة الأحزاب الكوردية، إلى بغداد في شهر نيسان من عام 1991، واجتمعوا بصدام حسين.
وتحدث مسعود البارزاني لصحيفة عكاظ السعودية عن أول اجتماع له مع صدام حسين، وقال إنه "شَعرَ بالغضب عندما رأى صدام حسين الذي تسبب بـ(أنفلة) 8 آلاف شخص من البارزانيين، من بينهم 37 شخصاً من أقرباء البارزاني، فضلاً عن (أنفلة) 182 ألف كوردي"، وأضاف البارزاني أنه "احتاج لبضعة دقائق لكي يتمكن من ضبط مشاعره".
أراد صدام أن يُقبِّل البارزاني الذي لم يكن يرغب بذلك، وخاطب صدام قائلاً: "أنت تعلم أنني سبحت في بحر من الدماء لكي أصل إلى هذا المكان، ورغم ذلك أنا جاهز لأي حلٍّ للقضية الكوردية"، في حين أجابه صدام حسين بالقول: "أنا أعلم أنك اتخذت قراراً صعباً بالمجيء إلى هنا".
وخلال الاجتماع تم تقديم الشاي، فأقدم صدام حسين على تبديل كوب الشاي الذي أمامه، بالكوب الذي أمام مسعود البارزاني، وكأن صدام حاول إيصال رسالة للبارزاني مفادها: "لا يوجد سمٌّ في كوب الشاي الذي أمامك".
الإصرار على الاستقلال
بعد انهيار نظام البعث، تم اختيار مسعود البارزاني ضمن 25 شخصية سياسية في العراق، ومثّل الكورد إلى جانب 4 شخصيات كوردية أخرى في "مجلس الحكم" خلال فترة الحاكم المدني الأمريكي للعراق، بول بريمر.
وترأس البارزاني مجلس الحكم لمدة شهر، حيث كانت رئاسته دورية شهرية، وفي ذلك الوقت حصلت خلافات حادة بين ممثلي الكورد، خصوصاً البارزاني، وبين بول بريمر، حول الفيدرالية وحلِّ قوات البيشمركة.
ويقول الحاكم المدني الأمريكي السابق، بول بريمر، في مذكراته، إن "البارزاني يرى الكورد فوق كل الشعوب والأعراق، كما أنه يرى أنه طالما قدّم الكورد الكثير من الضحايا، فإنه يجب أن يحصلوا على حقوق أكثر".
وحين سأل صحفي عربي البارزاني قائلاً: "متى ستتخلى عن هذا العناد؟"، أجابه البارزاني مبتسماً: "أنا شخص مرن للغاية، ولكن يجب أن يحترم المرء كلامه ووعوده، وبلا شكّ أنا عنيد بخصوص المسائل المتعلقة بقضية شعبي، ولكنني جاهز لكي أغير طبعي أيضاً".
إلا أن السياسي الكوردي، محمود عثمان، يختلف مع هذا الرأي، ولا يرى أن مسعود البارزاني شخص عنيد، لذلك يقول: "بول بريمر لم يكن مع حقوق الكورد، لذلك كان الأخ البارزاني يراه شخصاً عنصرياً سيئاً، وبالتالي كانت هناك مواجهة بينهما، كما أننا أصحاب قضية وطنية، فإذا كانوا لا يرون ذلك، ويعتبرون موقف الأخ البارزاني عناداً، فلا شكَّ في أنه عنيد".
أما حميد أفندي، فيقول: "الرئيس البارزاني هادئ جداً وقوي خلال المفاوضات، كما أنه مُصرٌّ وعنيد بخصوص القضايا الأساسية والرئيسية، وفي الوقت ذاته هو جاهز لأن يكون مرناً إذا كانت هناك مصلحة للشعب الكوردي، وهو لا يتخلى عن حقوق الشعب الكوردي مهما كان المقابل".
كما تحدث محافظ كركوك، نجم الدين كريم، عن هذه الجزئية بالقول: "الأخ مسعود البارزاني صاحب تجربة كبيرة، ولديه خبرة طويلة والكثير من المعلومات، كما أنه يعلم كيف يتخذ القرارات، فعلى سبيل المثال، فإن عناده وإصراره على إجراء الاستفتاء شيء جميل للغاية، وأنا أحببت ذلك، لأن هذا القرار يصبُّ في مصلحة الشعب الكوردي".
البارزاني نادم على تولي رئاسة إقليم كوردستان!
في عام 2005، ومن خلال القانون رقم 1 بتاريخ 12 مايو/أيار عام 2005، انتخب برلمان كوردستان مسعود البارزاني رئيساً لإقليم كوردستان، وأدى البارزاني اليمين الدستوري.
وبعد تغيير قانون رئاسة إقليم كوردستان، وسنِّ قانون ينص على أن ينتخب الشعب رئيسَ الإقليم، حصل مسعود البارزاني على مليون و266 ألف و397 صوتاً، أي 69.60% في الانتخابات التي جرت في 25 يوليو/تموز من عام 2009، وانتخب مجدداً كرئيس لإقليم كوردستان، وأدى البارزاني اليمين الدستوري بتاريخ 20 آب/أغسطس عام 2009.
أبرم الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني اتفاقاً حول رئاسة الإقليم، وفي يوم 30 حزيران من عام 2013، وعندما صوت برلمان إقليم كوردستان على تمديد مدة رئاسة البارزاني لعامين إضافيين، طالب وفد مشترك من الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني بتوقيع هذا القانون الجديد، إلا أن البارزاني لم يوقع على القانون، ولم يرفضه أيضاً.
واستقبل مسعود البارزاني عدة مرات في البيت الأبيض كرئيسٍ لإقليم كوردستان، كما أن البارزاني هو أول زعيم كوردي يتم استقباله بالزيِّ الكوردي في البيت الأبيض، وذلك عندما استقبله الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش الإبن، بتاريخ 25 أكتوبر/تشرين الأول عام 2005.
وانتهت مدة رئاسة مسعود البارزاني في يوم 20 آب/أغسطس من عام 2015، إلا أن الأطراف السياسية في إقليم كوردستان اختلفت بخصوص تعديل قانون انتخاب رئاسة الإقليم، لذلك قرر مجلس شورى إقليم كوردستان في يوم 17 آب/أغسطس عام 2015، أن يستمر البارزاني رئيساً للإقليم بكافة الصلاحيات الممنوحة له، إلى أن تجري انتخابات رئاسة إقليم كوردستان.
هذا القرار خلق ردود فعلٍ متباينة داخل إقليم كوردستان، إلا أن المجتمع الدولي لا زال يعامل مسعود البارزاني كرئيس لإقليم كوردستان.
أما مسعود البارزاني، فقد سبق أن أكد في العديد من الاجتماعات الكبيرة والمؤتمرات والمقابلات، أن "تولي كرسي رئاسة إقليم كوردستان كان أكبر غلطة في حياتي، وكان علي ألا أقبل بهذه المهمة".