• Wednesday, 17 July 2024
logo

سايكس بيكو ... ذكرى وتاريخ أم واقع وحاضر متجدد؟!

سايكس بيكو ... ذكرى وتاريخ أم واقع وحاضر متجدد؟!
تمر، فی هذە الأیام الذكرى المئوية لتفاهمات سايكس – بيكو السرية التي تعتبر الأساس الذي تم بواسطته تقسيم المنطقة بين نفوذ القوى العظمى -حينها- تحضيراً للسيطرة على تلك المناطق بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.
وبعد انتهاء الحرب قامت تلك القوى العظمێ بالجلوس على طاولة المفاوضات لرسم خطوط ومعالم العالم الجديد بالذات لمنطقتنا.
لكن تم كل ذلك بطرق بعيدة تماماً عن تطلعات شعوب وامم هذه المنطقة الزاخرة بالتنوعات الاثنية والعرقية والدينية والطائفية الشديدة التعقيد. وهنا تأتي الامة الكوردية، التي تم تقسيم شعبها بين أربعة أجزاء، لتتميّزَ بتضحياتها ونضالٍ على مدى مئة عام قل نظيره في التاريخ الإنساني....
وتمضي قصص التاريخ لتخبرنا كيف تدافعت الاحداث والمصالح بين حروب جانبية وأخرى سياسية وظهور معاهدات (مثل معاهدة سيفر في 1920)، لتُهْمَل وتعود معاهدات أخرى (مثل لوزان في 1923) الى ان استقرت المنطقة على شفير بركان يثور ويخمد ... يخمد ويثور..... ولم تطفئ جذوته لمدة مئة عام!
لقد كُتب الكثير عن اتفاقية سايكس – بيكو، لكن الأهم والاعمق من كل الذي قيل، ووُثِقَ، هو دور القوى العظمى – حينها – في رسم خطوط على الرمال وتشكيل كيانات سياسية اطلقوا عليها حينها تسمية الدول، ولكي يكملوا ويضفوا على الرسوم صفة الواقع والحقيقة قاموا بالاعتراف بها.
أي انتهينا بكيانات خططتها القوى الدولية حسب مصالحها ... خططوها ... رسمّوا حدودها ... ثم لصقوا أقاليم جغرافية مع بعضها ... وجروا شعوباً وقبائل رغم ارادتها لتكون رعايا تلك الدول ... ووضعوا حُكاماً ليكونوا سيوفاً لبعثِ الحياة والإبقاء على رسومات خطوط الرمال تلك ...
وبهذا شُكِلتْ مصائر أمم وشعوب، وصُدِرَتْ حقوق واصوات وهويات...
وبعد مئة عام، مالذي حققته قلاع الرمال تلك؟ وما الذي أنتجته تلك الدول الكارتونية؟!
في العراق لوحده، والى عام 2003، نجح هذا السراب الدولي بتحقيق إنجازات ستبقى محفورة في تاريخ الإنسانية، لعمق وحشيتها والمأساة التي تسببت بها للشعب الكوردي.
فقد استقبلنا مرحلة ما بعد صدام ونحن نحمل جراح (4500) قرية سوّيت بالأرض، الالاف والالاف من أشجار كوردستان المحروقة، (182000) من مدنيّنا العُزل قتلوا وشردوا ودفنوا احياء في المقابر الجماعية في عمليات الانفال، وعمليات جينوسايد وقتل جماعي متوالية، بما يقارب الــ (12000) من الكورد الفيلين، و(8000) من البارزانيين، ولا يفوتنا جرح حلبجة العميق واستعمال الأسلحة الكيميائية فيها وأيضا في ما يقارب (40) منطقة أخرى في كوردستان تم فيها استعمال الأسلحة الكيميائية والأسلحة المحضورة دولياً ....
وفي العراق أيضا وبعد 2003، ماذا حققت تلك القلاع الهلامية؟!
تم قطع رواتب موظفي "ما يسمى بالدولة"، تم قطع ارزاقهم منذ شباط (2014) قبل ان يحتل داعش ثلث العراق، وكما هو حال تاريخ العراق المعاصر دائما ، فقد أُرتُكِبت جريمة جينوسايد أخرى بحق الايزيدين وبحق المكونات والمجتمعات الدينية الأخرى كالمسيحين....
وهكذا وصلنا الى 2016، والذكرى المئوية لسايكس بيكو، والدولة التي تم رسمها وتخطيطها ولصق أقاليم جغرافية ودفع شعوب لها – العراق – نجد ان ثلث أراضيها تحت احتلال داعش او تحت معارك الكر والفر، وجيشها غير قادر على حسم المعركة منذ ما يقارب السنتين، ونسيجها الاجتماعي الذي تم الدفع للصقه بشتى السبل ومنذ (100) عام يتفكك ويتفكك يوماً بعد اخر، كل منطقة ومحافظة وقضاء وقرية لديه مشكلة مغايرة تماماً عن الأخرى، فما يجري في بغداد لا يهم ولا يمت لمشاكل البصرة بصلة، والتجاذبات السياسية في ديالى مختلفة في طبيعتها وطبيعة حلولها عن مصير الانبار واتجاهاته ... كل هذا لان مشروع دولة خطوط الرمل ورسومات الخيال هذه تمثل مشروعاً مُغايراً للمنطق والواقع والتاريخ والطبيعة.
ولان الدولة المزعومة لم تستطع وعبر تجربة دموية دامت مئة عام من ان تتبلور وتتقدم ولو خطوة واحدة الى الامام من يوم تأسيسها الى يومنا هذا.
وبالتالي وبعد مئة عام ... عدنا ... وبدورة عقود تاريخية ... نعود الى نقطة البداية والى صورة وضع المنطقة قبل خطوط الرمال ورسومات الخيال وقرارات فرض الرسم على ما لا يناسب الواقع.
الان العراق وبعد تجربة المئة عام....
عاد الوضع الى طبيعته الأولى. الأقاليم الثلاث التي تم صرف البلايين، والتضحية بالآلاف والالاف عادت الى ماهي عليه أصلا.
اقليماً سنياً واضحاً ديمغرافياً وتاريخياً وعقائدياً، اقليماً شيعياً هو الاخر لا مجال للشك في حدوده وديمغرافيته وتاريخه وعقيدته، وإقليماً كوردستانياً واضح المعالم والسكان والحدود والسيادة والاقتصاد والنظام السياسي، وتاريخه النضالي المليء بالتضحيات الكبرى والإنجازات التاريخية، يتقدم بصمود شعبه في وجه التحديات الاقتصادية التي ولّدتها بغداد ضده، وببسالة قوات الپێشمەرگە في وجه أعتى هجمة إرهابية، ويحرر أراضيه العزيزة الواحدة تلو الأخرى ... الوضع هذا كان قائماً وحاضراً دائماً منذ مئة عام، واستطاع ان يظهر بشكل لا يدع أي مجال للشك منذ سنوات ..
ونحن نستذكر مآلآت تفاهمات سايكس بيكو يجب ان نكون دقيقين في تشخيص الوضع الحالي، كما ويجب ان نكون واضحين في تشخيص نتائج الكيانات السياسية التي شُكلت بمنطق ومصالح لا تمت للمنطقة بصلة وبإرادات همشت الشعوب وتطاولت على انسانيتها.
ونحن نستذكر سايكس بيكو نجد ان الحلقة مفرغة، عادت وبعد مئة عام التجربة الى حيث بدأت لأنها كانت خاطئة بجميع المعايير وانتجت عقوداً من دكتاتوريات قمعية وتيارات استولت على مقدرات الشعوب ومصائرها....
لذلك ... وبهذه القراءة السريعة لتاريخ تراكم فيه مئة عام من المأساة والدماء والحروب ... نخلص الى القول الى ان وضع العراق الان عاد تماماً الى ما قبل تشكيله ولصق اقاليمه بالقوة ..
وهكذا... فأن الخطوة التي يحتمها المنطق، وتحتمها الخارطة السياسية الدولية والإقليمية، الارث الحضاري، والمسؤولية التاريخية هي المضي بإجراء استفتاء حق تقرير المصير لشعب كوردستان، هذا الاستفتاء الذي تأخر لمئة عام، واستنزف الكثير من التضحيات الثمينة... الان يجب ان يقرر شعبنا مصيره ويحدد مستقبله ... الان يجب ان يأخذ شعبنا جميع الوسائل الديمقراطية والسياسية المتاحة ويقوم بإسماع صوته ورأيه للعالم بانه شعب حر...
شعب اعطى الكثير للتاريخ الإنساني ... واستطاع تحقيق الكثير في العملية الديمقراطية والسياسية التي تحكم موطنه .. واستطاع ترسيخ سيادته الجغرافية والعسكرية والاقتصادية ... لهذا فهو لا يستحق اقل من الاعتراف به وبدولته وهويته وحقه الطبيعي والتاريخي والقانوني بإدارة شؤونه بحرية واستقلالية حاله في ذلك حال جميع شعوب وامم العالم الديمقراطي ..
مئة عام من تجربة فاشلة تعود في دائرة دموية الى نقطة البداية تستحق منا تغيرها والتحول الى تجربة إنسانية جديدة تعتمد قرار الشعوب وحقها في تحديد مصيرها ...
* مسؤول قوات الپێشمرگە ــ المحور الخامس (شمال وغرب كركوك) عضو المكتب السياسي ومسؤول مكتب علاقات - الحزب الديمقراطي الكوردستاني -
رئيس برلمان كوردستان السابق

كمال كركوكي
Top