• Monday, 23 December 2024
logo

البقاء أم الانفصال

البقاء أم الانفصال
لا توجد أية أمة على وجه الارض ،صغرت أم كبرت ، لاترغب في الاستقلال والحرية ،هذه رغبة لم تنبع عبثا بل كانت هناك أسباب عديدة دفعت بالأمم الى اختیار طرق و وسائل مختلفة للحصول علی هذه الرغبات وتطبیقها ،وغدت ممارسة اللاعدالة والأضطهاد وأستخدام القوة ضد العديد من الشعوب العاجزة عن الدفاع عن أنفسها باعثا لابادتها وقهرها ،والتي تذكر اليوم في التاريخ الانساني كمأساة بشرية .وبالمقابل كانت هناك أمم تمكنت ،ليس بالدفاع عن أنفسها والبقاء ،بل تجاوزت مرحلة العبودية وحصلت علی الاستقلال والحرية .والشعب الكوردي وفي ظل سلطات السلاطين والاباطرة والمحتلين تعرض الى حملة كبرى للابادة ومنع التحدث بلغته وحرق أراضيه والمعاهدات الظالمة والمؤامرات و الدسائس الدولية وغيرها إلا أنه دافع عن نفسه وقدم تضحيات جسيمة وقبر أحلام أعدائه ،غير أنهم ،والى يومنا هذا ،لم يتمكن من نيل طموحاته ورغباته في الحرية والاستقلال ،وكان جانب من هذا الوضع السئء تفكك وحدة الكورد الداخلية والذي أستفاد منه أعداء الكورد ويظهر هذا التفكك وحضوره كآفة تأريخية في الاوقات الذهبية والظروف الملائمة وحال دون نيل كوردستان لأستقلالها والتمتع به ،بل وحتى ممارسة حقوقه البدائية والبين أن أبناء ،كوردستان قد أتبعوا في مسارهم النضالي جميع الاساليب الدفاعية ولم يلجأوا الى السلاح رغبة منهم بل كانوا مضطرين لذلك فيما ردت الدول المحتلة على طموحاته بأبشع الأساليب وعملوا بأستمرار على تغير هويته القومية وإتباع سياسة الارض المحروقة والترحيل ضدهم ، إلا أن اعدائهم لم يتمكنوا من قهر رغبة الحرية والأستقلال في قلوب الكوردستانيين وتحویلهم الی اناس علی شاكلتهم! ...
المعروف أن كوردستان ،منذ مائة عام و في ظل أتفاقية سايكس بيكو المشؤومة والتي وقعت بالضد من أرادة جماهير كوردستان وحقوقهم القومية تعیش فی معاناة رهیبة وتم التعامل مع هذه الاتفاقیة كوثيقة دولية ثابتة حتی أصبحت سلاحأ ماضيأ بأيدي الدول التي تم تقسيم كوردستان عليها ،لذلك فأن تلك الدول كانت تستخدم بأستمرار آلتها العسكرية والمادية والسياسية والاعلامیة ضد أية حركة سياسية أو مسلحة ،في أي قسم من كوردستان الملحق بها ،ويصفونها للعالم الداخلي والخارج بأنها حركة تمرد وقطاع طرق وخيانة وأنفصالية من أجل منح عملياتها الاجرامية بحق الكورد الشرعية القانونية والدولية وتم بحكم تقسيم كوردستان على (4) دول مستقلة وأعضاء في الامم المتحدة ،ربط القضية القومية للكورد بالدول تلك وسادتها خصال (المحلية) وهي الخصال التي جعلت المجتمع الدولي يقف صامتأ أزاء كل أعمال الظلم والقهر والدمار التي حلت بكوردستان ،وما الدعم المحدود للكورد تكتیكا وفي أحسن الأحوال من أجل أضعاف أو تعزيز مواقع الدول الكبرى وحماية مصالحها فی المنطقة ، أي أنهم كانوا يستغنون عن تلك المساندة كلها متى ما انتهت قوة )ورقةالكورد( و امنوا مصالحهم فی المنطقة . وفی المقابل امنت معاهدات اممیة اخری مطالب الشعوب الخاضعة للاستعمار فی الدفاع عن نفسها واختیار حریتها واستقلالها وأصبحت قضاياها جزءا من المشكلات الدولية وبدعم جدي من الامم المتحدة ولكن كوردستان ،وبموجب أتفاقية سايكس بيكو تعرضت لظلم تاريخي وأضطرت لربط نضالها التحرري بنضال الحركات الديمقراطية في الدول الاربع تلك والوقوع تحت رحمة تحولات تلك الدول وديمقرطتيها وأصبحت كورديستان بالنتيجة هي ضحية الديمقراطية المنشودة .
• وبعد مائة عام من الماسي وتعميق المشكلات والاوضاع وأخفاق الديمقراطية في الشرق الاوسط والتي كانت أملا لمعالجة المشكلات القومية والدينية فيها ،ألا أنها لم تثمر عن شئ .بينما تبين ونتيجة أنتشار وظهور الحركات الارهابية في المناطق تلك الی ازدیاد المظالم والقهر والابادة بحق الشعوب المظلومة وخاصة الشعب الكوردی ثم تفشي مخاطر في ضرب المصالح لقوى العظمی كل هذه التطورات ادت الی النظر مجددا الی العقدة المستعصیة لأصل هذه المظالم والتی كانت كامنة في معاهدة سايكس بيكو ،والمعلوم أنه ليس من السهل تغيير جوهر المعاهدة وأصلها وخريطة المنطقة ورسم خريطة جديدة لها ،إلا إذا أجمعت القوى العظمى ثانية فيما بينها وأعلنت خريطة ومعاهدة جديدة للمنطقة ،وأن ما يودي بنا الى هذه الوجهة هو أحتمالات التغيرات الجديدة التي تتعمق وتتوسع على أرض الواقع لمجريات أحداث ميادين القتال والصدام وتشابك المصالح ، فقد سيطرت القوى القومية والمذهبية خارج سلطة المركز على مساحات شاسعة من الاراضي وتدمير مناطق عدیدة وتشرید الملایین من جهة والحضور الكبير للقوى الاقليمية والعالمية وتأثيراتها في المنطقة والتی ستكون عاملا مهما للتغیر من جهة اخری ...غير أن وجود القوى المحلية كممثلين للشعوب والديانات المختلفة وفرض أنفسها كجزء مهم من معالجة المشكلات وبالأخص قوات البيشمة ركة والمقاتلين الكورد والتي لها الدور الرئيس والميداني في الحرب ضد داعش كل هذا تجبر القوى العظمى ومن منطلق ضمان مصالحها على رسم خريطة أخرى للمنطقة ،ثم أن هذا الواقع الجديد الذي أوجد مجموعة من التعقيدات للمنطقة ،الا أنها قد أظهرت حقيقة انه آن الأوان لحلول نموذج جديد من ادارة السلطة وتقسيم الايرادات وحماية الامن والأستقرار .هنا يبدو أن هناك العديد من الدول التي لم تعد تؤمن بالكثير من المعاهدات الدولية القديمة ،وبالأخص معاهدة سايكس ـ بيكو التي أصبحت مصدرأ لعدم الاستقرار والابادة الجماعية ضد شعب كوردستان وتهديدأ كبيرأ على الامن الدولي .إلأ أن مثل هذه المعاهدة الجديدة تحتاج وقبل اعلانها الى تهيئة الارضية المناسبة والقوى الفاعلة والمبررات المعقولة واعداد أبناء المنطقة والذي يتوفر في كوردستان وبالاخص في جنوبها وغربها رغم أن أية دولة بأستثناء أسرائيل لم تكن مستعدة لأعلان هذا التاید للكورد علنا ،لأنها تتهم مباشرة بالتدخل في شؤون الدول الاخرى وخرق القانون ،وان سال ای دیبلوماسی حول هذه الاحداث والتغییرات سیعبر في أحسن الاحوال عن أمله في أتباع الديمقراطية والتعايش فیما بین الشعوب ، وقد تبين للعالم أجمع وبعد سنوات من ادارة تجربة النظام الفدرالي في العراق أن هذا النظام قد فشل ويعود السبب في ذلك الى عدم تحرر النخبة السياسية القومية المهيمنة من ثقافة الشوفینیة وتأثيرات تلك النخبة على عدم تنفيذ وتشويه الفقرات والمواد الدستورية وقد تعاملت القيادة السياسية الكوردستانية ،ولأسباب داخلية وخارجية عدة بنفس طويل وأعصاب باردة ،مع المواقف و السياسات العنصرية للحكومة العراقية والتي لم تقدم ليس على اداء دورها في بناء مؤسسات الدولة الفدرالية وتنفيذ المواد والفقرات الدستورية فحسب بل قد عملت منذ اليوم الاول من مباشرتها الحكم ،ومعها النخبة السياسية القومية المهيمنة، على بناء دولة مذهبية شيعية وتهميش الدستور الى حد كبير وتم في النهاية تهميش العرب السنة أيضأ من المرافق الحساسة للحكومة وبدأت بالتالي حرب مذهبية غير معلنة ،وتعرضت كوردستان ،من بعيد أو قريب الى ذات السياسة العنصرية السابقة .أن الحكومة العراقية ،ومع الازمات التي تعتريها ،لا تزال غير مستعدة لتلبية أبسط الحقوق الدستورية لشعب كوردستان والتخلي عن ممارساتها في قطع قوت المواطنين وأن تصبح سببأ أيجابيأ لتقليل أزمات ألاقليم الكوردستانی بل بالعكس من ذلك فقد أزعجها التطور الذي شهده الاقليم وأعتبرتها تجربة خطرة لأنها كانت تعتقد وتؤمن بأمكانية أن تحذو باقي مناطق العراق حذو أقليم كوردستان والذي يمر اليوم بمرحلة صعبة من الازمات والتي تعود في قسم منها لأخفاقنا في ادارة الحكم والازمات وفي القسم الاخر تفعيل خطط ودسائس المناوئين في الداخل والخارج لأستقلال كوردستان ومع كل هذه التعقيدات التي تشهدها الاوضاع ،فأن كوردستان تقترب من أعتاب تحول تأريخي وأصبحت موضع أهتمام الحكومات والرأي العام العالمي وكمنطقة مدافعة عن القيم الانسانية والواقفة بوجه توسع الأرهاب وتفشيه في المنطقة وتتعزز هذه المساندة الدولیة في حماية كوردستان وتقدمها وبالاخص جنوب كوردستان التي تمتلك مجموعة من المؤسسات الحكومية وهیاكل الدولة وتواصل تجربة ادارة الحكم لاكثر من (25) عامأ . لقد فهمت الولايات المتحدة والاوربيون حقيقة أن الديمقراطية وبناء دولة التعددية القومية والمواطنة في الشرق الاوسط إن لم يكن مستحيلأ فأنه صعبة المنال لأنه تتم ادارة الدول المعنية من قبل عقلية تنتج بأستمرار العنصرية ومسار الماضي وتتعامل مع القوميات الاخری عن طريق قوة وتسعى لتشويه هويتها القومية وصهرها .والأكيد أن تجربة (100) عام من الحاق الاراضي والتعايش القسري لم تنجم سوى عن القتال والدمار وعمليات الانفال العنصرية والترحيل والتهجير القسري والحقد والبغضاء ضد الاخر والى أن وصلت في النهاية الى هذه الظروف الخطرة التي وصلتها المنطقة مع أحتمال نشوب حرب عالمية أخرى مالم يتم التوصل الى حل سريع لها .ومن هذا المنطلق حيث لم يبق أمام أقليم كوردستان أي سبيل للتعايش مع العراق ويتعرض الى خطر فعلى على وجوده من قبل داعش الارهابي ومخططات السیاسة الاقلیمییة ، لذا عليه ألا يفوت علیه هذه الفرصة الذهبية التي مهدت الارضية لتقرير مصير. صحيح أن أقليم كوردستان يمر بمجموعة من الازمات المالية والسياسية ويقف بعض الاطراف من وجهة نظر مصالحها الذاتية ضد خطاب الاستقلال بذرائع ومبررات واهية وغير واقعية ويجعلون من هذا الواقع وكأنه هناك مسافة طويلة تنفصل بيننا وبين الاستقلال والاسوء من ذلك هو مساعيهم لتحريف المزاج العام نحو العودة الى بغداد والتي تعود في أصلها الى فقدهم الثقة بأنفسهم والوقوع تحت تاثیر الاجندات والراي الرسمي لدول الجيران ،مع أنهم يدركون جيدا حقيقة ما یجری اليوم في المنطقة هی فشل التجربة الفدرالية ومائة عام من التعايش الاجباري ،إلا أن الظاهر يبين صعوبة تجاوزهم لقيود وتداعيات الافكار السياسية الواردة من القتال الداخلي وثقافة عدم قبول الاخر وتأثيرات الاجندات الخارجية وإلا فأن الاستقلال تدق وبأيقاع واحد على أبوابنا ولهذا يتطلب منا جمیعا أن نفتح الابواب ونستقبله بمستوى واحد وبخطاب موحد في حين أننا نعرف أن عدم أقدامنا على ذلك سوف يجعل من المستحيل الوصول مجددا الی هذه الفرصة ولن نراها حتی فی احلامنا.. أن وجود الازمات وعدم الاستقرار وعدم بناء مجتمع ديمقراطي والمواطنة الحقة هي ليست ذرائع للاستغناء عن الاستقلال ..فما نحصله من الاستقلال إنما هو قبل كل شئ حماية كرامتنا القومية والسيادة الوطنية وسيكون وجودنا مضمونا ومحميا في وجود دولتنا.مع أمكانية حل جميع الذرائع الواردة بالنضال المدني في ظل الدولة المستقلة .
ترجمة :دارا صديق نورجان
Top