• Saturday, 29 June 2024
logo

تبادل الأدوار في الشرق الأوسط و تفاقم الأزمات و ظهور تحالفات جديدة

تبادل الأدوار في الشرق الأوسط و تفاقم الأزمات و ظهور تحالفات جديدة
ترجمة/ بهاءالدين جلال
يقول دينس روز كبير الدبلوماسيين الأميركان السابقين و الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: هناك ازمات متعددة في الشرق الأوسط و كل واحدة منها تكفي لأنشغال الولايات المتحدة بها، هذا القول لدينس يوضح لنا ان هناك عدة ازمات تواجه المنطقة في الوقت الراهن، ويضيف ان تلك الأزمات بحاجة الى معالجات قد تكون صعبة للغاية، ويمكن القول ان الأزمات بصورة عامة خرجت عن السيطرة و لايمكن احتوائها بأي شكل من الأشكال، ولكنها في الوقت ذاته تتطور الأزمات لتأخذ مسارات مختلفة على عموم اتجاهات الشرق الأوسط، واذا كانت مشكلة اسرائيل – العرب تشكل المشكلة الرئيسة في اجندات الدول العربية ولكنها الان اتخذت منحى آخر بسبب انشغالها بمشاكلها الداخلية، وكانت مصر تأتي في طليعة الدول التي كانت لها موقعاَ ثقافياً و عسكرياً كبيراـ كما ان بعض الدول الأخرى في المنطقة كالعراق و ليبيا و سوريا و اليمن تشكو من مشكلاتها الداخلية و حروبها الأهلية و هي مهددة بالأنهيار الكامل لذا انها غير قادرة على مواجهة مشكلة العرب- اسرائيل، أما في الخليج وعلى الرغم من ظهور جماعة ارهابية المتمثلة في داعش و التي تحتاج الى جهود عسكرية حثيثة لمواجهتها و اندحارها بشكل نهائي، الاّ ان تلك الدول و في مقدمتها المملكة العربية السعودية و التي ترى ان حماية المصالح القومية تتطلب مواجهة المحاولات الأيرانية الرامية الى توسيع نفوذها و بسط سيطرتها على المنطقة، وهذا قد يكون عاملاَ مهماَ لأحداث تغيير في الأدوارو التوازنات على صعيد المنطقة و من ثم تتحول الصراعات بين القوى الأقليمية الى محور التنافس، و تحويل مسار التعايش في الشرق الأوسط الى حالة خطرة.
نلاحظ ان السعودية تتصرف الآن بشكل منفرد حيث انها تخطو نحو الأنفراد بزمام المبادرة من حيث اتخاذ الموقف الواضح تجاه الأحداث و تجسد ذلك جلياً في التدخل الذي حصل في البحرين في احداث الشغب التي حصلت فيها عام 2011 و كذلك في تدخلها الواضح في اليمن عام 2015، واخيرا في تشكيل التحالف الاسلامي لمحاربة الأرهاب و التي امسكت فيه زمام المبادرة، الى جانب اعدام الشخصية الشيعية ( نمر آل نمر) و كان الهدف الكبير و الدافع الأول من ذلك هو مواجهة المساعي الأيرانية لتوسيع نفوذها و سيطرتها في المنطقة، وكان هذا التصرف دليلاً واضحاً على ان السعودية تعمل كل ما في وسعها لوقف توسيع النفوذ الأيراني، و هذا يعود الى تحفظ الجانب الأمريكي و الأبتعاد عن التدخل في الشرق الأوسط، و هذا ماتشعر به كل من دول الخليج و بالأخص السعودية من الدور الضعيف لأمريكا في هذا الجانب، و يظهر ذلك جلياً في تباطؤ امريكا من اظهار دورها الحاسم ازاء الأزمة السورية و شعور دول المنطقة بالأحباط ازاء مشاركة واشنطن في اسقاط النظام السوري، وان هذا الأمر سوف يسهم في تغيير التوازن و ايجاد تحولات كبيرة في سورية، الى جانب الأتفاق النووي مع ايران و قد ينعكس ذلك- حسب بعض المصادر- على ان امريكا تتفق مع ايران في تحالف الذي سيؤدي بالنتيجة الى توسيع نفوذ الأخيرة في المنطقة. ومن جانب آخر لربما ان امريكا تهدف الى قيام دول المنطقة بتحمل مسؤولياتها مباشرة ازاء الأحداث و مستجداتها ، ومهما يكون السبب، سواء بالنظر الى فشل الأدارة الأمريكية السابقة في التدخل بالعراق و احتلالها و اعادة رسم خارطة المنطقة برمتها. أو يكون السبب هو ان الأدارة الأمريكية لأوباما تعتقد ان لأمريكا قدرات محدودة لمعالجة ازمات المنطقة أو التأثير على الأحداث، و هذا يظهر بوضوح في كلام فيليب كوردن و الذي يقول: ان امريكا قد تدخلت في ليبيا و لكنها لم تحتلها، و النتيجة كانت مأساوية ، أما في العراق فقد تدخلت و احتلته و النتيجة كانت ايضاَ ماساوية ، وفي سوريا تدخلت امريكا و لم تحتلها و النتيجة كانت مأساوية ايضا.وفي جلسة حوار اخرى في مجلس العلاقات الخارجية يضيف فيليب: السعودية قلقة من القرارات الأمريكية الأحادية الجانب، حيث كانت هناك خلافات واضحة في العلاقات بين السعودية و امريكا، كما ان السعودية قلقة جدا من السياسة الأمريكية ازاء مصر حيث لم تدعم حسني مبارك، و كذلك الأتفاق السري بينها و بين ايران مايؤدي الى اعادة الأموال الأيرانية المجمدة، و سكوت واشنطن ازاء قيام النظام السوري باستخدام السلاح الكيميائي و تجاوز النظام للخط الأحمر الذي رسمته امريكا في سوريا، و هذا ادى الى قيام السعودية بالتحرك ازاء هذا القلق كرد فعل واضح ازاء السياسات الأمريكية و التي تدخل في مصلحة و اشنطن قبل السعودية و دول المنطقة.
وعلى كل حال فإن ما تشعر به دول الخليج و السعودية هو انها لاتستطيع اعتبار امريكا ضمانة حقيقية لحماية امنها على الرغم من اعتبارها صديقة و حليفة لها، و حول هذا الأمر يشير وزير الدفاع البرييطاني السابق الى ان السعودية و دول الخليج لاترغب في المواجهة الحقيقية و المواجهة العسكرية المباشرة مع ايران، و يضيف ان هذا حدث لايمكن توقعه و ان اي دولة تعمل على تحويل الأمر الى هذه النتيجة سوف تقع في خطا فادح، لأن الحرب بين السعودية و ايران ستكون بداية لكارثة كبيرة على صعيد المنطقة و سوف تؤثر سلباً على العالم برمته، لذا فإننا لانسمح ابداً بتطور الأمر الى هذا الحد، ولكن مع هذا نجد ان أن السعودية قد اعلنت الأستثمار في روسيا بمبلغ 10 مليارات دولار، كما ان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قد اعلن ان السعودية تنوي تعميق علاقاتها مع روسيا في كل المجالات و من بينها المجال العسكري.
وعلى كل حال ما تشعر به دول الخليج و السعودية انها لاتتمكن كما ينبغي ضمان امريكا لتكون حليفة مخلصة لها، وهذا الأمر شعرت به امريكا قبل تلك الدول حيث وصف وزير الدفاع البريطاني السابق ان مواجهة العدو اصبحت اسهل من طمأنة الأصدقاء، وفي الواقع ان هذه المسألة لها نتائج و تداعيات مختلفة، و في حال ان السعودية و دول الخليج لم تستطع الدخول في وضع مباشر و عسكري مع ايران ، كما أوضح ذلك وزير الدفاع السعودي في مقابلة مع زه ايكوننوميست و استبعد فيها حدوث مواجهة مع ايران ، عندما أجاب عن سؤال يتعلق بالحرب بين السعودية و ايران والذي اكد فيها ان حدوث مثل هذا الأمر مستحيل تماماً، لأن الحرب بين الجانبين ستؤدي قبل كل شىء الى حدوث حالات مبشرية مأساوية، ولكن بالرغم من ذلك عملت السعودية على عزل ايران و بالنتيجة فإن روسيا بتدخلها في المشكلة رجحت كفة الميزان لأيران، ولكن السعودية كانت ناجحة في محاولاتها وذلك كونها قد استثمرت 10 مليارات دولار في روسيا، كما اكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ان بلاده تسعى الى تعزيز علاقاتها مع روسيا وفي مختلف المجالات و من بينها الجانب العسكري.
المسالة الأخرى التي افرزها الوضع و هي دليل على ان الظروف الحالية دخلت مرحلة جديدة كما يقول الباحث فردريك ويهر في لقائه مع مؤسسة كارينج للسلام الدولي وهي العلاقة بين السعودية و ايران ويشير الى اننا الآن في مرحلة الموجة الثالثة للطائفية، و يؤكد على ان الموجة الأولى امتدت من 1979 الى التسعينيات، أي منذ بدء الثورة الأيرانية، وكانت تهديداَ قويا للنظام السني، و الموجة الثانية بدأت مع سقوط صدام حسين في العراق و ظهور ايران أقوى و أشرس في عهد احمدي نزاد منذ 2005، وفي تلك الفترة سقط نظام صدام و بدأ الربيع العربي في العواصم العربية، أما الموجة الثالثة فهي تعود الى مابعد الربيع العربي، لذا يمكن القول ان كلا من السعودية و ايران مهما كانتا عدوتين ولكن لايمكن ان توصفا بانهما قد تتصرفا كحليفتين أو صديقتين، انهما تحاربان بالوكالة ضمن الصراع الأقليمي وبدلاَ من القتال المباشر تلجآن الى الضغوطات و اجبار بعضهما البعض على التنازل أو تخفيف مصالحهما. وما يلاحظ الآن ان الاوضاع في الشرق الأوسط تتميز بالجمود و تتفاقم فيه الآزمات يوماَ بعد يوم و تتخذ ابعادا اخرى و جديدة، والأتجاه الواضح في الأمر هو سقوط و انهيار بعض الدول و انشقاق الأنظمة و تزايد الأضطرابات و الفلتان الأمني و ظهور صراعات جديدة.
ان الحديث اليوم يدور حول مسألة انتهاء النظام الذي يحكم المنطقة منذ اكثر من قرن و كانت نتيجته ظهور مجموعة من الدول، ولكن قد يسأل البعض ماذا جنت هذه الشعوب من تلك الأنظمة، الجواب هو الدمار و المآسي و وانهيار الأقتصاد و انعدام الأمن و السلام و ازدياد الأوضاع و المشكلات و الأزمات المتلاحقة، وكانت نتيجة بعض هذه المشكلات هي بدء الربيع العربي المتمثل في الأنتفاضات الشعبية و الثورات المحلية في بعض من هذه الدول، حيث سقطت بعض الأنظمة و لكن لم تتمتع تلك الشعوب بما كانت تتطلع اليها من الحرية و الحقوق حيث بدلاَ من كل هذه الأمور ذاقت المرارة و فقدت الآمال بتحسين اوضاعها الأجتماعية و الأقتصادية، لذا يمكن القول ان الأوضاع بحاجة الى اعادة النظر و المحاولة لصياغة خريطة المنطقة من جديد من خلال التغيير الجيوسياسي و اعادة رسم الحدود بدلاَ من اعادة تخطيط التوازنات الداخلية.
ومن هنا عندما نتحدث عن الأوضاع في اقليم كوردستان، نجد انه لم يدخر جهداَ في ايجاد الحل الذي ورد في الدستور العراقي من اعلان الفيدرالية للأقليم، بحيث يتمكن من ممارسة حقوقه الدستورية، ولكن ظهر ان بعض المتنفذين داخل الحكومة العراقية حاولوا حرمان الكورد من هذه الحقوق الدستورية من خلال ابطال فحوى مسألة الفدرالية، والكورد ادرك هذه المحاولات مسبقاً حيث بدأ الأقليم بناء مؤسساته و اتباع وسائل الأستقلال، و بالأخص عندما تم وصف الدولة العراقية بالفاشلة، وفي الوقت الحاضر هناك تعاطف و تأييد دولي كبيرين من قبل المجتمع الدولي للخطوات التي يتخذها اقليم كوردستان نحو تحقيق هذا الهدف، حتى وان لم يكن هذا التأييد رسمياً، ولكن هناك من يعتقد ان اعلان الدولة الكوردية المستقلة حتى لو يكون حقاَ مشروعاَ سوف يؤدي الى تفاقم الأزمات و ازدياد حدة التوتر و الأضطرابات في المنطقة ولكن في الواقع ان تشكيل هذه الدولة سوف لن يؤثر على الأستقرار و الأمن الدوليين، حيث ان اقليم كوردستان اثبت للجميع انه كان دوما موضع استقرار وسلام و تعايش مع كل الشعوب و له ثقله و موقعه بين المعادلات الدولية، ويُنظر اليه على الصعيد الدولي بأحترام و تقدير، وكل هذا التقدير يعود الى ان الأقليم لم يكن ابداَ طرفا في الصراعات و التحالفات التي تؤدي الى زيادة التوتر في العلاقات الأقليمية و الدولية، ولم يتدخل أو بالأحرى لم يتورط في الصراعات الطائفية أو المعادلات الأقليمية لمعاداة أية دولة أو طرف دولي او سياسي.
Top