• Saturday, 29 June 2024
logo

الشرق الأوسط: تصدّع .. انهيار.. ... مستقبل مجهول

الشرق الأوسط:  تصدّع .. انهيار.. ... مستقبل مجهول
ترجمة/ بهاءالدين جلال
الفترات الطويلة من فشل دول الشرق الأوسط عن اداء مهامها الأساسية و المشكلات العالقة و الخلافات المستمرة و الأزمات المستعصية في المنطقة ساعدت على ظهور اوضاع ادت الى تفكك حدود تلك الدول، ما اثرت بالنتيجة على زعزعة اركان تلك الدول و تحويلها الى مجرد هياكل آيلة الى السقوط، ان التنمية الأقتصادية و الأستقرار السياسي تحولتا الى سلعة نادرة و الأخطر في ذلك هو غياب التآلف و السلم الأجتماعي و تأجيج نار الفتن و الحروب الطائفية.
ان ما يلفت العناية هو انه لم يكن من الممكن تضييق مسافات و مديات تلك الأزمات و التصعيدات ، و انما تتعمق و تتوسع يوماً بعد يوم و يزداد تأثير القوى الخارجية على الأوضاع الداخلية لدول المنطقة. وفي ذات الوقت تشهد سيطرة الدول على اوضاعها انخفاضاً ملحوظاً، ما ادى الى ظهور فراغ يستطيع اللاعبون الدوليون من خلاله الأختراق و اداء ادوارهم بكل ما اوتوا من قوة و امكانية، و الجدير بالذكر انه بالرغم من انهيار الأنظمة القديمة لم تظهر في الأفق انظمة جديدة، الملامح الأخرى للظروف الحالية هي ان المشكلات لا يمكن انْ تبقى ضمن حدود دولة واحدة، بل ان تداعياتها تتجاوز الى دول اخرى و بالخاصة الى دول الجوار، وكل هذه خلقت وضعاً جعل من الشرق الأوسط ساحة للتدخل الخارجي، بحيث ان زمام المبادرة و الحلول باتت في ايدي دول المنطقة، لذا يبدو ان دول المنطقة لاتمتلك في الوقت الحاضر الأرادة و الأمكانية لحسم التصعيدات و تداعياتها، اذاً كل هذه الأمور تحتاج الى الوقفة و التأمل لمعرفة تلك المعادلة و مستجداتها.
احد انواع الفشل لدول المنطقة يكمن في انه لايمكن تطبيق تعريف العالم الأجتماعي ماكس فيبر، والذي يشير في تعريفه الى ان للدولة حق استخدام العنف الشرعي في حماية اراضيها، ولكن اذا تأملنا الحقائق على ارض الواقع فأننا نرى انهيار سيادة تلك الدول أي انها فقدت السيطرة و استخدام القوة و العنف المشروع، بل هناك قوى اخرى تندحر خارج مظلة الدولة تمارس هذا الحق الحصري الذي هو ملك الدولة ذاتها، قد يجوز ربط هذه المسألة بموضوع توتر الوضع الأمني لتلك الدول و لهذا نجد ان المواطنين لا يشعرون بوجود دولة تحفظ حقوقهم و حرياتهم. وهذا يعني انّ اركان و الأعمدة الأساسية لهذه الدول قد انهارت، و يقول الباحث الألماني فولكر بينسر في احدى محاضراته بعنوان“The end of the Middle East as we know it”، ان تلك الدول لاتستطيع ان تكون عند مهامها أو تتحمل هذه المسؤولية، وفي الوقت ذاته ان القوى الخارجية الرئيسة لاتمتلك هذه الأرادة ايضاً، و هو يعتقد انّ ان هدف اللاعب الدولي أو القوى الدولية الرئيسة هو التورط في الأوضاع لكي تتمكن من خلالها احتواء التهديدات التي تطلق من المنطقة، وليس الهدف منها اعادة صياغة هندسة دول المنطقة أو انظمتها، ان التحالف الدولي ضد داعش احد الأدلة الواضحة لأحتواء التهديات و المخاطر، أي لايمكن رؤية دعوة اخرى من فرنسا و بريطانيا لطرح سايكس بيكو جديدة، وان الولايات المتحدة الأمريكية تسعى الى فرض اتفاقية اخرى مثل دايتون، سواء على سوريا او اسرائيل او فلسطين، اذاَ تتركز جهود و مساعي دول المنطقة و اللاعبين الدوليين الرئيسيين على مقاومة و منع الجهود الرامية الى اعادة رسم هندسة و بناء انظمة المنطقة.
تتركز المشكلة العالمية حالياً في انها لايمكن التنبؤ بما سيحدث، أو منع حدوث أي من المستجدات، و هذا الأمر ينبع من عدم القدرة على منع التطورات أوعدم وجود الأمكانية المتاحة للحيلولة دون حدوثها، ومنطقة الشرق الأوسط ليست خارج هذه المعادلة بل تجسدت و انعكست فيها تماماً. وعلى سبيل المثال يشير الخبراء الى انه لم يكن هناك تنبؤ بحدوث أي من هذه الأحداث، كحرب عام 1973 و مبادرة السلام لأنور السادات ومقتله، و احتلال الكويت من قبل العراق، الأنتفاضات العربية بعد عام 2011، و ظهور داعش و التدخل السعودي في اليمن و هجوم روسيا على كريما... و الخ، وان كل هذه الأحداث افرزت نتائج كبيرة و بعيدة المدى،اذا لنتسائل: أليست هذه المنطقة معرضة دائماً الى احتمالات مستجدات و تطورات غير متوقعة؟ و اذا كان هذا صحيحاً، اذاً كيف يمكن التمسك بزمام الأحداث حتى نستطيع على الأقل ضمان الأستقرار السياسي و التنمية الأقتصادية و الوضع الأمني المستتب؟ و المنطقة تعيش الآن اوضاعاً خطيرة و احداثاً متلاحقة، وكما يقول فولكر بينسر، ان كل هذه الأمور تحدث لأول مرة، لقد تحول كل من العراق و سوريا الى مسرح و مركز للصراعات الفكرية و الجيوبولتيكية و كذلك الصراعات المتعلقة بالهوية، لذا يمكن وصفهما بأنهما دولتان معاصرتان أصابهما الفشل، و جزء من سبب ذلك يعود الى التدخل الخارجي و في جزء آخر يعود الى فشل النخبة المحلية في بناء نظام يضم كل الأفكار و الأتجاهات، وانها المرة الأولى التي لايلعب فيها العراق و سوريا دورهما الجيوبولتيكي، بل انهما تحولتا الى ساحة و مسرح للفعاليات و النشاطات الجيوبولتيكية، و الأهم من كل ذلك هو ما يجري الآن من حروب داخلية في الشرق الأوسط وانها لا تبقى ضمن حدود الدولة، اذاً تتعقد المعادلات يوماً بعد يوم، و هذا يعني انه لايمكن منع الأحداث و الأزمات و التنبؤ بزمن حدوثها، أي لاتوجد الأدارة و الزمام للسيطرة على حدوثها وانما تتفاقم و تزداد ابعاداً اخرى، بينما يرتفع بدلاً من ذلك مستوى تدخل القوى الدولية.
وما يمكن توقعه هو انّ موجة من التصعيد و الأزمات و التجاذبات السياسية و الأمنية سوف تخيّم المنطقة، و يقول الكاتب و الباحث انيس سالم في احد بحوثه بعنوان“Changing Regional Order” تحدث الآن تغيرات دراماتيكية في جنوب و شرق بحر الأبيض المتوسط، وهذا يجعل التكهن بمستقبل البعيد للمنطقة أمراً صعباً، وفي الوقت الذي ظهرت خلافات جديدة فإن الخلافات القديمة لازالت مستمرة، و لهذا السبب عندما نتأمل واقع الشرق الأوسط فإننا نرى الحقيقة وهي انه لم يكن من الممكن ادارة الأزمات و الخلفات و كذلك احتواء المخاطر و التهديدات.
النقطة الأخرى و التي تتطلب الوقوف عليها هي ان الثورات و الأنتفاضات التي تحدث في هذه المنطقة لن تحقق اهدافها، وعلى سبيل المثال انتفاضات الربيع العربي بالرغم من انها كانت حلماً و بشرى كبيرة،ولكنها انتهت بالفشل و اليأس، لذا فإن حالات الفوضى و عدم الأستقرار التي عمت دول المنطقة اعقبتها اكبر موجات هجرة في تأريخ العالم باسره.
اذاَ في حال انعدام الأمكانية اللازمة لبناء نظام جديد في المنطقة و عدم طرح الحل الجذري للأزمات و الخلافات القائمة تُرى أي مصير ينتظر المنطقة؟ وحول هذه المسألة يشير مركز كوربر للشؤون الدولية من خلال بحث بعنوان( الدولة الأسلامية و مستقبل الشرق الأوسط) الى السيناريوهات المستقبلية ، يشير الى انه اذا ما جرى وضع تفكك نظام المنطقة في الحسبان فإنه لايمكن للدول المنطقة و لا للاعبين الدوليين القيام بأنشاء نظام جديد للمنطقة، وهذا سوف يؤدي الى دخول الخلافات مرحلة السبات، و بالنتيجة يفرض نوعاً من التصعيد للأوضاع، ما يؤدي في المرحلة الأخيرة الى اعتماد الدول الغربية المتنفذة على تعزيز ودعم شركائها في المنطقة.
و يشير أحد البحوث حول الشرق الأوسط في ظل الدولة الأسلامية الى انه يبدو انّ الدويلات التي يحكمها الكورد في المنطقة و بالخاصة اقليم كوردستان العراق، هي تجسيد لأحلام النخبة الغربية، بدءاً من الليبراليين حتى المحافظين الجدد في امريكا، وهذه حالة مختلفة بالمقارنة مع المشكلات الرئيسة القائمة في المنطقة، و السبب هو وجود كيان سياسي فاعل في هذا الأقليم و الذي يستطيع فعلاً بناء شبه دولة، ويأتي هذا كله في الوقت الذي تعيش المنطقة اوضاعاً صعبة و تفككاَ محتملاً للأنظمة السائدة، والكورد لايملكون غير حل واحد و هو أنْ يبذلوا مساعيهم في خضم هذه التناحرات و الصراعات المستمرة من اجل ممارسة حق تقرير المصير، لأنه ليس من المعقول ان يستمروا في دفع ضريبة الأخطاء و الممارسات الفاشلة للنظام العراقي المنهار، ومن هنا يمكن الأشارة الى ان الكورد و بالأعتماد على ذرائع قوية يستطيع الأصرار على ممارسة حق تقرير المصير، ومن بينها اتخاذ الخطوات لأقامة دولة مستقلة و الوصول الى قمة اهدافه، لأن عموم المراقبين و الباحثين يعتقدون الآن ان العراق قد انهار و لن يستطيع انْ يحمل تسمية الدولة الواحدة و حتى ان مقومات الدولة اصيبت بالتصدع و واجه نظام الحكم فيه الفشل الذريع و في الواقع لاتوجد في بعض اجزاء البلاد اية مظاهر للسلطة الحكومية، وهنا من الأجدر انْ نشير الى تقرير بعنوان( بناء الدولة في كوردستان العراق) و هو يتضمن مشروعاً أعدّه معهد دراسات حقوق الأنسان في جامعة كولومبيا و ديفيد فليبس مدير برامج بناء السلام و الحقوق في المعهد المذكور وهو شخصياً مدير لهذا المشروع، و التقرير يتحدث عن مساعي الكورد لأقامة دولة مستقلة و اعتبار ذلك حلم مشروع و على المجتمع الدولي الأعراب عن التأييد الكامل لتحقيقها، و يتطلب بناء هذه الدولة استقراراً و أمناَ ، وجاء في التقرير: ( الأزمات في الشرق الأوسط و ظهور داعش و الحروب الأهلية في سوريا و موجات النازحين كلها مثار جدل و اهتمام السياسيين، و يؤكد التقرير على انّ ما يجلب الأنتباه بالدرجة الأولى هو تطور عملية استقلال كوردستان العراق، و انهيار الجيش العراقي و سيطرة داعش على المناطق السنية بكل سهولة هو تنبيه واضح للمراقبين و صناع القرار و السياسة، ولايوجد أي واقع يثبت بقاء عراق موحد، لذا من الأجدر أنْ يتم توحيد السياسات لتعكس واقع مايجري على الارض، ولكن بالرغم من ذلك فإنّ المجتمع الدولي لايزال متمسكاَ بفكرة العراق الموحد و لايستغني عنها.
ان هذه النظرة سائدة اكثر داخل امريكا و التي صرفت ترليونات من الدولارات و واقامت العديد من التدريبات و خسرت ارواح المئات من جنودها، ان بناء الدولة التي تم رسمها ضمن اتفاقية سايكس بيكوعام 1916 فآنها آيلة الى الأنهيار في الوقت الحاضر، كما ان استقرار المنطقة بحاجة الى تفكير جديد.
ما يثير الأنتباه هنا ظهور آراء و توجهات جديدة تعتقد ان الألتزام بالنظام القديم لم يعد سبباً لأستقرار المنطقة، و على عكس ذلك فإن استقرار المنطقة حالياً يتعلق بمراجعة السياسات السائدة و أخذ الواقع الجديد بنظر الأعتبار، وهذا يعني انه بدلاً من الأصرار على اعادة الأوضاع الى المرحلة السابقة من الضروري الأدراك بأستحالة تحقيق هذا الأمر و احباط تلك الجهود. وقد ورد في التقرير ايضاً انّه منذ عام 1991 بنى الكورد لهم في العراق دولة امر الواقع، وبعد اثني عشرة عاماً من الأحتلال الأمريكي حاول كورد العراق العمل مع الحكومة المركزية في بغداد، ومع انهيار العراق فإنهم عدلوا عن هذا التعامل، نحن لانعلم كيف و متى يحققون امنيتهم في الأعلان عن استقلالهم بشكل رسمي، ولكن ليس من مصلحة المجتمع الدولي اعاقة تحقيق حلم الكورد في ممارسة حق تقرير المصير. وبدلاَ من ذلك على المجتمع الدولي العمل مع حكومة اقليم كوردستان و بغداد و الدول ذات العلاقة من اجل تنفيذ المشروع عبر المشورة و الأستفسار بأسلوب ديمقراطي و في اجواء من المسؤولية و الأستقرار. وختاماَ فإن اقامة دولة كوردستان المستقلة رغم انها حق طبيعي و حلم مشروع وفي الوقت ذاته يعدّ عاملاً للأستقرار و الأمن و جزءاً من حلول للمشكلات القائمة في المنطقة.
Top