• Wednesday, 26 June 2024
logo

الولايات المتحدة غير راغبة في إعلان شهادة وفاة العراق

الولايات المتحدة غير راغبة في إعلان شهادة وفاة العراق
(أعلن بنيامين ناتانياهو في حملة الأنتخابات الأسرائيلية الأخيرة، أنه لا يسمح بإنشاء دولة فلسطينية طالما بقى على قيد الحياة، وعقب ذلك بعدة أيام تم تشكيل أكبر تحالف عربي بعد عام 1967 ولكن ليس ضد أسرائيل هذه المرة بل ضد الحوثيين في اليمن والتسلط الأيراني في المنطقة ما يبين أن الصراع بين السنة والشيعة هو أكبر من المشكلة أو الصراع العربي الأسرائيلي.
روبرت ساتلوف
المدير التنفيذي لمعهد واشنطن عن محاضرة
له بعنوان(تفهم أضطرابات الشرق الأوسط) في نيسان 2015

• وهم وحدة العراق في سياسة الأدارة الأمريكية:
- إن الواقع السياسي للعراق والشرق الأوسط والحرب متعددة الأطراف فيها إنما هو أكثر تعقيدا من الخرائط التي يؤشر عليها الجنرالات العسكريون في مكاتب البنتاون، وأن المشكلة الرئيسة داخل هذه الواقع السياسي هي وجود هيكل تلك الدول التي تم تشكيلها بعد الحرب العالمية الأولى وعلى ضوء أتفاقية(سايكس بيكو) كهدية قدمت مكافأة للدول المنتصرة في تلك الحرب، غير أن القضية الرئيسة القائمة في خرائط مكاتب البنتاغون إنما هي حماية حدود وهيكل تلك الدول و أحتمالات عدم حمايتها بعد الآن أو أستمرارها في خدمة السياسة الأمريكية والعالمية الراهنة والمستقبلية فالشرق الأوسط يشبه اليوم نيزكاً متوجهاً من أحد الكواكب و بحرية نحو الأرض ولا يعرف أحد متى وأين يستقر على الأرض وماذا يكون مصيره و مديات أنتشار أجزائه، وبالمقابل من هذا الخطر الكبير الذي لا يمكن لأية قوة عظمى تداركه، فإن المنطقة تتوجه نحو مسار عجيب والذي كما اشار اليه روبرت ساتلوف مدير معهد واشنطن فإن الحديث يجري على مستوى العالم والأمم المتحدة حول مسؤولية الحماية (Responsibility to prtect)، ما يعني أنه أن عجزت دولة ما عن حماية مواطنيها أو شكلت تهديدا عليهم فإنه لن تبقى هناك أية سيادة للدولة وأن حماية مواطني تلك الدولة تصبح من مسؤولية المجتمع الدولي إلا أن الملاحظ في الشرق الأوسط هو أنه، و بدلاً من الحديث عن واجبات الدولة الحديثة، فإنهم قد عادوا اليوم وتراجعوا وأصبحوا يتحدثون عن نموذج الدول العثمانية والصفوية والفاطمية، إن تنويهات ساتلوف هذه تكشف لنا أن دول المنطقة ليست ضعيفة و فاشلة ولا تفيد في تولى الحكم وحماية اراضيها و مواطنيها فحسب، بل أن صيغا أخرى عديدة لنموذج الدولة أخذت تظهر للوجود وتهدد دولة سايكس بيكو، أي أن النظام الذي يتم تأسيس دول الشرق الأوسط على أساسه إنما هو مفكك من الأساس ولم يبق شئ بإمكانه إبقاء ذلك النظام على حاله، أو بصورة أوضح وكما أعاد كوفي عنان في مؤتمر ميونيخ مقولة(كرمش):
لقد مات القديم ولم يولد الجديد بعد) ما يعني أنه لا يمكن أن يشغل المجتمع الدولي بصورة عامة والولايات المتحدة بصورة خاصة نفسها بعد الآن بشئ اصبح ميتاً ولا يمكن أن يبعث مرة أخرى، بل عليها أن تسعى لضمان ولادة النظام الجديد بصورة صحية وسليمة وفي ذلك فإن صحفياً عالمياَ مشهوراً يؤكد على ذات التوجه و بصورة أخرى وينوه بكل وضوح، فإن الأفضل، وبدل أن تبذل الولايات المتحدة كل مساعيها لحماية النظام القديم، أن تؤدي دور(قابلة أو مولدة) جيدة لضمان ولادة النظام الجديد بصورة سليمة وأن يشكل ذلك النظام دولة بإمكانها تشكيل جيش لها و دحر الأرهابيين وأن يكون لها رئيس متسامح على غرار مانديلا ويتمكن من جميع مختلف الأصوات والألوان معاً، وأن الدولة التي يطاب بها فريدمان هي بالضبط اقليم كوردستان الموجود حالياً على أرض الواقع إلا أن مشكلة هذه الدولة تكمن في أنها لا تمتلك سيادتها وأن الولايات المتحدة وبدلاً من الأعتراف بها، تحاول أن تحولها عراقية مرة أخرى ضمن عمليتها الوهمية في حين، وكما يؤكد جميع الخبراء والمختصين، أن ماكان يسمى العراق قد اصبح شيئاً من الماضي وكان نتاج حدث وقع في بداية القرن العشرين ومن ثم صراعات ومنافسات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وبين الأتحاد السوفيتي السابق والأمر يتطلب اليوم أن تجري تحولات ليس على العراق فحسب، بل وعلى مجمل نظام الدولة في المنطقة وولادة دولة أخرى على غرار دولة كوردستان عنوان البيشمه ركه ودولة كوردستان، البديلان الأول والثاني:
وكما خرج زمام مشكلات الشرق الأوسط عن نطاق السيطرة وتقف الولايات المتحدة عاجزة أزاءها ولا تمتلك أية سياسة أو ستراتيجية واضحة بشأنها وأقتصرت كل مساعيها في أيجاد توازن بين الصراعات والمشكلات القائمة بين السنة والشيعة، والذي لا يعدو كونه وهماً لا غير، فإن قوات البيشمه ركه كقوة فاعلة على الأرض و دحرها للأرهابيين قد غدت هي الأخرى، أمرا واقعاً يحث الخطى نحو بديل أخر وهو ولادة دولة كوردستان وذلك ليس بقرار أحادي من القيادة السياسية الكوردستانية، بل كضرورة حتمية لأعادة تنظيم القضايا والمشكلات المعقدة في الشرق الأوسط وتولى ميزان القوى بين محوري المشكلة واللذين يمثلان السنة والشيعة، ولو أمعنا النظر، من منطلق هذه الحقيقة في أتفاقية لوزان بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي الأيراني، لوجدنا أن مخاوف المملكة العربية السعودية ودول الخليج وحتى مصر والأردن من الحرب بالوكالة مع الشيعة في اليمن والبحرين والعراق وسوريا ولبنان تفوق مخاوفها من أحتمالات أمتلاك إيران لأسلحة نووية، وهو ذاته كان المنطلق لبدء العربية السعودية هجماتها على الحوثيين و دون العودة الى الولايات الأمريكية، على غرار قيامها بإرسال القوات الى البحرين وأضطهاد مظاهرات الشيعة هناك، وأكثر من ذلك لو عدنا الى مقولة روبرت ساتلوف التي نوهنا اليها في مقدمة هذا التقرير، فإن مخاوف السعودية و دول الخليج من المد الشيعي والأيراني تفوق الخطر الأسرائيلي هذا في حين أن الدولة الأسلامية- داعش تشكل خطراً مباشراً على سيادة جميع الدول العربية السنية ولو عدنا من هنا مرة أخرى الى أسلوب تعامل الولايات المتحدة مع قوات البيشمه ركه، لوجدنا أنها والى أن شن داعش هجومه على أقليم كوردستان في عام 2014 ، كانت تحمل مخاوف من أنه( لو تم تسليح وتدريب هذه القوات بصورة عصرية، فإن تأسيس دولة كوردستان سوف يصبح أمراً واقعاً) إلا أنه وبعد شن داعش هجماته وأحتلاله للعديد من المناطق الكوردستانية، ومن ثم أعلن رئيس أقليم كوردستان، شن حرب شاملة ضد ارهابيي داعش وتم في غضون بضعة أيام ليس ايقاف تل الهجمات، بل وتحرير العديد من المناطق الكوردستانية المهمة مثل مخمور وكوير، ومن ثم فقد توصلت أدارة أوباما الى قناعة بوجود قوة تتمكن من أيقاف هجمات ارهابيي داعش و دحرهم و قررت أن تقدم مساعدات جوية لقوات البيشه ركه بل أنها قد توصلت الى قناعة بضرورة أن تجري تغييرات في سياستها أزاء الحكومة العراقية وتوظيف كل ضغوطها من أجل أزاحة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وتشكيل حكومة جديدة قادرة على معالجة مشكلاتها مع أقليم كوردستان، وفي مقدمة كل تلك المساعي فإنها قد مارست ضغوطها لضمان تحديد حصة قوات بيشمه ركه كوردستان، و كقسم من المنظومة الدفاعية العراقية، من الموازنة السيادية للدولة وهي متغيرات أنطلقت من تضحيات قوات البيشمه ركه والقيادة المباشرة للرئيس البارزاني لتلك القوات وأنتصاراتها على الأرهابيين، وتسبب كل ذلك في حدوث متغيرات على موازين القوى وأن لا يتمكن العراق بعد الآن من تهديد أقليم كوردستان بلغة القوة، ما أوجد أوضاعاً فتحت بوابة لمعالجة المشكلات بين بغداد وأربيل، تزامناً، والى يومنا هذا، مع عدم تفهم التحالف الشيعي بكل مكوناته لحقيقة أن تغيرات قد حصلت على موازين القوة والتي هي الضامنة لأعادة تنظيم العلاقات بين أربيل وبغداد لا أن يرسلوا كتاباً من بغداد يذكرون فيه(قررنا تنفيذ ما يأتي) والجلي أن تفهم هذا الواقع الجديد لم يكن أمراً هيناً بالنسبة للتحالف الشيعي ويحتاج الى توصلهم لقناعة أن المرحلة الفدرالية أو الصيغة الفدرالية الواردة سابقاً في الدستور العراقي، والتي لم يكونوا ليفهموها جيداً، قد أنتهت وأن الفدرالية تحل وفق معان آلية جديدة وهي إعادة الربط بين أقليم كوردستان والعراق وليس إعادة أقليم كوردستان كجزء من عراق موحد.
• زيارة العبادي لأربيل قبل ذهابه الى واشنطن:
- منذ عام 2014 وتشبه العلاقة بين أربيل وبغداد العلاقة بين عاصمتي دولتين أكثر من كونها علاقة وتعاوناً بين أقليم داخل دولة فدرالية، كما أن الأتفاق الذي أبرم لمشاركة الكورد في حكومة العبادي والتي تقرأ فيها بصورة واضحة أمتعاض وعدم رضا المكونين العربيين السني والشيعي، كما أنه، وكما لاحظنا في مسألة تصويت مجلس النواب العراقي لمنح الثقة لتشكيلة العبادي، فقد أتصف برفض المكونين للمقاطعة الكوردية فيها، وكان ذلك أشارة الى أن المكونين لا يقبلان بإن تبدي نوعاً من الأعتراف بالسيادة والأستقلال الأقتصادي والعسكري لأقليم كوردستان بحيث تشبه دولة مستقلة وأن يقفا مضطرين أزاءها، كما أن ردود الأفعال التي أستجدت بعد مباشرة حكومة العبادي في تنفيذ قانون الموازنة العامة لعام 2015 كانت هي الأخرى تشبه رد فعل دولة أزاء دولة أخرى، وكانت ذريعة حكومة بغداد، أن أربيل لم تلتزم بتصدير النفط وفق ما تم الأتفاق عليها، إلا أنه وبعد معالجة المشكلات الفنية فإن العلاقة بين اربيل و بغداد تسير اليوم نحو التطبيع، هنا لو تابعنا بعض التصريحات الصحفية التي أعقبت الأتفاق بين اربيل و بغداد لوجدنا أن من يتفهمون حساسية الوضع و حقيقته ضمن التحالف الشيعي إنما يتحدثون بصراحة أن الحصة التي ترسل الى أقليم كوردستان من الموازنة العامة وبما فيها نفط كركوك تساوي نسبة 17% من الموازنة المحددة للأقليم وتتم في هذا النهج قراءة مضمون رسالة موجهة للأقليم مفادها:
أنكم حتى لو قمت ببيع نفط كركوك والأنفصال عن العراق فإن ذلك لا يصل مستوى ما يصلكم الأن من بغداد .. لقد كانت العبارات أعلاه مهمة جدا للتنويه الى مدى التطور الذي طرأ على العلاقة بين بغداد واربيل وهو أكبر مما ورد وفق معطيات صياغة الدستور العراقي لعام 2005 لأن الواقع الجديد قد فرض التفكير في أتباع الية واسلوب جديد لتلك العلاقة والتي يسعى العراق وواشنطن ايضا لأحلالها ضمن الدستور العراقي، غير أن الأمر الواقع قد فرض أجراء تفسير جديد وواقعي للدستور بحيث ينعكس فيه أختلاف و خصوصية أقليم كوردستان بصورة واضحة في مستقبل العلاقة بين بغداد واربيل، وعلى ضوء هذه المتغيرات الجديدة وكذلك الأنتصارات التي تحققت مؤخرا في تكريت وزيارة العبادي الى اربيل وأستقبال رئيس أقليم كوردستان له و من ثم أجتماعهما لبناء تعاون عسكري لتحقيق عمليات مشتركة والتي يجري الحديث عنها بإنها تخص تحرير الموصل، إنما هي إشارة صريحة الى رغبة العبادي في زيارة واشنطن وهو يحمل رسالة في أجتماع مع الرئيس أوباما تضم الموافقة الضمنية لبغداد على الواقع الجديد العراقي والكوردستاني سيما وقد جاء أجتماع الرئيس البارزاني والسيد حيدر العبادي على غرار أجتماع عقد بين قائدي القوات المسلحة لأقليم كوردستان والعراق في وقت أحوج ما تكون فيه الولايات المتحدة لتحرير الموصل من أيدي أرهابيي داعش وكذلك أبعاد النفوذ الأيراني على الشيعة وكما أوقفت الولايات المتحدة في معركة تكريت حملتها الجوية لتبرهن للعراقيين إلا أن تلك المعركة لا تحقق النصر بتعاون أيران، إلا أنه وفي ذات الوقت ولأن المساندة الأمريكية لحكومة بغداد من منطلق أيران هي دعم للشيعة وحماية لهم من مخاطر داعش فإن هذه المسألة ستكون الى حد ما موضع قبول الجانب الأيراني أيضا إذا ما راعت الولايات المتحدة حساسية سوريا بالنسبة لموضع أيران وعدم السماح بإسقاط نظام الأسد و حلول السنة محله فإن هذا التعامل بين الولايات المتحدة وايران قد يكون موضع أهتمامهما وإذا ما أتفقتا، فإن إيران تقوم بخفض نفوذها في العراق وعلى الولايات المتحدة بالمثل أن تراعي الوضع والوجود الأيراني في سوريا إذا ما قبلت ايران بتراجع القلق السعودي في اليمن والبحرين وأيا كانت تداعيات و معطيات التعاون بين اربيل وبغداد في خضم كل ذلك فإن لها أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة وتعتبر الخطوة الأولى والحجر الأساس لستراتيجية السياسة الأمريكية الراهنة والمستقبلية في الشرق الأوسط.
• وفق المفهوم القديم للدولة، لا وجود للعراق اليوم.
- عندما يجري الحديث عن عدم مواصلة العمل في إطار خريطة الدول التي خلفتها أو أنتجتها أتفاقية سايكس بيكو، فإن ذلك يعني أن تلك الدول تقوم بفرض مكون على آخر وتجعله دكتاتورا عليها وهي مسألة لا يمكن للمكونات الأخرى أن تقبل بها، لذلك فإن هيكل الدولة، ومنذ بداية تشكيل تلك الدول، كان مصدر الفوضى وعدم الأستقرار والقمع والقتل الجماعي، لذلك لو سعت الولايات المتحدة بصورة خاصة والمجتمع الدولي بصورة عامة لأبقاء الحدود التقليدية لسايكس بيكو كما هي فإنه يجب التفكير في إنهاء النموذج القديم الذي تمت بموجبه أدارة الحكم منذ بداية القرن العشرين والى يومنا هذا وإعادة بناء نموذج جديد آخر للدولة داخل تلك الحدود التقليدية أو بصورة أوضح يجب الأعتراف أن ذلك النموذج القديم الميت قد أنتهى و يجب أتباع نموذج جديد، وهو السبيل الوحيد لأمكانية أبقاء دولة أسمها العراق...


ترجمة/ دارا صديق نورجان

Top