• Monday, 23 December 2024
logo

الفاتيكان توصلت الى قناعة أن أقليم كوردستان

الفاتيكان توصلت الى قناعة أن أقليم كوردستان
(يقول المطران بشار وردة في كلمة ألقاها يوم 10 شباط 2015
أمام كنيسة و يستمنستر في العاصمة البريطانية لندن: عقب سقوط النظام السابق في العراق عام 2003 فإن جرائم الأبادة الجماعية والترحيل تمارس فيه بشكل مباشر ضد المسيحيين مثل المذبحة التي أرتكبت في كنيسة سيدة النجاة عام 2010 في بغداد وتعرض فيها العشرات من المصلين الى عملية قتل جماعي، كما أنهم قد تعرضوا في عام 2014 أيضا الى أبشع جريمة للأبادة الجماعية في تأريخنا لذلك فإن المسيحية، كدين و ثقافة، تتعرض في بلدما بين النهرين (ميزو بوتاميا) الى نوع من الأحباطـ فقد تم خلال العام الماضي أجبار أكثر من (125) ألف مسيحي على النزوح أو الهروب من مناطقهم لأنهم لم يقبلوا بشروط داعش وأصروا على البقاء على ديانتهم المسيحية وقد تمكن هؤلاء من الفرار ليلاً فقط والسير لساعات عديدة وعبر الأراضي و طرق مختلفة و تركوا كل ما يمتلكون عدا الملابس التي كانوا يرتدونها ووصلوا الى أقليم كوردستان وهم يجهلون الأن إن كانوا يتمكنون من العودة الى بيوتهم و مناطقهم مرة أخرى أم لا.
المطران بشار وردة أمام كنيسة ويستمنستر
في لندن – 10 / شباط 2015
• أحتدام التهديد على الهوية المسيحية في العراق:
إذا كانت دولة الفاتيكان رمزاً للهوية المسيحية في العام: فإنه لا يجوز لها، والمسيحيون في العراق والهوية المسيحية فيه تتعرض الى خطر عدم البقاء أن تستمر في صمتها أزاء الوحشية التي يرتكبها تنظيم داعش ضد المسيحيين والأنسانية جميعاً وعليها أن يكون لها موقف واضح وأكثر جدية أزاءها، فموقف الفاتيكان هو ليس عبارة عن أن تكون كدولة عضوا في التحالف الدولي ضد ارهابيي داعشـ لأنها دولة ليس لها جيشها او جنودها، إلا أن موقفها من الناحية السياسية له آثار أو تأثير كبير على هذا التحالف الدولي وبإمكانها أيضاً أن تفتح بوابة مشرعة للتفاوض والحوار بين العالمين المسيحي والأسلامي، واكثر من ذلك أن بإمكان دولة الفاتيكان، التي هي الأن هوية للسلام والمسيحية في العالم، أن تجعل التأريخ الدموي داخل هذه الديانة الى تجربة ناجحة لمساعدة العالم من أجل أنهاء العنف والتطرف والوحشية التي يمارسها الأرهابيون تحت ستار الدين الأسلامي، وبالمقابل فإن من الأهمية بمكان أن تحقق الفاتيكان وبصورة أوضح وعلى مستوى المجتمع الدولي، تعاوناً دولياً للمناطق أو الدول التي أوجدت حياة آمنة للتعايش بين مختلف القوميات والديانات فيها بصورة أنسانية وفي ظل ثقافة التعايش والتسامح.... و جلي أن أروع بقعة لهذا التعايش والتسامح هي اقليم كوردستان وفي ذلك فإن جميع رجال الدين المسيحي في العراق والأقليم، ايضا ينوهون الى أنه لولا هذا الأستقبال والترحيب الكبير للأقليم بمسيحي العراق فإنهم كانوا يتعرضون الأن الى أكبر تهديدات القتل وتفجير الكنائس أما إذا بقى هؤلاء في المناطق الخاضعة لسلطات (الخلافة الأسلامية)، فإنهم، وكما قال المطران بشار متى وردة أمام الكنيسة البريطانية، كانوا يجبرون على التخلى عن الديانة المسيحية وأعتناق الدين الأسلامي على أيدي داعش ولم يخف مطارنة و قساوسة العراق الذين يعيش معظمهم الآن في أقليم كوردستان، حقيقة يئسهم في العودة الى مناطقهم و ممارسة شعائرهم و عاداتهم وتقاليدهم الدينية والثقافة بحرية، ما حدا هؤلاء، فضلاً عن المطالبة بقيام التحالف الدولي ضد الأرهاب بإستخدام قواتهم البرية في تحرير المناطق الخاضعة لسلطات داعش حالياً، فإنهم يفرقون بين تحريرها من الناحية العسكرية ومن الناحية السياسية أيضا، لذلك فإن هذه الأمور بعد ذلك تستوجب تهيئة البيئة المناسبة القادرة على تأمين الحريات السياسية والدينية والثقافية ويتم ذلك بربط تلك البيئة بنظام سياسي يكون،على غرار النظام السياسي في أقليم كوردستان قد أنشئ على أسس التعايش والتسامح ويجب التوقف أزاء ذلك النظام أو الأساس كمبدأ وليس كأداء مرحلي أو تكتيك كما يتعامل به الأن حزب الله اللبناني ونظام الأسد العلوي مع المسيحيين كأقلية، والأن حيث يحاول أرهابيو داعش و بصورة مركزة مسح مظاهر المسيحية و جميع الأثار التأريخية للأشوريين والكورد في مختلف مناطق نينوى أو تفجيرها، فإن الأمور لا تحتمل أية شكوك على حقيقة أنه صحيح أن هناك مجموعة بإسم الخلافة الأسلامية تمارس هذه الأعمال الوحشية ضد المسيحيين في نينوى، ولكن دون أن ننسى أن هناك ثقافة تقف ساكتة أزاء تلك الأعمال أو بمعنى آخر: صحيح أن الأخيرة لا تشترك في تخريب و هدم وتفجير كل هذه الأثار العريقة، غير أنها لا تمانع في عدم بقائها، وهذه حالة يشعربها الغالبية العظمى من مسيحيي العراق في أن يفكر المجتمع المدني، و بطريقة أخرى، في حماية هوية جميع القوميات والديانات غير العربية أو غير الأسلامية لأنه صحيح ان فكر داعش يبدأ أولاً بالديانات المختلفة ويقوم بصهرها، إلا أن لدى داعش بالنتيجة جذوراً عميقة و ضاربة في الفكر الشوفيني العربي والذي يعتبر من هو غير عربي أو لا يتحول الى عرب بإنهم كفرة و يحلل قتلهم.
لذلك فإن المهم في هذا الأطار أن تؤدي الفاتيكان و قداسة البابا دوراً اشمل والتفكير على الأقل، وكيف أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هؤلاند قد قام شخصياً بزيارة أقليم كوردستان، وتفقد فيه أوضاع المسيحيين، أن يقوم قداسته بزيارة الأقليم والوقوف عن كثب على الوضع الأمن والتسامح والتعايش بين مختلف القوميات والديانات في أقليم كوردستان وأن يؤكد على أرض الواقع دعمه و مساندته للأقليم.
• اللقاء بين قداسة البابا وبين رئيس حكومة أقليم كوردستان:
لقد أنعكست أصداء زيارة السيد نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة أقليم كوردستان الى دولة الفاتيكان و مغزاها ولقائه مع قداسة البابا في أن وزير الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة الأقليم كان أحد أعضاء الوفد وتتم في ذلك قراءة أن رسالة رئيس حكومة الأقليم لقداسة البابا تضمنت أن ثقافة التسامح والتعايش في اقليم كوردستان كانت القسم الأهم لأنعكاس أسلوب فهم الكورد للدين الأسلامي الحنيف وأنه لم يتم على مدى التأريخ الخلط في مسألة الدين كعلاقة بين الله والأنسان، و بين الدين والسياسة وبالنسبة للمكون القومي للكورد فإن هناك العديد من الديانات المختلفة مثل الكاكه ييه والأيزدية والمسيحية مع وجود أختلافات مذهبية في الأسلام مثل السنة والشيعة وفي الأمة الكوردية كقومية إلا أن الأختلاف الديني لم يكن يوم من الأيام سبباً في تفتت الكورد كقومية، وهي مسألة توضح لنا أكثر تلك الرسالة في أنه إذا لم يكن في الأختلاف الديني والمذهبي عثرة في طريق تعزيز هويتهم القومية، عندها ستكون الأرضية ملائمة لتعزيز الهوية الكوردستانية كوطن للجميع وفق هذا المفهوم وألا يكون الأختلاف القومي والديني عائقاً أمام هذه الهوية الوطنية، والتي لها وجودها اليوم في كوردستان وتفتخر بها مختلف القوميات والديانات إنما هي بإمس الحاجة لمزيد من الحماية والدعم، وبالأخص مساندة الفاتيكان كدولة و رمز للهوية المسيحية على مستوى العالم، كما أن جانباً أخر من زيارة رئيس حكومة أقليم كوردستان لدولة الفاتيكان و لقائه و مباحثاته مع قداسة البابا و غيره من مسؤولي الدولة كان بناء حوار حقيقي و بعيد عن المجاملة للترابط والتعامل على المستوى الأنساني بين العالمين الأسلامي والمسيحي وتحولها الى واقع وتنفيذها بصورة عملية.. صحيح أن قداسة البابا قد زار العديد من الدول الأسلامية وسعى فيها لبناء الحوار مع العالم الأسلامي إلا أن تلك المساعي كانت رمزية فحسب ولم على مستوى المجتمع أو بناء حوار جدي بين الثقافتين الأسلامية والمسيحية في حين أن لمثل ذلك الحوار الجدي والأختلاط العملي وجودهما في كوردستان ليس بين المسلمين والمسيحين فقط بل أن تلك الأرضية في أقليم كوردستان قد بلغت مرحلة متقدمة من السمو حيث تتجاور فيه مساجد المسلمين وكنائس المسيحيين و معابد الأيزديين بل أكثر من ذلك هو توفر تلك الأرضية بحيث تجمع فيها شاشة محطة تلفزيونية كوردستانية رجال الدين المسلمين والمسيحيين والأيزديين معاً ويتحاورون معاً بلغة السلام ولا يسئ اي منهم لديانات الأخرين، ما يعني أن لثقافة التعايش والتسامح وجودها في كوردستان كظاهرة طبيعية وتاريخية، وهي نادرة على مستوى العالم، ونعني بذلك أن التسامح والتعايش الذي أوجدته الأنظمة الليبرالية الديمقراطية في الدول الغربية هو نتاج عملية تأريخية للتخلص من الحروب والتطرف الديني ولا يشترط ان تكون هذه الظاهرة في الغرب نابعة من أعماق الأفراد و ضمائرهم بصورة طبيعية ما يبرر أستمرار وجود حالات التعبير عن الأحتجاج ضد ظاهرة الهجرة والأختلاف الديني والأتني في الغرب حتى الآن، إلا أن لهذا الشعور الأنساني في كوردستان وجوده في ضمائر الأفراد.

ترجمة / دارا صديق نورجان
Top