• Monday, 23 December 2024
logo

ثورة أيلول... حدود وطن وهوية أمة

 ثورة أيلول... حدود وطن وهوية أمة
مالم يتم تحديد حدود كوردستان كوطن ويمتلك الكورد والكوردستانيون هويتهم كشعب وأمة، فإن يجب أن يستمر ويدوم شعار الثورة (كوردستان أو الفناء) فمفهوم هذا الشعار هو ليس مفهوماً حماسياً لحث العاطفة القومية والحس الوطني بل هو عقيدة أمة نحو تعريف الأستقلال والحرية ويرتبط بوشائج عميقة بحدود وطن وهوية أمة، عليه لو تعوقفنا في إطار هذا الشعار عند كلمة كوردستان؟ لوجدناها بصدق أن لها كوطن تشمل تلك الحدود الجغرافية والتأريخية التي تتجسد حدودها في عقيدة أمة حية وقناعتها.. والأهم من ذلك أن هذا الشعار قد ربط بين وشائج التأريخ القومي كحلفة راسخة، أي بمعنى آخر أن ثورة أيلول قد ربط بين معركة (بەردەركی سەرا)- أي معركة أو أنتفاضة ساحة السراي في مدينة السليمانية وبين بداية أنطلاق الثورة عن هذا الجانب ينوه الأستاذ محمد ملا قادر في لقاء خاص نشر في هذا العدد من مجلة كولان الى أن ثورة أيلول التحررية قد بدأت وأنطلقت من الأعتصام الشامل الذي عم كوردستان برمتها في يوم 6/9/1961 لتلك الموقعة الوطنية إلا أن أستخدام الحكومة العراقية لجميع قواتها لمهاجمة كوردستان يوم 11 أيلول 1961 كان هو الدافع لتسميتها بثورة 11 أيلول .
• الحدود والهوية
أن فلسفة الثورة التحررية هي أجراء تحول ثوري على جميع المفاهيم والمعتقدات التي سبق أن ثارت وهاجت لدى الأمة لتتعزز من جديد في أطار مفهوم جديد وبصيغة ثورية ما يحدد بشعارات أكثرية الثورات التحررية أن تكتسب أسلوباً أو صيغة شعبية ويتجلى فيها نوع من أنسانية تناغم الكلمات وهو ديدن جميع الثورات التي تتولد وتنبعث شعاراتها من أعماق الجماهير، وأنطلاقاً من هذه الحقيقة لو أمعنا النظر في شعار ثورة أيلول العظيمة(كوردستان أو الفناء) لوجدنا أن تلكما الكلمتين(كوردستان والفناء) لهما ذلك النوع الرائع من التناغم واللحن البديع..
إلا أن عظمة هذا الشعار نابعة من أنه قد جمع بين عموم فلسفة ثورة أيلول وأهداف و طموحات الأمة الكوردية وسائر الكوردستانيين والتي تجسدت في أعماقه، هنا من المهم العودة الى السنوات التي سبقت أندلاع ثورة أيلول وفي عدة نقاط:
1- بعد سقوط النظام الملكي وإعلان الجمهورية العراقية، فقد تم أعلان الدستور العراقي المؤقت وتم في المادة الثالثة منه أعتبار العراق وطناً مشتركاً بين الكورد والعرب، وإزاء هذا التحول السياسي الجديد في العراق، فإن الجانب الكوردي قد رحب به كما أن البارزاني الخالد وكان يومها في منفاه بالأتحاد السوفيتي السابق قد ساند هذا التوجه وكان الحزب الديمقراطي الكوردستاني مستعدا كحزب سياسي أن يحصل على الأجازة الرسمية ويشارك بصورة سياسية في ذلك التحول.
2- لو كانت حكومة عبدالكريم قاسم ملتزمة بدستورها المؤقت ونفذت الفقرة الخاصة بالشراكة الوطنية بين الكورد والعرب، فإن الكورد لم يكن ليضطروا الى اللجوء للثورة، وكان رد الحزب الديمقراطي الكوردستاني (البارتي) على هذا التراجع أحياء معركة ساحة السراي في السليمانية التي وقعت عام 1930 بمفهوم أنه(لو لم تكن الحكومة العراقية مستعدة للأعتراف بكوردستان كوطن للكوردستانيين، فإنهم بدورهم غير راغبين في أن يكونوا جزءا من العراق الذي خرق في عام 1930 جميع مواثيق عصبة الأمم وتم الحاق جنوب كوردستان بالعراق بالقوة ودون الوقوف على رأي الكورد.
ما يعني أن تلكما النقطتين تقولان لنا، أن رسالة (كوردستان أو الفناء) لثورة أيلول إنما تركز في طياتها مفهومين قوميين موطنيين عظيمين وهما عبارة أن تكون لكوردستان كوطن حدودها الجغرافية والتأريخية ولشعب كوردستان هويته الوطنية وبالمقابل لو لم يكن أعداء كوردستان ليسو مستعدين للأعتراف بهذه الحقيقة، فإن الكورد عندها يكونون مستعدين للتخلى عن الحياة وأختيار الموت أو الفناء من أجل الحرية والأستقلال ما يعني بالتالي أن شعار(كوردستان أو الفناء) هو تعريف صادق لكوردستان عدة منطلقات وفي مقدمتها الخريطة السياسية لكوردستان التي تجسدت في ذلك الشعار مع وجوب أن تكون كوردستان حرة و مستقلة وبمسار يليق بتحرر هذا الشعب.
تــــوافق وتناظر الحرية والحياة:
إن الأسم والشهرة التي يتسم بها البيشمه ركه هي نابعة من أساس تلك الأرادة التي أثار بها البيشمه ركة ثورة أيلول، وكان ذلك تناظراً بين الحرية والحياة والموت مع الأحتلال وجاءت ثورة أيلول إنطلاقاً من ذلك تلك الصرخة العظيمة التي أبلغت بصوت (البرنو) عموم محتلي كوردستان: إما نكون أحراراً كما الشعوب المحبة للحرية أو نختار الموت وليس الأضطهاد والعبودية.
ولأن البيشمه ركة قد ناظروا بدمائهم الحرية مع الحياة فإن ذلك قد أصبح والى يومنا هذا حلقة وصل دائبة تمتثل في أن من يحد نفسه في جبهة الشعب والحركة التحررية الكوردستانية، فإنه يعيش في أجواء أن مصطلح دماء الثورة قد أصبح رمزاً لجميع الثورات والثوار ودأبوا عليه وبأختلاف توجيهاتهم السياسية، ما جعل عموم من ناضلوا في صفوف الثورة من غير أعضاء الحزب الديمقراطى الكوردستاني(البارتي) ومن مختلف الأحزاب السياسية وبالأخص الحزب الشيوعي العراقي وأصحاب الفكر القومي الكوردي ومن المستقلين أيضاً أن ينضووا تحت لواء قوات بيشمه ركه كوردستان بقيادة البارزاني الخالد وضحوا بدمائهم في خنادق البيشمه ركة .
أي أن معاني وهوية البيشمه ركة والتي عرفتها ثورة أيلول لجماهير كوردستان منذ بدايات أندلاعها، وأحتضنتهم تلك الجماهير بتلك الروح والمعنوية والمحبة والوثابة، هي أن البيشمه ركة و كجيش لحماية كوردستان قد تحمل أعباء فاقت التوجهات السياسية، وكانت تلك حماية كوردستان، ما يعني أنه من الطبيعي جداً أن تكون هناك أختلافات في التوجهات السياسية للأطراف الكوردستانية، ولكن لا يجوز أن تكون في صفوف قوات للبيشمه ركة المدافعة عن كوردستان خلافات أو مشكلات سياسية، ما يفرض أهمية أن تكون قوات حماية كوردستان هذه سيما في يومنا هذا حيث تخوض كوردستان حرباً ضروساً ضد أرهابيي داعش وفي كل جبهات القتال الممتدة من شنكال(سنجار) وحتى جلولاء حيث تحمل قوات البيشمه ركة من جديد شعار(كوردستان أو الفناء) وبصورة عملية وأصبحت الدرع الفولاذي لحماية حدود كوردستان، أن تكون البيشمه ركة فوق الميول والأتجاهات السياسية المختلفة بحيث لا يجرؤ أحد على التلاعب أو الخوض في أسم البيشمه ركة و معتهم وتحديدها في أطار حزب سياسي معين أو لأغراض ومصالح و مكتسبات سياسية ضيقة إن هذه النظرة الواقعية لثورة أيلول والخوض في اعماق هيكلية قوات بيشمه ركة كوردستان داخل ثورة أيلول يعيدنا الى حقبة أن البارزاني الخالد كقائد للثورة قد أسس قوات بيشمه ركه كوردستان كجيش للدفاع عن كوردستان وكان يهدف من وراء ذلك أن يكون هذا الجيش بعيداً عن السياسيية وتتلخص مهمته في حماية كوردستان و وجود شعبها.. لذلك فإن من الأهمية بمكان، حيث تحث تلك القوات الخطى فإن من الأهمية لتكون رائداً في الحرب ضد الأرهابيين، أن تتحول وبصورة عملية وتصبح جيش كوردستان ويؤدي مهمته وبذات روحية ثورة أيلول وبعيدا عن السياسيية، في الدفاع عن كوردستان والحرية.
• الحرب ضد الأرهاب بذات روحية بيشمه ركة أيلول:
إذا كانت الحرب ضد المنظمات الأرهابية بالنسبة لقوات بيشمه ركه كوردستان، كحرب مباشرة و واسعة، صيغة جديدة في الحرب، فإن معاداة شعب كوردستان و قيادة ثورة ايلول التحررية وفي مقدمتهم من لدن الأرهاب والأرهابيين وأرهاب الدولة هي ليست بجديد، فقد وقفت الثورة منذ بداياتها وهي تحارب الأرهاب وأرهاب الدولة أيضا، ما جعل ثورة أيلول هي الوحيدة من بين ثورات المنطقة، وعلى مستوى العالم أجمع، وبما فيها الثورتان الأمريكية والفرنسية، والتي لم تلجأ يوماً للأرهاب الجماعي وقتل المدنيين العزل، لذلك وعندما هاجم الأرهابيون، يوم 11 سبتمبر 2001، بنايتي المركز التجاري العالمي في نيويورك فإن رئيس أقليم كوردستان قد أبلغ العالم أجمع بإنه:
إذا كان العالم يعلن يوم 11 سبتمبر 2001 تحالفه للحرب ضد الأرهاب، فإن شعب كوردستان قد خاض الجبهة المعادية للأرهاب منذ 11 أيلول 1961 (يوم أعلان ثورة أيلول التحررية) ورغم أن الحكومات العراقية المتعافية قد مارست كل أنواع الأرهاب وأرهاب الدولة ضد شعب كوردستان وثورته التحررية، إلا أن قيادة ثورة أيلول ورغم تأثيرات وردود الأفعال أزاء الأعمال والممارسات الوحشية لتلك الحكومات، لم تلجأ يوماً الى مثل تلك الأعمال والممارسات بل قامت بحماية المدنيين وحالت دون توجه الحرب بين الأحرار وبين الأنظمة القمعية الى حرب بين الكورد والعرب، فيما أتسمت حروب المحتلين ضد شعب كوردستان ومنذ ثورة أيلول والى يومنا هذا بنية أرهابية وألقوا بحمم أقحادهم على كوردستان وشعبها في مسار عنف جديد، وكانت المسألة الرئيسة في ذلك الأستعداد الدائم لشعب كوردستان للتضحية بالنفس من أجل الحرية والأهم من ذلك هو وجوب أن تثق قوات بيشمه ركة كوردستان وتطمئن وتتأكد من أنه طالما بقيت كوردستان جزءا من هذه البيئة المضطربة والحاقدة التي تهيئها ضد كوردستان، فإن مخاطر عودة تلك الأحقاد ضد شعبها سوف تستمر لما بعد دحر أرهابيي داعش أيضا.
وقد لجأت الأنظمة العراقية السابقة، وهي تبحث عن أخفاء الشرعية على منفذى عمليات إبادة الكورد و محتلي كوردستان، الى أعتبار الكورد جميعاً بإنهم كفرة و مرتدون، وأضفاء حلة دينية على حروبهم المفروضة على كوردستان لذلك عندما تجد اليوم أرهابيي داعش وهم يقومون بقتل الكورد والأيزديين بأسم الدين وتنفيذ أسوء حالات القتل الجماعي وأحتلال ممتلكاتهم وغصبها وأخذ نسائهم كسبايا حرب، فإن ذلك يذكر بإن المحتلين قد مارسوا في السابق ذات الجرائم كلما تسنت لهم الظروف وأختاروا في ذلك، وبذات الأساليب التي تتبع اليوم، أسم الدين في تدمير المدن الكوردستانية وقراها وسير الحياة فيها، ونفذوا، تحت غطاء الآليات القرأنية الكريمة، عمليات الأنفال المشؤومة ما يعني أن مساعي إبادة الكورد تحت غطاء الفكر الشوفيني العربي أو أستخدام مفاهيم الدين الأسلامي الحنيف لأضفاء الشرعية عليها ليست بجديد وأن جميع من يحملون الأفكار الشوفينية، مثل المصانع المماثلة لأرهابيي داعش تنتج ذات الضغائن والأحقاد ضد كوردستان وشعبها وبمختلف الصيغ والوسائل ومن منطلق مخاوف أستمرار هذه المخاطر على كوردستان وشعبها وتوقع تكرارها في كل حين، فإن من الأهيمة بمكان أن تبقى قوات بيشمه ركة كوردستان ذلك الجيش المقدام والدرع الفولاذي لحماية كوردستان وشعبها وأن نتطلع جميعاً الى ذلك الواقع و نعتبر الحرب القائمة علينا اليوم هي حرباً مفروضة على غرار ما فرض على شعبناً في بداية ثورة أيلول العظيمة والأكثر ما تعرض على مدى تأريخه وقد ظهر للعالم أجمع وبصورة ملية أن شعب كوردستان لم يكن ملجأ للحرب أبداً، بل أن الحرب هي المفروضة عليه، ما يجعلنا نعتبر الحرب المفروضة علينا من قبل داعش بإنها حرب تهدد وجودنا وكرامتنا القومية وأنه لو تسنت الفرصة لأرهابيي داعش لأرتكبوا ذات الجرائم التي أرتكبوها بحق أخوتنا الأيزديين في شنكال(سنجار) وغيرها ضد جميع الكوردستانيين وعلى أختلاف دياناتهم وقومياتهم وأن الذريعة الوحيدة لديهم في حربهم لفناء الكورد هي فقط هويتهم الكوردية وأن تنويههم الى وجود ديانة مختلفة لدى الأخوة الكورد الأيزديين هو مجرد ذريعة واهية بل أن الهوية الكوردية هي الباعث لدى هؤلاء لأبادتهم.
المفاهيم السياسية لثورة أيلول بالنسبة للحاضر:
في يوم 6 آيار 1975 عندما تعرض الكورد، بمؤامرة دولية، لنكسة كبرى فقد جرت المساعي لتسليم الكورد لأرادة المحتلين، فإن ثورة أيلول قد أختارت الأنتهاء والتواري بدل التسليم أو التخلي عن شبر واحد من أرض كوردستان وفي مقدمتها كركوك قلب كوردستان، ما يعني أن الرسالة السياسية الأخيرة لثورة أيلول للحركة التحررية الكوردستانية هي عندما وصلت المسألة المصيرية لشعب كوردستان الى مفترق الأختيار بين التسليم لأرادة المحتلين والأعداء أو الفناء فإن ذلك لا يتحمل أي تردد لأن ثورة أيلول قد أختارت يومها الفناء وعدم البقاء بدل التسليم لأرادة المحتلين.
إن العبرة المستقاة والعظيمة لثورة أيلول هي بالنسبة الينا كشعب كوردستان عبرة مهمة وتأريخية وبالنسبة لمحتلي كوردستان أو الأنظمة التي تفكر في ذلك أو تنتظر أن يتخلى هذا الشعب عن مطاليبه المشروعة ويستسلم لأرادة الأعداء ما يكسب أهمية خاصة لدراستها المحلية الدقيقة وفي ذات الوقت على المستوى الأقليمي أو الدولي سيما بالنسبة للأطراف والدول الراغبة في المشاركة لأيجاد حل سلمي للقضية الكوردية في المنطقة..
فالمهم أن تتوصل تلك الأطراف الى قناعة أن بالأمكان أن يصبح الكورد و قضيتهم مفتاح الأستقرار في العراق وعموم الشرق الأوسط، كما أنه لو تعرضت هذه القضية الى أية معضلات وأبعادها عن الحل الحقيقي ، فإنه لا يمكن للعراق ولا للمنطقة أن تعيش بأستقرار، وقد بقيت حتى الآن، حيث تمر العملية السياسية في العراق بأصعب حالات التعقيد وعدم الأستقرار، العديد من المشكلات الستراتيجية عالقة بين اقليم كوردستان وبين بغداد.. سيما تلك المتعلقة بقوات بيمشه ركة كوردستان والمناطق الكوردستانية خارج إدارة الأقليم فالشعور السائد هو أن ذات العقلية التي حاولت على مدى(50) سنة الحيلولة دون حل هذه القضية أو أيجاد العراقيل أمامها أو أتباع الحيل في العملية السياسية، هي السائدة اليوم وبذات العقلية في معاداة كوردستان وحق شعبها وأتخاذها كورقة أنتخابية لجميع الأصوات فيها.
ما يعني لو كان أصحاب السلطة في بغداد اليوم يتذكرون الأسس التي أندلعت ثورة أيلول بموجبها، وكان في مقدمتها تراجع النظام العراقي آنذاك عن تنفيذ الدستور المؤقت، لما تجرأ أحد منهم الآن على خرق الدستور العراقي مرة أخرى و مراوغة الحقوق المشروعة لشعب كوردستان.
إن ما يفرض التأكيد عليه هنا هو ذلك السبب الرئيس الكامن وراء أندلاع ثورة أيلول والذي بقى حتى الآن دون تداركه لذلك فإن المعاني الجليلة لثورة أيلول التحررية التي تتجلى في(حدود وطن وإرادة أمة) وتتجسد في(كوردستان أو الفناء) سيكون شعارنا اليوم و نحدد به مستقبلنا أيضا.

ترجمة / دارا صديق نورجان
Top